فريدمان في رسالة عاجلة من عمّان: إسرائيل تخسر “شرعيّتها العالميّة”

مدة القراءة 6 د

“إسرائيل تفقد أصدقاءها. هناك تآكل سريع متزايد لموقفها بين الدول الصديقة. وهو مستوى القبول والشرعية الذي بنته بشقّ الأنفس على مدى عقود. وإذا لم يكن الرئيس جو بايدن حذراً، فإنّ مكانة أميركا العالمية ستنهار مع مكانة إسرائيل”. هذه خلاصة “رسالة عاجلة إلى بايدن والشعب الإسرائيلي” وجّهها الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان من الأردن. وذلك في مقاله الأسبوعي في صحيفة “نيويورك تايمز”، بعد جولة له أخيرة بين نيودلهي ودبي وعمّان.

يعتقد فريدمان أنّ “إسرائيل أو إدارة بايدن لا يقدّرون تماماً الغضب الذي يتصاعد في جميع أنحاء العالم. وهذا الغضب تغذّيه وسائل التواصل الاجتماعي واللقطات التلفزيونية لمقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال. وذلك بأسلحة زوّدت بها الولايات المتحدة إسرائيل في حربها في غزة”. ويرى أنّه “حتى لو كانت حماس تتحمّل الكثير من المسؤولية في إثارة هذه المأساة الإنسانية. لكن يُنظر إلى إسرائيل والولايات المتحدة على أنّهما تقودان الأحداث الآن وتتحمّلان الجزء الأكبر من اللوم”.

فريدمان يدرك أنّ “هذا الغضب يغلي في العالم العربي”. لهذا استغرب سماعه “مراراً وتكراراً في محادثاته في الهند خلال الأسبوع الماضي، من الأصدقاء وكبار رجال الأعمال والمسؤولين والصحافيين الصغار والكبار على حدّ سواء، حيث إنّ هذا الأمر أكثر دلالة.

وذلك لأنّ حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي يهيمن عليها الهندوس هي القوّة الكبرى الوحيدة في الجنوب العالمي التي دعمت إسرائيل وألقت باللوم باستمرار على حماس. إذ اعتبرت أنّها استفزّت الأعمال الانتقامية الواسعة النطاق لإسرائيل. تلك التي أدّت إلى مقتل حوالي 30 ألف شخص، وفقاً لـمسؤولي الصحّة في غزة، غالبيّتهم من المدنيين”.

لماذا يتبعد أصدقاء إسرائيل عنها؟

لا يستغرب فريدمان أن “يبتعد أصدقاء إسرائيل وأن يظهر فريق بايدن بمظهر البائس بعد مقتل هذا العدد الكبير من المدنيين. وذلك في غزو انتقامي شنّته حكومة إسرائيلية دون أيّ أفق سياسي في الصباح التالي. ثمّ يقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نهاية المطاف خطّة لليوم التالي تبلغ العالم عزم إسرائيل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أجل غير مسمّى”.

يعتقد فريدمان أنّ إسرائيل أو إدارة بايدن لا يقدّرون تماماً الغضب الذي يتصاعد في جميع أنحاء العالم

وينقل عن شيكار غوبتا، كبير المحرّرين في صحيفة The Print الهندية: “هناك الكثير من الحبّ والإعجاب لإسرائيل في الهند. لكنّ الحرب التي بلا نهاية ستجهدها. وبغضّ النظر عن الصدمة الأوّلية، فإنّ حرب نتنياهو تلحق الضرر بأعظم أصول إسرائيل: الإيمان السائد على نطاق واسع بأنّ جيشها لا يقهر، وعصمة أجهزة استخباراتها وعدالة مهمّتها”.

يرى فريدمان أنّ “الدعوات شبه اليومية لمنع إسرائيل من المشاركة في المسابقات أو الأحداث الأكاديمية والفنّية والرياضية الدولية تهدف إلى فرض رقابة على إسرائيل. مع تجاهل تجاوزات إيران وروسيا وسوريا والصين، ناهيك عن حماس”. ويقرّ بأنّ “الحكومة الإسرائيلية تقوم بأشياء تسهّل هذا الأمر جدّاً. وذلك لدرجة أنّ العديد من أصدقاء إسرائيل، وخاصة القادة العرب منهم، يتعرّضون لضغوط من الشوارع.  تدفعهم إلى النأي بأنفسهم علناً عن إسرائيل. لأنّها لا تريد تصوّر أيّ أفق سياسي لاستقلال فلسطين. وهم يدعون الآن إلى وقف إطلاق النار حتى لا يسألهم مواطنوهم أو ناخبوهم، وخاصة الشباب، كيف يمكن أن يكونوا غير مبالين بالعدد المتزايد من الضحايا المدنيين في غزة”.

إسرائيل “مفرمة لحوم بشرية”

في رأي فريدمان “كان العالم مستعدّاً في البداية لقبول أنّه سيكون هناك عدد كبير من الضحايا المدنيين إذا أرادت إسرائيل اجتثاث حماس واستعادة رهائنها. وذلك لأنّ حماس زرعت نفسها في أنفاق تحت المنازل والمستشفيات والمساجد والمدارس. ولم تقُم بأيّ استعدادات لحماية المدنيين في غزة من الانتقام الإسرائيلي الذي كانت تعلم أنّها ستثيره بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) البربري”.

يحذّر فريدمان من أنّ نتنياهو على استعداد للتضحية بالشرعية الدولية التي اكتسبتها إسرائيل بشقّ الأنفس من أجل احتياجاته السياسية الشخصية

يضيف: “لكن لدينا الآن مزيجا سامّاً من آلاف الضحايا المدنيين وخطة نتنياهو للسلام التي تعِد باحتلال لا نهاية له. وذلك بغضّ النظر عمّا إذا كانت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ستتحوّل إلى هيئة حكم شرعية فعّالة وواسعة النطاق. وإذا كان يمكن أن تسيطر على الضفة الغربية وغزة. وأن تكون يوماً ما شريكاً في السلام. لذلك بدأت العملية الإسرائيلية في غزة بأكملها تبدو، بالنسبة لعدد متزايد من الناس، وكأنّها مفرمة لحوم بشرية. وهدفها الوحيد هو تقليل عدد السكان حتى تتمكّن إسرائيل من السيطرة عليها بسهولة أكبر”.

يحذّر فريدمان من أنّ نتنياهو على استعداد للتضحية بالشرعية الدولية التي اكتسبتها إسرائيل بشقّ الأنفس من أجل احتياجاته السياسية الشخصية. وأنّه لن يتردّد في إسقاط بايدن معه.

لكنّ النقطة الأكثر أهمّية، بالنسبة لفريدمان، هي أنّ “الفرصة الفريدة لتقليص حجم حماس بشكل دائم، ليس فقط كجيش بل وكحركة سياسية، تضيع الآن. وذلك لأنّ نتنياهو يرفض تشجيع أيّ احتمال، مهما كان طويل الأمد، لبناء حلّ الدولتين. ولأنّ الإسرائيليين المصدومين من هجوم 7 أكتوبر يرون أنّ أيّ جهد للتحرّك ببطء نحو دولة فلسطينية تقودها سلطة فلسطينية متحوّلة ومشروطة بالتجرّد من السلاح وتحقيق أهداف معيّنة هو هدية للفلسطينيين أو مكافأة لحماس.

فريدمان

3 جبهات للخسارة الإسرائيلية

يعتبر فريدمان أنّ إسرائيل اليوم تخسر على ثلاث جبهات في الوقت نفسه:

– تخسر فكرة أنّها تخوض حرباً عادلة.

– لا تخطّط للخروج من غزة. لذا ستغرق في الرمال هناك مع احتلال دائم سيؤدّي إلى تعقيد العلاقات مع جميع حلفائها وأصدقائها العرب في جميع أنحاء العالم.

– وهي تخسر إقليمياً أمام إيران ووكلائها المناهضين لإسرائيل في لبنان وسوريا والعراق واليمن. الذين يضغطون على حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية والشرقية.

حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي التي يهيمن عليها الهندوس هي القوّة الكبرى الوحيدة في الجنوب العالمي التي دعمت إسرائيل

في رأيه أنّ “هناك حلّاً واحداً يساعد على الجبهات الثلاث. وهو قيام حكومة إسرائيلية مستعدّة لبدء عملية بناء دولتين قوميّتين لشعبين. مع وجود سلطة فلسطينية مستعدّة حقّاً ومتشوّقة للتحوّل. فهذا يغيّر قواعد اللعبة ويوفّر الغطاء لحلفاء إسرائيل العرب للدخول في شراكة مع إسرائيل في إعادة بناء غزة. ويرسّخ التحالف الإقليمي الذي تحتاج إليه إسرائيل لمواجهة إيران ووكلائها”.

إقرأ أيضاً: ليبراسيون: أنفاق الحزب أكثر تعقيداً من أنفاق غزّة

بخلاف ذلك، يحذّر فريدمان من أنّ “إسرائيل تخاطر بعقود من الدبلوماسية لحمل العالم على الاعتراف بحقّ الشعب اليهودي في تقرير المصير الوطني والدفاع عن النفس في وطنه التاريخي. كما يخفّف العبء عن الفلسطينيين ويحرمهم من فرصة الاعتراف بدولتين قوميّتين لشعبين وبناء المؤسّسات والتسويات اللازمة لتحقيق ذلك. بالإضافة إلى أنّ ذلك سيضع إدارة بايدن في موقف لا يمكن الدفاع عنه على نحو متزايد. وستكون إيران أفضل حالاً”.

لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان: ماذا يقول بيرنز لرئيس الاستخبارات الإيرانيّة؟

لماذا لا ترسل واشنطن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بيل بيرنز للقاء نظيره الإيراني على أرض محايدة في مسقط، عاصمة عُمان، مع استراتيجية حقيقية للدبلوماسية…

لابيد يدعو لإنشاء جيش جديد في الجنوب

يعتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أنّ “الحرب المستمرّة بين إسرائيل والحزب هي فرصة، وربّما الأخيرة، للبنان ليصبح دولة طبيعية مرّة أخرى”. لكنّ ذلك يتطلّب…

هوف: الحلّ بخليط بين 1701 وهدنة 1949

“لا تدع أزمة جيّدة تذهب سدى”. هذه العبارة المنسوبة خطأً إلى ونستون تشرشل، تنطبق، في رأي الدبلوماسي الأميركي العتيق فريدريك هوف، بشكل خاص على الأزمة…

إغناتيوس: إسرائيل كانت ستضرب “السّيّد” في 11 أكتوبر

بعد عام من القتال الدامي، يبدو أنّ إسرائيل تغلّبت على صدمة 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، على ما يقول المحلّل والكاتب السياسي في صحيفة “واشنطن…