المصدر:The National News
في يوم ربيعي صافٍ ونضر في باريس، جلس ثنائي في مقهى Café de l’Avenue الشهير في بولفار هوسمان العريض الذي تصطف على جانبيه الأشجار. بالنسبة للمرأة اللبنانية التي جرى إعدادها جيدًا، كانت فطيرة جبن الماعز وحساء البصل على لائحة الطعام الفرنسية الكلاسيكية أقلّ جاذبية من حقيبة رفيقها.
كانت الحقيبة تحمل أكثر من 214 ألف يورو (260 ألف دولار أميركي)، وهي عائدات عملية تهريب مخدّرات وعدت سيّدة الأعمال التي هي في منتصف العمر، بغسلها في بنوك أوروبية، مقابل خصم نسبة 20% منها.
هذه “هديتي”، قالت لرفيقتها وهي تأخذ حقيبة المال، أن أستأجر شقّة في جزء لطيف من باريس، حتى تبقى اجتماعاتنا سرية في المستقبل.
لكن بالنسبة للمرأة اللبنانية، كان الوقت قد فات.
فقد تم رصد عملية التسليم كاميرا للشرطة الفرنسية، تتويجًا لـ18 شهرًا من العمل الشاقّ في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA). بعد أن تبين أنّ شريكها في العشاء أحد العملاء السريّين.
حصلت “The National” على نسخ من وثائق المحكمة وإخطارات العقوبات ومصادرة المخدرات وتقارير الشرطة والبيانات الحكومية التي فحصت كيفية استخدام حزب الله فرنسا ودولاً أوروبية أخرى كمركز لعمليات غسيل الأموال وسوق مربح لتهريب المخدّرات.
كشف مكتب التحقيقات الفدرالي كيف قامت المجموعة اللبنانية ببناء شبكة متعدّدة الطبقات في فرنسا للحفاظ على دورها في تجارة المخدّرات وشراء الأسلحة.
وهذه الصفقة أبرمها حزب الله مع كارتلات للحصول على الكوكايين من البرازيل وكولومبيا بشكل أساسي، من خلال فنزويلا كبوابة تلك المنطقة.
وسأل مسؤول أميركي كبير: “أين كان يذهب الكوكايين؟ إلى أوروبا. وإلى أين كانت تعود الأموال؟ حسنًا ، كلّ شيء يمكن أن تتخيّله”.
وفقًا لتقرير صادر عن باحثين أميركيين، من بين أكثر من 2000 شخص ومجموعة حول العالم تسميهم الولايات المتحدة “زعماء المخدرات الأجانب” ، ينتمي العُشر تقريبًا إلى حزب الله أو يرتبط به.
هذه الصفقة أبرمها حزب الله مع كارتلات للحصول على الكوكايين من البرازيل وكولومبيا بشكل أساسي، من خلال فنزويلا كبوابة تلك المنطقة
قام محقّقون كبار من برنامج الحكومة الأميركية المناهض لحزب الله بتزويد المحامين الذين يمثلون عائلات مئات الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق بين عامي 2004 و2011، بإجراءات قانونية ضدّ البنوك اللبنانية المتهمة بمساعدة حزب الله.
وسعت شكوى قانونية مؤلفة من 822 صفحة إلى ربط تهريب المخدرات غير المشروع بعمل عسكري في الخارج “تم ارتكابه ومخطّط ومرخّص له” من قبل حزب الله بالتنسيق مع الحرس الثوري الإسلامي الإيراني.
وقال مسؤولون كبار إنّ الوثيقة القانونية تمثل واحدة من أكثر الروايات تفصيلاً عن قدرات حزب الله في تهريب المخدرات والأسلحة. وهي توضح كيفية إدارة “وحدة الأعمال” في حزب الله، وهي الوحدة التي تدير عملياتها الإجرامية في أوروبا، وتهيّء عمليات غسيل الأموال، وتجارة الماس والأسلحة والمخدرات.
هكذا وقعت إيمان قبيسي في المصيدة
بدأت استمالة قبيسي بعد اجتماع في لبنان حيث عرضت لأوّل مرّة خدماتها لغسيل الأموال على مهرّب مخدّرات ومخبر في إدارة مكافحة المخدرات، وهو من قام بإيصال المعلومات.
نقلتها اجتماعاتها اللاحقة مع أحد عناصر إدارة مكافحة المخدرات إلى فندق والدورف أستوريا في نيويورك، وإلى باريس حيث أعدّت لاجتماعات مستقبلية في قبرص وبلغاريا ولبنان وجزيرة كيش الإيرانية، وهي ملعب للجريمة المنظمة، وفقًا لأوراق المحكمة.
بعد استدراج قبيسي إلى الولايات المتحدة واعتقالها في أواخر عام 2015، كانت قد سلّمت تحت الضغط صورة مفصّلة للشبكة الواسعة من العمليات الإجرامية التي تمتدّ عبر أوروبا وإفريقيا وأميركا الجنوبية، ويديرها حزب الله الإرهابي.
قال مسؤولون كبار إنّ الوثيقة القانونية تمثل واحدة من أكثر الروايات تفصيلاً عن قدرات حزب الله في تهريب المخدرات والأسلحة. وهي توضح كيفية إدارة “وحدة الأعمال” في حزب الله، وهي الوحدة التي تدير عملياتها الإجرامية في أوروبا
تحدّثت قبيسي (50 سنة) عن رفاقها في حزب الله الذين أرادوا شراء الكوكايين و”الألعاب النارية”، وهو الرمز الذي اعتمدته للحديث عن الأسلحة والذخائر.
