أمين الجميّل (1/2): تاريخنا سيرة احتلالات.. من عبد الناصر إلى أبو عمّار وحافظ الأسد والخامنئي

مدة القراءة 17 د


كانت أمس الذكرى 84 لتأسيس حزب الكتائب، في العام 1936، قبل استقلال لبنان بسبع سنوات. وليست مصادفة أن تتزامن الذكرى السنوية السابعة لتأسيس الحزب، مع إعلان استقلال لبنان، لما كان لهذا الحزب من مساهمة كبرى في المطالبة بالاستقلال. وقد تداخل دور هذا الحزب مع السعي المستحيل لاستقلال لبنان، مراراً وتكراراً.

وليست مصادفة أن تتزامن ذكرى تأسيس الحزب مع ذكرى اغتيال بيار أمين الجميّل، برصاص باغته في الشارع، عام 2006، ضمن سلسلة اغتيالات حاولت فرملة مسيرة “استقلال 2005″، الذي انتهى برحيل القوات السورية في نيسان 2005، وظلّت فاتورة الدم مستمرّة حتى العام 2014.

لم يكن الشيخ أمين متصرّفاً، بل حاول أن يكون شيخ صلح بين المتخاصمين، وأن يخرج “الكتائب” من دورها اليميني

أمين الجميّل، الذي سلّم الأمانة إلى ابنه سامي قبل سنوات، استقرّ في “بيت المستقبل”، وهي سرايا في بكفيا بناها الأمير حيدر اللمعي في 1843، واعتمدها الرئيس الجميّل مقرّاً صيفياً له بين عامي 1982 و1986، أسوةً باعتمادها مقرّاً صيفياً لمتصرفية جبل لبنان بعد إعلانها في 1861.

إقرأ أيضاً: أمين الجميّل: “بيت المستقبل” أو سرايا الماضي؟

لم يكن الشيخ أمين متصرّفاً، بل حاول أن يكون شيخ صلح بين المتخاصمين، وأن يخرج “الكتائب” من دورها اليميني. صادق قادة الفلسطينيين وهو يقاتلهم، وزار حافظ الأسد 16 مرّة وهو يعاديه، وكان عربيّ الهوى، بين السعودية ومصر والعراق، وهو يقاتل الأحزاب العربية التمويل…

الشيخ أمين استقبلنا في سرايا “بيت المستقبل”، وتشعّب الحوار، من ذكرياته مع الرئيس حافظ الأسد، مروراً بتجربته في مواجهة مجموعة “احتلالات” مختلفة، من الوجود الفلسطيني بين الستينات والسبعينات وسطوة أبو عمار على لبنان، إلى الوصاية السورية في الثمانينات، خلال ولايته بين 1982 و1988 ثم في التسعينات، وصولاً إلى الاحتلال الإيراني للسياسة اللبنانية منذ العام 2005، وعلى ضفاف كلّ هؤلاء المحتلّين كان الاحتلال الإسرائيلي وسيرته الملتبسة كتائبياً.

صادق قادة الفلسطينيين وهو يقاتلهم، وزار حافظ الأسد 16 مرّة وهو يعاديه، وكان عربيّ الهوى، بين السعودية ومصر والعراق، وهو يقاتل الأحزاب العربية التمويل

كيف عاصر أمين الجميّل كلّ هذه الاحتلالات؟ وكيف يقرأها اليوم؟ وهل يقتنع بقرارات الرئيس الجديد لحزب الكتائب، ابنه سامي؟ أين يتفقان وأين يختلفان؟

كيف كان يحارب الفلسطينيين، ويجتمع إلى قياداتهم، ويعقد الصداقة مع أبو أياد الذي أحبّه واحترمه، وظلّ نجله على تواصل معه حتّى أيامنا هذه؟

كيف استطاع أن يصادق حافظ الأسد المتهم بقتل شقيقه بشير؟ وكيف يرى مستقبل الرأي العام المسيحي، والرأي العام العوني، خصوصاً بعد تفجير مرفأ بيروت؟

حديث طويل، أجريناه: رئيس التحرير زياد عيتاني ومدير التحرير محمد بركات، والزملاء والزميلات نسرين مرعب وإيفون صعيبي وإيلي قصيفي وابراهيم ريحان، والمصوّر الزميل حسام شبارو.

