رفع الدعم من “نصيب” حكومة دياب لا الحريري؟

مدة القراءة 6 د


على الأرجح لم تشعر الغالبية الساحقة من اللبنانيين بتنفيذ الحكومة قرار دعم المواد الأساسية. “جرائم” بعض التجّار وصلت إلى حدّ رفع سعر موادٍ بعد دعمها. وما جرى في العديد من مستودعات تخزين المواد الغذائية وفي “الحسابات السرّية” لمافيات التجار البعيدة عن “تدقيق” وزارة الاقتصاد يرتقي إلى مستوى التنكيل بالأمن الغذائي للبنانيين… هو الخط الأحمر الفاصل عن الانهيار الشامل، وما يصطلح قوله باللبناني “الناس راح تاكل بعضها”.

في مقابل مرسومٍ إصلاحي وقّعه وزير المال الأسبق الياس سابا في “حكومة الشباب” في عهد رئيس الجمهورية سليمان فرنجية بين عامي 1970 و1972 برفع أسعار الكماليات ودعم الدولة للمشاريع الاستثمارية أوجد “النظام الحاكم والمهترئ” بعد 50 عاماً، وفي ظلّ كارثة اجتماعية واقتصادية ومالية، حلّاً إنقاذياً بإدراج الكاجو وشفرات الحلاقة ومبيّض القهوة وعصير الكرامبري على لائحة دعم المواد الأساسية، مع تخلٍّ كامل عن مهمّة الرقابة على كيفية تنفيذ القرار.

ارتفع عدّاد المواد المدعومة إلى نحو 360، بكلفة 210 ملايين دولار شهرياً، فيما بعض المصادر النيابية تؤكد أنها لامست الـ300 مليون دولار، ونتيجتها حرق إضافي لجيوب اللبنانيين ومراكمة التجار، تماماً كما مضاربات محالّ الصيارفة، أرباحاً كبيرة واحتكاراً في استيراد السلع.

ما جرى في العديد من مستودعات تخزين المواد الغذائية وفي “الحسابات السرّية” لمافيات التجار البعيدة عن “تدقيق” وزارة الاقتصاد يرتقي إلى مستوى التنكيل بالأمن الغذائي للبنانيين

وحتّى بعد “التشحيل” في أصناف السلع المدعومة، بعد استدراك الأخطاء المميتة في خطة الدعم، بكلفة نحو 90 مليون دولار شهرياً، فإنّ ما يجب أن يصل إلى بيوت المعوزين والأكثر احتياجاً، وجد على رفوف دول أخرى كالكويت وتركيا ومنازل لبنانية.

والطامة الكبرى أنّه في مقابل الانخفاض في سعر صرف الدولار، كانت الأسعار إمّا تبقى ثابتة أو “تنطّ” صعوداً من دون مبرّر، فيما الارتفاع الطفيف في سعر الصرف كان يكلّف التاجر شحطة قلم ليسعّر وفق أهواء جشعه وجيبته.

هكذا استكمل التخلّف عن دفع سندات يوروبوند “بداعي العجز” باستنزاف ما تبقّى من احتياطٍ إلزامي لا يزال مصرف لبنان يصرف منه وكلّف حتّى الآن منذ بدء خطة الدعم نحو ستة مليارات دولار، فيما كان من الممكن “تغيير وجهة استعمال الاحتياط وفتح أبواب استثماره بنيوياً في المالية والاقتصاد، بدل تركه رهينة استهلاك يقوده حتماً إلى الهلاك”، وفق دراسة للنائب آلان عون نشرها في جريدة “النهار”.

ثمّة محاولة اليوم لخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي، المفروض على المصارف إيداعه في المصرف المركزي، عن نسبة الـ15% من الودائع، من دون تحديد سقف “التنزيل”. ما يعني تحرير ما نسبته نحو 4 مليارات دولار من هذه الأموال، سيستخدم جزء منها في استمرار الدعم مع مزيد من الخفض في أنواع السلع الغذائية. وتوجّه كان يطالب به صندوق النقد الدولي، ويتبنّاه المجلس المركزي في مصرف لبنان، والقاضي بتحرير سعر الصرف!

