من العوايد السعودية، أنّ الرجل عندما يدخل إلى مكتبه أو مصنعه ينزع عن رأسه “الشماغ” معلّقاً إياه في زاوية مخصّصة لذلك، أو واضعاً إياه على كرسي المكتب مباشراً عمله ليعود إلى ارتدائه عند نهاية العمل منصرفاً إلى منزله أو إلى المقهى للقاء الأحبة والأصدقاء. فالشماغ سمة أساس من صفات الانسان السعودي وهويته العربية.
إقرأ أيضاً: سعد الحريري بنسخته الجديدة يتجاهل الطائف
في مسعاه للعودة إلى السراي الحكومي، كما أعلن في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، ينزع الرئيس سعد الحريري شماغه، مطلقاً مشاوراته السياسية مع القوى الأساسية القادرة على تسهيل عودته إلى السراي، أي الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، ومعهما الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل.
مشاورات سيد بيت الوسط ودائماً وفقاً لما أعلنه في تلك الإطلالة تقوم على ثلاث نقاط:
1- تشكيل الحكومة وفقاً لاتفاق الصنوبر أو ما عُرف بالمبادرة الفرنسية، أي حكومة من المستقلين الاختصاصيين لا وجود للأحزاب السياسية فيها.
2- منح حقيبة المالية للطائفة الشيعية لمرة واحدة وفقاً لمبادرته السابقة والتي وصفها بتجرّع السم.
3- إسقاط معادلة الرئيس ميشال عون القائمة على سعد وجبران في الحكومة أو الاثنان خارجها.
على خلفية هذه النقاط يطرح التساؤل: ماذا تغيّر كي يرضى الثنائي الشيعي ومعه الرئيس ميشال عون وصهره بهذه الشروط؟!..
في مسعاه للعودة إلى السراي الحكومي، ينزع الرئيس سعد الحريري شماغه، مطلقاً مشاوراته السياسية مع القوى الأساسية القادرة على تسهيل عودته إلى السراي
كلّ الوقائع تشير إلى أنّ لا شيء قد تغيّر، لا بل إنّ الثنائي يعتبر أنه قد حسّن من معطياته كثيراً في الأيام الأخيرة، وتحديداً عندما أعلن الرئيس نبيه بري عن اتفاق الإطار في ترسيم الحدود مع الحكومة الإسرائيلية، مع الإضاءة على مفردة “الحكومة الاسرائيلية”، كما جاء على لسان الرئيس بري للمرة الأولى.
ما يمكن تأكيده عبر تقاطع عدة مصادر أنّ الثنائي الشيعي لن يتنازل عن أيّ مكتسبات وعن أيّ مواقع، في لبنان أو خارج لبنان في العراق وسوريا واليمن. لذا، هو منفتح على التشاور مع الرئيس الحريري وفقاً للنقاط التالية:
1- الوزراء الشيعة تسميتهم من صلاحية الثنائي الشيعي بحقائبهم السيادي منها وغير السيادي.
2- المعادلة الثلاثية (جيش – شعب – مقاومة) ليست عرفاً ولا دستوراً، بل أعلى من كلّ ذلك، ولا بيان وزاري من دونها.
3- المبادرة الفرنسية تُقرأ وفقاً للترجمة التي أُنجزت في حارة حريك، وليس وفقاً لترجمة بيت الوسط في التشكيل والإصلاح وإعادة إعمار بيروت.
في المقابل، الرئيس ميشال عون وصهره يخوضان هذه المشاورات مراهنين على شروط الثنائي، ولا ضرورة للتمسّك بمعادلة “سعد وجبران” في الحكومة.
كلّ الوقائع تشير إلى أنّ لا شيء قد تغيّر، لا بل إنّ الثنائي يعتبر أنه قد حسّن من معطياته كثيراً في الأيام الأخيرة، وتحديداً عندما أعلن الرئيس نبيه بري عن اتفاق الإطار في ترسيم الحدود مع الحكومة الإسرائيلية
.. وفقاً لهذه المعطيات، فإن الرئيس الحريري أمام خيار بين أمرين: الأول، الخضوع لشروط الثنائي، واستنساخ حكومة بأفضل أحوالها تشبه حكومة حسان دياب المستقيلة. والثاني، الاعتذار عن التشكيل بعد التكليف أو عن التكليف برمته…
قد يكون الرئيس سعد الحريري بمبادرته، وهو المدرك لكلّ هذه الوقائع، يسعى لاستنساخ تجربة اعتذار مصطفى أديب التي لاقت ترحيباً وتأييداً في البيئة السنية، وهي ستمكّنه من المصالحة مع هذه البيئة، وتفتح له باب المصالحة مع البيئة العربية وتحديداً الخليجية. إلا أنّ المتابعين المتخصّصين في السياسة والتاريخ، يقولون إنّ “التاريخ لا يعيد نفسه” عكس ما هو متداول. فلا حكومة حسان دياب يمكن تكرارها، ولا نموذج مصطفى أديب باعتذاره سيسمح الخصوم به. وهو ما سيحوّل مبادرة الرئيس الحريري في حال فشلها إلى “دعسة ناقصة”. وعليه، فإن النسخة الرابعة للرئيس الحريري لن تنزل إلى الأسواق لعيوب بنيوية.
يبقى السؤال في حال وصول مبادرة الرئيس سعد الحريري إلى الحائط المسدود، وانتهاء دوام العمل بها: هل سيتمكّن من العودة لارتداء شماغه أو سينصرف دون هذا الشماغ سافر الرأس.
هي مغامرة كبرى تماماً كمغامرة التسوية الرئاسية، الفشل فيها مصيبة كبرى.