في الحلقة الأولى اليوم، عشية عيد استقلال لبنان، نتنقّل بين ذكريات وحوادث عاشها وصنعها “الرئيس المقاوِم”، كما يصف نفسه في عنوان كتاب مذكّراته السياسية خلال ولايته.

وقد خصّنا الرئيس بأحداث يرويها للمرّة الأولى، غير منشورة من قبل.

 

[PHOTO]

– في أوج تمزق لبنان، وطوال ولايتك (1982 – 1988) كان لبنان له دور في المنطقة، وكلمته مسموعة في العالم، إلى أيّ مدى الممثلون المسيحيون في لبنان حالياً يتحمّلون مسؤولية في مسيرة انهيار دور لبنان؟

– سأبدأ من نفسي. أنا زرتُ قصر الإليزيه في فرنسا أربع مرّات خلال ولايتي، وكنت رئيس الجمهورية الوحيد الذي يزور البيت الأبيض 3 مرات خلال رئاستي، أيضاً بعد انتهاء ولايتي زرتُه مجدداً، واستقبال رئيس سابق بروتوكول محدود في البيت. لكنّ علاقتي بالرئيس جورج بوش الابن كانت مميّزة، بسبب مصداقيتي، إن مع الأميركيين أو مع الفرنسيين أو حتّى الروس، وبالطبع مع قادة الدول العربية فحدّث ولا حرج: كانت علاقتي مميّزة مع الرئيس حسني مبارك، وقد زرتُ مصر مرّتين، ومع زعماء الخليج العربي أيضاً، ومع ملك المغرب، حتّى ليبيا زرتها ثلاث مرّات، وكانت المودّة متبادلة.

لبنان منذ فترة طويلة لم يهنأ بسنوات استقرار متتابعة. كان يأتينا عبد الناصر أو أبوعمار أو حافظ الأسد أو الخامنئي، فكم سيتحمّل هذا البلد الصغير؟

لكن بالعودة إلى سؤالك، ليس صحيحاً أنّ المسؤولية تقع على المسيحيين. لسوء الحظّ تطوّرت الأمور سلبياً بعد انتهاء ولايتي، أنا عيّنت حكومة برئاسة ميشال عون كان عليها أن تنتخب رئيساً للجمهورية خلال أسبوعين أو ثلاثة. وكان الأميركيون يحضّرون مخايل الضاهر، لكنّ أنانية ميشال عون القاتلة جعلته يشترط إما أن يكون هو الرئيس وإما يبقى مرتاحاً في القصر الجمهوري. وقد حلّ مجلس النواب، وعندما تحلّ مجلس النواب، فمن الذي سينتخب الرئيس؟

هناك بعض الأخطاء ارتكبها بعض المسيحيين، لكنّ الجوّ المسيحي كان مخترقاً…

 

– تقصد الاختراق والتلاعب بالرأي العام المسيحي أو بالقيادة المسيحية؟

– بالقيادة. ولا بدّ من قراءة حجم التعطيل السوري والتعطيل الإسرائيلي للمسار اللبناني، والأهداف الأميركية بجعل لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين. كان الأميركيون همّهم أن تتفكّك التركيبة اللبنانية ليصبح لبنان وطناً بديلاً للفلسطينيين بشكل أو بآخر. والقيادات المسيحية كانت إمكانياتها متواضعة جداً أمام هذا الضغط السوري والإسرائيلي والأميركي. والدول العربية كانت مع الفلسطينيين… حتّى لو أراد ياسر عرفات الدخول إلى بعبدا وتنصيب نفسه رئيساً لبعبدا ما كانوا ليعترضوا.

 

– ليس المقصود فترة السبعينات والثمنانينات، ولكن بعد ولايتك؟ القاسم المشترك بينك وبين الرئيس ميشال عون أنّك كنتَ آخر رئيس يمثّل بيئته قبل مجيء إلياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان. وهو، ميشال عون، الرئيس الوحيد من بعدك الذي يمثّل بيئته. بين هاتين الولايتين تجدّد الانهيار: ما مسؤولية القادة المسيحيين، وتحديداً عون، عن انتقالنا من الدور الذي كنتَ تلعبه في لقاءاتك مع رؤساء العواصم الأساسية، إلى مرحلة لا يريد أحد التحدّث فيها لا مع لبنان ولا مع رئيسه؟

– “حرام” تحميل لبنان أكثر مما يجب. “حرام” أن ننسى أنّ البلد مرّ في جولات صعبة بدءاً من العام 1958 التي كانت مرحلة مصيرية.

فهل كان باستطاعة لبنان الوقوف بوجه الحملة الناصرية أو الحقبة الناصرية التي حاربت في اليمن وسقط فيها العراق وسقطت دولة اليمن وقسّموها، والأردن كان على وشك السقوط. كانت مرحلة ضغط على لبنان.

سأكشف لكم اليوم أنّ عبد الناصر لم يكن له علاقة بثورة 58 على عكس ما يعتقد الجميع. ستتفاجأون بهوية الذي خطّط لثورة 58. فالذي أخذ الوفود اللبنانية إلى مصر كي تطلب الوحدة هو عبد الحميد السراج، وزير داخلية الجمهورية العربية المتحدة آنذاك، وكان مُكلّفاً بالملفّ اللبناني وأقنع السلطات المصرية بأنّ هذه فرصة لضمّ لبنان إلى الوحدة. في الواقع كانت فرصة لسوريا وليست فرصة لمصر، والدليل على ذلك أنّه في العام 1959، وبعد انتهاء الثورة وتولّي فؤاد شهاب سدّة رئاسة الجمهورية، تلقّى الوالد بيار الجميّل دعوة من عبد الناصر لزيارة مصر، لكنه لم يستطع تلبيتها إذ كان أحد أركان الحكومة الرباعية، وكان يشرف على أكثر من وزارة. فأرسل عبد الناصر وزير الاقتصاد المصري عبد المنعم القيسوني إلى لبنان من أجل منح الوالد وسام وشاح النيل الأكبر، وهو أكبر وسام في مصر. وبعدها دعا شقيقي بشير إلى مصر. عبد الناصر كان بريئاً من هذه العملية التي قادها عبد الحميد السراج والذي أقنع السلطات المصرية بأنّ اللبنانيين يريدون الوحدة… هذه كانت مرحلة 58.

العمل العسكري الأهمّ في هذه الفترة أشرفت عليه شخصياً. كان الصيت لغيري والفعل لي في تلك المرحلة. فالمعارك الكبيرة التي خضناها وربحنا فيها إن كان في شكا أو تل الزعتر أو الضبية، كنتُ مسؤولاً عنها مباشرة على الجبهة وليس من وراء مكتب

أما مرحلة السبعينات فكلنا نعرف حجم الضغط الفلسطيني على لبنان خلالها. والكل كانوا مع الفلسطينيين، الأموال التي حصل عليها أبو عمار كي يخربط المعادلة اللبنانية لا تعدّ ولا تُحصى، وبعدها جاء العهد السوري وخاصة عند المسلمين. إذ لم يكن يتجرأ واحد منهم أن يقول إنّه ضدّ سوريا أو ضدّ الوجود الفلسطيني.

الضغط الذي تعرّض له لبنان المسلم أو المسيحي لم يُمارس على أحد. المسيحي استطاع أن يصمد. لكن كي نصل إلى المرحلة التي نعيشها اليوم، لبنان أنهك وأُربك مسلموه ومسيحيوه. فهل كان المسلم مرتاحاً لمرحلة 58؟ كلّ المسلمين عادوا وسألوا لماذا وصلنا إلى هنا.

وفي العهد الفلسطيني ألم يكن المسلم يعرف أنّ الفلسطيني تجاوز خطوط المنطق؟ وسمعنا كثيرين أجروا نوعاً من المراجعة حول تلك المرحلة. 

وفي العهد السوري ألم تتكوّن اليوم قناعة لدى المسلمين بأنّ النظام السوري كان يريد أن يأخذ أكثر مما يمكن للبنان أن يعطيه؟

أما الإيراني اليوم فحدّث ولا حرج.

الضغوط التي مورست على لبنان تتجاوز بكثير إمكانية لبنان على الصمود. وقناعتنا بمستقبل لبنان تمثّل تحدياً كبيراً ضد المنطق، لأنّ المنطق يقول إنّ لبنان انتهى، لذلك نشهد هجرة الكثير من اللبنانيين، ليس لأنّ المسيحي أخطأ أو المسلم أخطأ، بل لأنّ لبنان منذ فترة طويلة لم يهنأ بسنوات استقرار متتابعة. كان يأتينا عبد الناصر أو أبوعمار أو حافظ الأسد أو الخامنئي، فكم سيتحمّل هذا البلد الصغير؟

 

– يُقال إنّك في آخر عشر دقائق من ولايتك حاولتَ أن تؤخر التسليم، ووضعوا يومها الحجة بأناقتك، معروف أنّك شخص أنيق، وأنّك كنتَ تعيد ترتيب الكرافات قبل أن توقّع المراسيم الأخيرة!

– لا يوجد شخص حُكي عنه بقدر ما حُكي عني في تلك الولاية الرئاسية. وأنا نشرتُ كتابي “الرئاسة المقاوِمة” لكي أكشف الحقيقة. وكلّ ما ورد في الكتاب موثّق بمستندات ومحاضر. لم يكن عندي خيار آخر غير ميشال عون لأنّ سوريا يومها أقفلت الباب ضدّ خيار انتخاب مخايل الضاهر. وأذكر أنّ الشارع كان متفلّتاً ولم يكن من الممكن إجراء انتخابات في ذلك الجوّ المحتقن بين القوات اللبنانية وميشال عون الذي بدأت تتكشّف طموحاته الشخصية. والجيش لم يعد في حينها جيش الوطن، بل أصبح جيش طموحات ميشال عون الذي كان يتحضر للرئاسة، وأرسل موفدين إلى سوريا.

 

– هل صحيح أنّه بعث للرئيس الأسد قائلاً: سأصبح جندياً في جيشكّ إذا جعلتني رئيساً؟

– يعني… بما معناه، ليس بالضرورة حرفياً. لكن كانت هناك استحالة لإجراء انتخابات. باختصار استلهمتُ تجربة فؤاد شهاب وبشارة الخوري سنة 1952، حين وصلتُ إلى باب مسدود. حاولنا أن نرشّح شارل حلو لرئاسة الحكومة وحاولنا ترشيح الرئيس سليم الحص ضمن تركيبة تستطيع أن تحكم، لكنّ الاقتراح كان بحاجة إلى توازنات، فعندما توزّر وليد جنبلاط من جهة يجب أن تأتي بالرديف من الجهة الثانية.

كلّ المحاولات فشلت ولم يكن أمامي خيار آخر سوى المجلس العسكري، وأنا لم أختَر ميشال عون، إذ كان باستطاعتي تأليف حكومة مختلطة، لكنّني لم أفعل ذلك بل أتيت بالمجلس العسكري كاملاً، تحديداً، لا زيادة ولا نقصاناً، كي لا يقول أحد إنّ أمين الجميل يعيّن شخصياتٍ من حصّته. أتينا بالمجلس العسكري الكامل الموجود منذ أيام رشيد كرامي ومنذ أيام حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي لا أحد يستطيع أن يشكّك فيه، واتصلت بالوزراء المسلمين ومن بينهم محمود أبو ضرغم ولطفي جابر وهما موجودان ويمكن أن تسألوهما.

لم أطلب الرئاسة، بل جاءتني بكلّ أثقالها وأحزانها ومشاكلها. راجعوا صوري في تلك المرحلة لن تجدوا أيّ ضحكة. كنتُ أصغر رئيس جمهورية في لبنان والدنيا كلها فتحت لي أبوابها: أميركا وفرنسا والدول العربية. كان يفترض أن أكون مسروراً، لكنّني كنتُ حزيناً

 

– يومها رفضوا أليس كذلك؟

– كلا لم يرفضوا، أنا اتصلت بهم وقالوا لي نحن جاهزون فخامة الرئيس: “والله يقدرنا على خدمة لبنان”، لكن أُعلنت استقالتهم دون أن يعرفوا، أعلنت استقالتهم “إذاعة دمشق” قبل أن يستلموا وزاراتهم ومنعوهم من أن يستلموا الوزارات. أنا تحدثت على الهاتف مع الوزراء الثلاثة الذين شكروني وأبدوا رغبتهم بالتعاون. وحين صدرت مراسيم الحكومة تفاجأ السوريون، فاتصلوا بهم وأبلغوهم بأن هذه الحكومة غير مقبولة.

 

– لماذا فتحتَ قنوات اتصال مع أعدائكَ وزرتهم حتّى في عزّ التشنج المسيحي – الفلسطيني؟

– بقدر ما واجهنا الممارسات الفلسطينية في لبنان، وبكل تواضع أقول إنّ العمل العسكري الأهمّ في هذه الفترة أشرفت عليه شخصياً. كان الصيت لغيري والفعل لي في تلك المرحلة. فالمعارك الكبيرة التي خضناها وربحنا فيها إن كان في شكا أو تل الزعتر أو الضبية، كنتُ مسؤولاً عنها مباشرة على الجبهة وليس من وراء مكتب.

لكن بقدر ما حاربنا الممارسات الفلسطينية بقدر ما كنّا أنا والوالد مقتنعين بقدسية القضية الفلسطينية، ونعتبرها قضية مقدسة وقضية حقّ وأنّ الشعب الفلسطيني مظلوم، هذه قناعتنا وليست مسايرة،  “يسمحلنا فيها أبو عمّار، فلا يستطيع  دخول بيوتنا ويتفاهم “ما بعرف مع مين” ويقول إنّه آتٍ في الغد ليتناول الترويقة في بكفيا.

في كتابي تجدون رسالة بخطّ يد أبو أياد ينصف فيها أمين الجميل، اقرأوا ماذا كتب عني أبو أياد.

 

– وقال لك: “إذا متُّ قبل أن أنشرها، انشرها أنت”؟

– صحيح وقد اتصل بي ابنه منذ فترة وقال لي: “أنا أودّ فقط أن أسلّم عليك لأني أعرف ماذا كنت بالنسبة لوالدي”. وأبو أياد كان أشرس الفلسطينيين، وقد قال لي يوماً: “أعرف أنّه ليس بإمكانك أن تتصرّف بطريقة أخرى، وشراستُكَ توازي صدقكَ”.

الظروف كانت تحكمنا جميعاً.

 

– لنعد إلى 2020، هل أنت موافق على كلّ مسار حزب الكتائب، وتحديداً استقالة النواب، وقيل كلام بأن هذه ليست طبيعتك؟

– بالتأكيد هذه ليست طبيعتي، أنا كنت سأتصرّف بطريقة أخرى، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن تعطي الشيء ومن ثم تأخذه، فإما أن تعطيه أو لا تعطيه.

أنتم تعرفون أنّه لا يوجد سياسي في لبنان عانى ما عانيته. منذ تفتحت عيناي في السياسة تفتحت على المشاكل. كنتُ نائب المتن، وكلّ المعارك كانت في الدكوانة وجسر الباشا والضبية وتلّ الزعتر.

بعدها لم أطلب الرئاسة، بل جاءتني بكلّ أثقالها وأحزانها ومشاكلها. راجعوا صوري في تلك المرحلة لن تجدوا أيّ ضحكة. كنتُ أصغر رئيس جمهورية في لبنان والدنيا كلها فتحت لي أبوابها: أميركا وفرنسا والدول العربية. كان يفترض أن أكون مسروراً، لكنّني كنتُ حزيناً. كنت أشعر بخطورة الموقف وكنت منهكاً.

في كتابي تجدون رسالة بخطّ يد أبو أياد ينصف فيها أمين الجميل، اقرأوا ماذا كتب عني أبو أياد

أنا دخلت إلى الرئاسة وكنا نرجو فيليب حبيب لإزالة الحاجز الإسرائيلي عن باب قصر بعبدا أو إبعاده ولو مئتي متر. فقد كان الجنود الإسرائيليون فرحين بالتقاط الصور على باب القصر الجمهوري، وكلما جاءني ضيف أو زائر عليه أن يمرّ على الحاجز الإسرائيلي.

ثم وصلنا إلى مرحلة النفي وهذا الأمر ليس سهلاً. أنا زوّجت ابني بيار في قبرص، أنا أمين الجميل ابني اسمه بيار الجميل، بدل أن يتزوّج في بكفيا بالطبل والزمر، وبدل أن يخرج مع عروسته من بيته في بكفيا، بيت العائلة الذي عمره 400 سنة، ذهبنا زوّجناه في قبرص، وابنتي تزوّجت في باريس أيضاً بالطريقة نفسها.. ناهيك عن الطعنات التي تعرّضت لها من أهل البيت ومن غير أهل البيت.

أنا منهك وارتأيتُ أن يأتي من يحمل عنّي، فوجدتُ سامي الذي أثق به وبإخلاصه. ربما يكون قد أخطأ هنا أو هناك، لكن لا أحد ينكر أنّه رجل مخلص صادق ونزيه، وأنّ البلد بحاجة إلى رجال مثله.

كنتُ منهكاً وسامي كلّه وطنية وكلّه إخلاص للبلد، وتبيّن أنّه مستعد لتحمّل المسؤولية، فاعتبرت في هذه المرحلة ولأسباب شخصية، ولأسباب وطنية، أنّه عليّ أن أتركه يتابع المشوار، ولما سلمته الأمانة ما عاد ممكناً أن أجلس فوق قراراته مثل الحماة، وأحاسبه.

أما في القضايا الأساسية والجوهرية، فالتنسيق الكامل موجود. لكن في القضايا، السياسية فليتحمّل هو مسؤوليته، وما همّي إذا استقال نواب الكتائب أم لا، فليتحمّل هو مسؤوليته.

مثلاً استقالته من حكومة الرئيس تمام سلام كان اعتراضاً على أن يكون شاهد زور، ونذكر ما قاله الرئيس سلام بالصوت والصورة بأنّها حكومة “اعطيني لأعطيك”، أي حكومة تزوير وفساد. لم يتقبّل سامي أن يكون شاهد زور. وفي الشارع نرى كم هو مقبول لأنّه رفض أن يكون شاهد زور.

أنظروا حين زار طرابلس كيف حظي باستقبال شعبي لم يحظَ به أيّ سياسي آخر، وأقام نواب طرابلس القيامة عليه واتّهموه بأنّه يزايد عليهم في مدينتهم. هو فقط تجوّل في شوارع طرابلس وفي أسواقها القديمة من دون أيّ حراسة أو أيّ إجراءات أمنية، لأنه صادق ونزيه لذلك لا بأس أن يأخذ فرصته “وأنا مش زعلان”، وأنا سألته هل كانت الاستقالة ضرورية في هذه المرحلة؟ فأجابني: أذا لم أستقِل اليوم سيضعونني مع الآخرين في السلّة نفسها.