يعلّق النائب سليم سعادة، وهو خبير مالي واقتصادي في الأساس، في حديثٍ إعلامي قائلاً: “كان يفترض فرض تطبيق حالة تقشف كاملة منذ التوقف عن السداد، وأن يعرف رياض سلامة وجهة صرف كلّ دولار قبل صرفه. ما حصل أنّ السلّة الغذائية شملت الكاجو والفطر واللحوم غالية الثمن والمكسّرات… وهجم التجار ليأكلوا عظم الفريسة المتجسّدة بودائع الناس. ما حصل كان دعماً للتجار والمهرّبين ومخزّني المواد الاستهلاكية. ولا يزال سلامة يواظب على دخول الاجتماعات ليقول لـ”جماعة السلّة” “جايي أتعلّم منكم”. شايفهم عم يخبّصوا، ويتفرّج عليهم”. ليس هناك من إنسان عاقل يقوم بدعم لأشهر قليلة وبسياسة ترضي جشع التجار”.

عملياً، لم يعد الحديث عن رفع الدعم “حديث صالونات”. كلّ المسألة أنّ هناك جهات سياسية – نقدية تحاول، وفق مصادر سياسية، تحميل حكومة تصريف الأعمال التي خطّطت للدعم مسؤولية رفعه وإزاحة هذا الحمل من درب الحكومة المقبلة، خصوصاً أنّ أيّ شكل من أشكال “الترشيد” أو الخفض أو التخلّي عن خيار الدعم ستكون كلفته كبيرة، وقد تصل إلى حدّ تفلّت شعبي وأمني في الشارع.

يحدث ذلك في ظلّ تأكيد مصرف لبنان عدم إمكانيته تأمين دولارات الدعم أكثر من شهرين مقبلين، وأنّ ما تبقّى من مخزون الاحتياطي للتصرّف به لا يتجاوز عتبة الـ800 مليون دولار من أصل الحساب المتبقّي في مصرف لبنان والبالغ 17.9 مليار دولار.

عملياً، لم يعد الحديث عن رفع الدعم “حديث صالونات”. كلّ المسألة أنّ هناك جهات سياسية – نقدية تحاول، وفق مصادر سياسية، تحميل حكومة تصريف الأعمال التي خطّطت للدعم مسؤولية رفعه وإزاحة هذا الحمل من درب الحكومة المقبلة

وتكشف مصادر السراي أنّ “الحكومة لا تزال تدرس الخيارات المتاحة، مع تسليم بصعوبة الاستمرار في سياسة الدعم، وأيضاً تقف بوجه خيار وقفه نهائياً، إذا لم يتأمّن البديل المطلوب”. وتلفت المصادر إلى “درسٍ جدّي لمشروع البطاقات التموينية، وهو الأمر الذي لا تزال تقابله عقبات كبيرة لجهة تحديد المستحقّين في ظلّ واقع أنّ الغالبية العظمى من اللبنانيين “وضعهم مأساوي”!!

وبما أنّه لا تقدير دقيقاً لعدد من سيشملهم الترشيد إلا أنّ الكلفة تقدّر بأقلّ من مليار و500 مليون دولار سنوياً. فيما لا تزال هناك أصواتٌ نيابية تطالب بمنح هذه الفئة من اللبنانيين كوتا من الدولار شهرياً تسحب عبر بطاقاتٍ من الصراف الآلي، وتسمح بخفض الكلفة من 400 مليون دولار شهرياً إلى 200 مليون دولار فقط. وهي شبيهة بتلك التي منحت للنازحين السوريين.  

إقرأ أيضاً: “العهد” يصنع الحرب الأهلية المالية: الدعم من أموال المودعين

مع العلم أنّ هنك لوائح باتت شبه جاهزة لدى بعض الوزارات حول الفئات المحتاجة التي يمكن أن تستفيد من ترشيد الدعم لشراء الأدوية والمواد الغذائية الأساسية والمحروقات المدعومة.

وتقول مصادر مطلعة إنّ “تمويل هذه البطاقات يمكن أن تقوم به جهاتٌ محدّدة منها المصارف أو كبار رجال الأعمال. واليوم، وبمساعدة سابقة من البنك الدولي، ثمّة قاعدة معلومات شبه منجزة لدى الحكومة تظهر الفئات الأكثر احتياجاً، وهي عبارة عن مسوحات موّلها البنك الدولي، وتولّت تنفيذها شركات دراسات كبيرة. مع العلم أنّ الأسهل تحديد الفئات غير المحتاجة”.  

وتلفت المصادر إلى أنّه على ضوء اجتماع المجلس المركزي في مصرف لبنان أمس، فإنّ التوجّه هو أقرب الى إلغاء الدعم نهائياً عن السلّة الغذائية واستبدالها بالبطاقات التمويلية، مع اعتماد آلية ترشيد للاستفادة من البنزين المدعوم والأدوية.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…