عرضت قبيسي وشريكها جوزيف أسمر، وهو محامٍ له صلات رفيعة المستوى بالبنوك في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، ترتيب هبوط طائراتٍ محمّلة بشحنات ضخمة من الكوكايين في غرب إفريقيا قبل نقلها إلى أوروبا والولايات المتحدة.
كما تحدثت عن شحن أجزاء طائرات إلى إيران في عملية سرية لخرق العقوبات وسلمت قائمة تسوّق لعميل مقيم في إيران تضمنت أكثر من 1000 بندقية هجومية من الطراز العسكري.
قال ماثيو ليفيت، الخبير في شؤةن حزب الله في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”: “قام هذا التحقيق بفتح الأبواب من حيث إعطاء السلطات نظرة ثاقبة على عمق ومدى النشاط الذي يحدث في باريس وفرنسا”، وأضاف: “حقيقة أنّ هذين المقيمين في باريس يديران هذه الأنشطة على كامل النطاق لهو أمر معبّر جدًا. بعض أهم أنشطة التمويل غير المشروع لحزب الله – وبالتأكيد أهمّ الأنشطة في أوروبا الآن – تحدث في باريس وبروكسل “.
اللبنانية ورفيقها، الذي اعتقل في باريس، تم تسليمهما إلى الولايات المتحدة وإدانتهما.
ثم أُفرج عن أسمر في كانون الثاني 2018 وقبيسي في أيلول من العام الماضي. ويقول الخبراء إنّ الإفراج المبكّر يشير عادةً إلى صفقة السجن لفترات أقصر مقابل الحصول على معلومات.
لكنّ بعض المسؤولين الأميركيين يقولون إنّه ضاعت المعلومات الاستخباراتية الرئيسية التي تم تأمينها خلال سنوات من العمليات رفيعة المستوى عبر الوكالات التي تلاحق حزب الله، بعد أن ترك كبار القادة أدوارًا رئيسية وتحوّل تركيز الإدارة إلى مكان بعيد.
الولايات المتحدة أضاعت فرصًا للقضاء على حزب الله
ديفيد آشر، الذي نصح الحكومة الأميركية بشأن متابعة الشؤون المالية للجماعة الإرهابية تحت إدارتي جورج بوش وباراك أوباما، قال إنّه، وعلى الرغم من النجاحات الأخرى، الولايات المتحدة قد أضاعت فرصًا للقضاء على هذه المجموعة.
وقال أمام لجنة في الكونغرس الأميركي: “بصراحة، إنّه مزيج من المأساة والسخرية، مصحوباً بالتحوّل المضلّل بشكل خطير في السياسة، ولم تنتج عنه مكاسب استراتيجية حقيقية، فضلاً عن إخفاق خطير في تطبيق العدالة”.
يقول الخبراء إنّ حزب الله يعمل وفق نموذج تجاري قائم على الجريمة والتبرعات من الدياسبورا اللبنانية وعلى الأنشطة التجارية المشروعة بالإضافة إلى الدعم من طهران.
بعض المسؤولين الأميركيين يقولون إنّه ضاعت المعلومات الاستخباراتية الرئيسية التي تم تأمينها خلال سنوات من العمليات رفيعة المستوى عبر الوكالات التي تلاحق حزب الله، بعد أن ترك كبار القادة أدوارًا رئيسية وتحوّل تركيز الإدارة إلى مكان بعيد
ويرى محلّلو المخابرات إنّ العمليات الإجرامية لحزب الله قد توسّعت منذ التسعينيات، وهو يدير الآن واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات في العالم لدعم برنامجه الخارجي المتنامي. وكان التوسع واضحًا بشكل خاصّ في أوروبا وأمريكا الجنوبية.
والنموّ الكبير في الطلب الأوروبي على الكوكايين على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية في نيويورك “أتاح لحزب الله فرصة ذهبية لوضع قدراته اللوجستية المتطوّرة للعمل نيابة عن عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية والوسطى وتوليد تدفقات إيرادات جديدة هائلة”.
في شهر حزيران، صادرت الشرطة الإيطالية 14 طناً من حبوب الأمفيتامين تقدر قيمتها بمليار أورو، كانت مخبّأة داخل لفّات من الورق في ميناء ساليرنو على الساحل الغربي للبلاد.
إقرأ أيضاً: “لوموند” الفرنسية: مصرف لبنان “دولة داخل الدولة”، ممنوع اللمس أو الاقتراب
تم تسليط الضوء في البداية على “داعش”، لكنّ السلطات صبّت تركيزها على المجموعة اللبنانية المدعومة من إيران. جرى تعقّب المخدّرات إلى منطقة في سوريا خاضعة لسيطرة حكومة الأسد كانت تُعرف باسم مركز تهريب حزب الله.
علّق ديفيد داود، المحلل البحثي في “المجموعة المتحدة ضدّ إيران النووية”، ومقرّها الولايات المتحدة، والتي تتعقّب نشاط حزب الله: “إنّهم مستعدّون للعمل مع أيّ شخص تقريبًا لتحقيق أهدافهم”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا