إيران… وثمن إنقاذ لبنان

مدة القراءة 5 د

يصعب على لبنان تجنّب حرب مع إسرائيل مع كلّ ما ستجرّه من ويلات لبلد فقدَ قسماً أساسيّاً من مقوّمات وجوده. فقدَ لبنان، بين ما فقدَ، نظامه المصرفي الذي كان العمود الفقري لاقتصاده في ظلّ لامبالاة رسميّة على كلّ صعيد. فما هو ثمن إنقاذ لبنان؟ وكيف ستقبضه إيران؟

 

تبدو الحرب في أيّامنا هذه، التي نرى فيها محاولة للتوصّل إلى وقف للنار في غزّة، قدراً على لبنان. يعود ذلك إلى سببين أساسيَّين، علماً أنّه توجد أسباب أخرى تدفع في اتجاه مثل هذه الحرب .أوّلها إيران.

يتمثّل السبب الأوّل في أنّ قرار الحرب والسلم لم يعد لبنانياً بشهادة كبار المسؤولين اللبنانيين، بمن في ذلك رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. قرار الحرب والسلم في لبنان، العاجز عن تطبيق القرار 1701، صار في إيران التي لديها حسابات خاصة بها. تحوّل لبنان بكلّ بساطة إلى ورقة من أوراق “الجمهوريّة الإسلاميّة” الساعية إلى صفقة ذات طابع إقليمي مع “الشيطان الأكبر”. يحصل ذلك في وقت، لا تبدو إدارة جو بايدن مستعدّة لمثل هذه الصفقة. أو أنّها غير قادرة على إتمامها. خصوصاً في ضوء ما يشهده الوضع الداخلي الأميركي من تعقيدات ومزايدات… واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني المقبل.

أمّا السبب الثاني الذي يجعل من الحرب قدراً لبنانياً، فهو عائد إلى التغيير الذي حصل في إسرائيل نفسها نتيجة “طوفان الأقصى”. صحيح أنّ بنيامين نتنياهو ربط مستقبله السياسي بحرب غزّة وبحروب أخرى متفرّعة عنها. هي الحروب التي تشنّها إيران بالواسطة. إلّا أنّ الصحيح أيضاً أنّ في إسرائيل أكثرية واضحة تعتبر أن لا مفرّ من متابعة حرب غزّة ومن الانتهاء من الوضع القائم على طول الحدود مع لبنان.

على صعيد لبنان، لا وجود لقوّة داخليّة توقف السير في اتّجاه كارثة أكيدة. سيزداد الخطر على لبنان في حال التوصّل إلى اتّفاق ما لوقف النار في غزّة

أزمة نتانياهو الشخصية.. وأزمة إسرائيل الوجودية

توجد في إسرائيل أزمتان ولدتا من رحم “طوفان الأقصى”. أزمة نتنياهو ذات الطابع الشخصي وأزمة كلّ مواطن إسرائيلي اهتزّت ثقته بدولته ومؤسّساتها وجيشه. بات مصير إسرائيل مطروحاً بشكل جدّيّ.

شئنا أم أبينا، وضعت “حماس” إسرائيل ومواطنيها أمام أزمة وجوديّة بعدما أفقدتها قوّة الردع التي تمتلكها. وذلك بدعم واضح من إيران. وبالتنسيق مع أذرع إيران في لبنان.

يبدو يوم 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، يوم شنّ “طوفان الأقصى”، في أهمّية إعلان دولة إسرائيل في عام 1948. نظراً إلى التحدّيات التي باتت تواجه الدولة العبريّة. لم يعد من خيار لدى إسرائيل غير التحوّل إلى آلة حرب تمارس الوحشيّة من دون أفق سياسي لِما تقوم به.

يدلّ على ذلك ما فعلته في غزّة، حيث يبدو واضحاً أنّ “حماس” لم تأخذ علماً بما حصل على الأرض وتعتقد أنّ “الإمارة الإسلامية” التي أقامتها في القطاع منتصف عام 2007 ما زالت حيّة ترزق. دمّرت إسرائيل غزّة وجعلتها أرضاً طاردة لأهلها. حشرت أهلها في مساحة عشرين في المئة من مساحة القطاع التي تبلغ نحو 365 كيلومتراً مربّعاً. كيف يمكن لنحو مليونَي إنسان العيش في هذه المساحة الضيّقة في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها غير إنسانيّة؟

إيران

لبنان: طريق إجباري نحو الكارثة

على صعيد لبنان، لا وجود لقوّة داخليّة توقف السير في اتّجاه كارثة أكيدة. سيزداد الخطر على لبنان في حال التوصّل إلى اتّفاق ما لوقف النار في غزّة. علماً أنّ وقف النار لحرب تدور منذ أربعة أشهر لن يكون سوى استمرار لهذه الحرب… على نار خفيفة. سيكون هناك تأجيل للهجوم على رفح. لكنّ الثابت أنّ إسرائيل، بسبب الأزمة العميقة التي تمرّ فيها، لا يمكن أن تقبل ببقاء مواطنيها المقيمين في المناطق القريبة من الحدود اللبنانيّة خارج بيوتهم بقرار متّخذ في إيران ينفّذه الحزب.

في هذه المرحلة التي يجد فيها لبنان نفسه على حافة الضياع، لا بدّ من التساؤل: ما الثمن الذي تريده إيران في لبنان؟

بكلام أوضح، هناك معادلة جديدة لم تعد قائمة منذ 7 تشرين الأوّل الماضي. لم تعد قواعد الاشتباك المتّفق في شأنها في جنوب لبنان بين الحزب وإسرائيل قائمة. هذا ما يفسّر ذهاب الدولة العبريّة إلى ضرب أهداف في مناطق قريبة من بعلبك من دون الأخذ في الاعتبار لردود فعل الحزب.

مَن يُخرج لبنان من السير في اتّجاه حرب تبدو إسرائيل كأنّها تسعى إليها؟ المخيف في الأمر أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” وحدها قادرة على ذلك. الأكيد أنّ إيران لا تستطيع سوى أن تأخذ في الاعتبار أنّ الحرب ستكون ضربة قويّة للحزب الذي يُعتبر، إلى إشعار آخر، أحد أهمّ الإنجازات التي حقّقتها “الثورة الإسلاميّة” التي أسقطت نظام الشاه في إيران قبل 45 عاماً… خارج أراضيها.

في هذه المرحلة التي يجد فيها لبنان نفسه على حافة الضياع، لا بدّ من التساؤل: ما الثمن الذي تريده إيران في لبنان؟ وهل حساباتها تصبّ في اتجاه جعل الحزب يقدم على كلّ التنازلات المطلوبة منه إسرائيلياً، وأميركياً أيضاً، لقاء تعويض في الداخل اللبناني؟

إنّه تعويض يقوم على جعل سلطة الحزب في لبنان شرعيّة. هذا ما لا يستطيع اللبنانيون تحمّله. لا يستطيع ذلك المسيحيون والسنّة والدروز وقسم لا بأس به من الشيعة. لا يستطيع هؤلاء دفع ثمن إنقاذ الحزب من حرب مدمّرة تشمل كلّ لبنان في مقابل ثمن ما تحصل عليه إيران.

إقرأ أيضاً: تحايل لبنانيّ على الحقيقة والواقع والمنطق

مبدئيّاً، على اللبنانيين التفكير في إنقاذ لبنان أوّلاً قبل دفع الثمن الذي تسعى “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى الحصول عليه على حساب بلدهم وحساب كلّ مواطن فيه.

 

لمتابعة الكاتب على x:

@khairallahkhai5

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…