الحريري “القوي”: لن أسقط في الشارع بعد اليوم؟

مدة القراءة 5 د


طغيان السلطة أو إرهاب الغوغاء والفوضى، خياران لا ندري أيهما أشدّ وطأة على الأحرار المتبصّرين؟

  الدكتور محمد نديم الجسر

 

حرص الرئيس سعد الحريري مؤخراً على الظهور بمظهر “الزعيم القوي” الصلب الذي يواجه الجميع ولا يساير أحداً، والقادر على قيادة شارعه، طوعاً أو كرهاً، وصولاً إلى التحكّم بما يجب أو لا يجب على دار الفتوى أن تقاربه من مسائل، وأنّ باستطاعته تجاوز رأي رؤساء الحكومات السابقين بدون أن يستطيع أحدٌ محاسبته على تفرّده، فهو “المرجعية” وإليه يعود الأمر!

إقرأ أيضاً: إلى سعد الحريري: سِرّك في البطريرك الشجاع

أما في التسوية المرتقبة، فينضمّ الحريري إلى “الترويكا” قيد الإنشاء، بتوجّه جديد هو الدفاع عن العهد ومواجهة الثورة في موجاتها المتوقّعة، وعدم مسايرة المعارضين والتصدّي لهم، ومن هنا يأتي قول قياديين في تيار المستقبل، إنّ مهمّة سعد الحريري ستكون إنجاح العهد وليس إفشاله. لذلك، سيحظى بتغطية شاملة تمكّنه من حسم الموقف، ويأتي في المقابل، الموقف الاعتراضي للنائب السابق الدكتور أحمد فتفت الذي رفض كامل نظرية الحريري في العودة للسلطة، وشكّك علناً في نجاحه استناداً إلى التجارب السابقة وتحديداً مع “حزب الله” والتيار الوطني الحرّ.

لقد رفعت حالياً معادلة أنّ الرئيس الحريري هو ثالث الثلاثة الثابتين: عون وبري وسعد ثالثهما، وهذا يقتضي إحكام سيطرته على ساحته وإظهار قوته وقدرته على وقف الاعتراض الشعبي في شارعه، لحماية وجوده في السلطة ومنع إسقاطه في الشارع.

يُصعّد حمود الموقف في وصف ما جرى مشبِّهاً مطلقي النار بأفراد العصابات ومتهماً “مساعد أمين عام تيار المستقبل باسل الأيوبي، لترويع الناس”

أما الترجمة العملية لهذا التوجّه، فكانت بإشعال سماء طرابلس بآلاف الطلقات النارية من قبل مسلّحي تيار المستقبل فور إعلان تكليف الحريري تشكيل الحكومة. وهذا أظهر أنّه إمّا يريد ترهيب خصومه في طرابلس، وإمّا أنّ أنصاره باتوا مسلّحين، ولم يغيّر بيان التيار بالتبرّؤ من مطلقي النار شيئاً في المشهد، بل بدا شديد الشبه ببيانات “حزب الله” عندما يتنصّل من مطلقي النار في ابتهاجاً بظهور الأمين العام للحزب حسن نصرالله.

كشف العميد المتقاعد عميد حمود أنّ ما جرى من إطلاق نار هذه المرة كان الأخطر، متسائلاً: “إذا كانت الناس لا تملك قوت يومها، فمن أين جاء مطلقو النار بهذه الأسلحة والذخائر التي جرى إطلاقها على مدى ساعات؟”.

كلام حمود دفع للانتباه إلى أنّ المسلحين “المبتهجين” أطلقوا أكثر من 15 ألف رصاصة، ثمن الواحدة منها دولار أميركي وبضعة سنتات، بما يزيد مجموعه عن 15 ألف دولار أميركي، أي قرابة 105 ملايين ليرة لبنانية على سعر صرف السبعة آلاف ل.ل. وهو ما يكفي لإطعام 100 عائلة لعدة أشهر.  

يُصعّد حمود الموقف في وصف ما جرى مشبِّهاً مطلقي النار بأفراد العصابات ومتهماً “مساعد أمين عام تيار المستقبل باسل الأيوبي، لترويع الناس”، معتبراً أنّ “الجرحى الذين أصيبوا هم بمسؤولية الرئيس الحريري” متسائلاً: “ماذا سيفعل حيال إصاباتهم وتجاه عائلاتهم، وهل سيؤمِّن لهم الطبابة أم سيتركهم للإهمال؟”، لافتاً إلى أنّه ليس معنياً بالهجوم الشخصي على الحريري، بل هو يعمّم النقد على سائر الطبقة السياسية والحريري واحد منهم، يناله النقد بقدر ما يراكم من أخطاء”.

وأكّد حمود لـ “أساس” أنّ “هذه الممارسات لا يجب السكوت عنها، لا من قبل جهاز المخابرات ولا المعلومات ولا الأمن العام. فهم مسؤولون عن ملاحقة هذه الجرائم ومحاسبة القائمين بها. لكنّ هناك ضباطاً أكفاء، يتعرّضون لضغوط كبيرة لعدم تنفيذ القانون، مناشداً قائد الجيش (العماد جوزيف عون) الذي يحب لبنان وهدفه الأمن والاستقرار، بأن يضع يده على هذا الملف، خاصة أن من أطلقوا النار معروفون بأشخاصهم لدى الأجهزة الأمنية، وأن يأمر باعتقالهم فورا”ً.

فات الحريري أنّ الشارع السني، من بين كلّ الشوارع، هو الأكثر حساسية تجاه السلاح، لأنّه يحمل عبء 7 أيار ولأنّه لم ينجرف بموجة تسليح الثورة السورية بإمداداتها اللبنانية. فالدخول إلى قلوب السنة لا يكون بالسلاح ولا بالتهديد، بل بالإنماء والرعاية وتثبيت الوجود في الدولة والوطن

تعمد أحزاب السلطة إلى إعطاء الانطباع عن قوّتها بوهج الرصاص، لكن ليس واضحاً كيف سيكون الرصاص كافياً للتعويض عن التراجع المتواصل في شعبية تيار المستقبل في طرابلس، والتي بلغت 34.2 نقطة مئوية في طرابلس (66.4% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 32.2% عام 2018 للائحة المستقبل بعد فقدانها نجيب ميقاتي وأشرف ريفي) في انتخابات العام 2018.

يلتقط المتابعون مؤشرات مقلقة من داخل تيار المستقبل حيث يكثر الحديث عن تقدّم “الصقور” الداعين إلى التشبّه بحركة أمل و”حزب الله” في فرض الهيمنة على الشارع السني، وكانت الترجمة في مواجهة المتظاهرين أمام بيت الوسط، وبإحراق قبضة الثورة والإطلاق الغزير للرصاص في طرابلس، في إطار توجه جديد يعكس التحاق الحريري بالتحالف الحاكم واستعداده للانخراط في الدفاع عنه، بدءًا من مواجهة الاعتراض في الشارع السني.

فات الحريري أنّ الشارع السني، من بين كلّ الشوارع، هو الأكثر حساسية تجاه السلاح، لأنّه يحمل عبء 7 أيار ولأنّه لم ينجرف بموجة تسليح الثورة السورية بإمداداتها اللبنانية. فالدخول إلى قلوب السنة لا يكون بالسلاح ولا بالتهديد، بل بالإنماء والرعاية وتثبيت الوجود في الدولة والوطن.

 

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…