 

– سامي يشبه مَن في العائلة؟

– سامي ابن الجميل وسليل أسرة بيار الجميل الذي كان يضع شعاراً فوق مكتبه وفرضه على كلّ العائلة، وكان مكتوباً بالفرنسية: “الشطارة الوحيدة المقبولة هي المبنية على الصدق والنزاهة”.

هذا هو سامي الجميل وعنده القضايا الوطنية فوق كلّ اعتبار.

 

– تفجير المرفأ برأيك هل فجّر الوعي المسيحي أو وعي الأكثرية المسيحية التي كانت تعتقد أنّ السلاح يحمي المسيحيين، السلاح الشيعي أو سلاح الحزب، وهل بدأنا في مرحلة جديدة بالنسبة إلى الرأي العام العوني بعد تفجير المرفأ؟

– بصراحة أقول إنّني لا أفهم الرأي العام العوني، هناك ناحية مرضية وعندهم ناحية بسيكولوجية لا أفهمها، لكن قضية المرفأ لم تغيّر شيئاً في الجوهر المسيحي، وفي الضمير المسيحي. وإنّما ما يغيّر هذا الرأي حالياً هو عقم الدولة والفساد المتغلغل فيها، وقلة المسؤولية والعبثية التي يتصرّف بها الحاكمون، والأنانية في تصرّفاتهم وسلوكياتهم.

 

– هل أظهر انفجار المرفأ خطورة السلاح على المسيحيين وعلى مناطقهم، خصوصاً أنّ العونيين كانوا يحتمون بهذا السلاح، والفكرة العونية قائمة على أنّ هذا السلاح يحمينا بدل أن يؤذينا، وفجأة انفجر فيهم؟

– أنا لم أتوصل إلى هذا الرأي. ربما أنت محقّ. ولديك الحقّ بأن تطرحه من هذه الزاوية. أنا أعتبر بالمطلق أنّ هذا السلاح في غير محله، وحماية لبنان تكون بمئة ألف طريقة أخرى. إسرائيل دخلت جنوب لبنان لتحمي نفسها من العمليات الفلسطينية، واليوم الفئات المسلحة في الجنوب أياً كانت هي التي تأتي بالدب إلى كرمنا.

دخلتُ إلى الرئاسة وكنا نرجو فيليب حبيب لإزالة الحاجز الإسرائيلي عن باب قصر بعبدا أو إبعاده ولو مئتي متر. فقد كان الجنود الإسرائيليون فرحين بالتقاط الصور على باب القصر الجمهوري، وكلما جاءني ضيف أو زائر عليه أن يمرّ على الحاجز الإسرائيلي

دعونا نجد طريقة أخرى لحماية لبنان، لأنّ هذا السلاح يجلب السلاح والعنف يجلب العنف، وانفجار المرفأ جاء من ضمن مسار عام. والمسلمون تضرّروا منه أكثر من المسيحيين ربما، فهل تعتقد أنّ جميع المسلمين على رأي واحد في موضوع السلاح؟

مثلاً في ملف مزارع شبعا، من السهل أن تفاوض مع إسرائيل على استعادتها، لأنّها بخلاف الجولان، لم تضمّها إلى السيادة الإسرائيلية، وأيضاً لم تقم عليها مستوطنات، لكن يجب حسم مسألة ملكية المزارع وأن نرسّم الحدود مع سوريا. لكن ما يقفل الباب أمام أيّ حل توافقي أو سياسي في الجنوب أنّ إيران تريد إبقاء مسمار جحا في البلد، لكي تحقّق مآرب إقليمية من سلاح حزب الله.

فمن يستطيع ترسيم البحر لماذا لا يرسّم الحدود البرية ومزارع شبعا؟

كان وليد المعلم وزير خارجية سوريا قد صرّح مرات عدّة بأنّ المزارع لبنانية،  فلماذا لا تعطينا سوريا ورقة تثبت لبنانيتها، فنطلب من الأميركيين ستردادها؟

هذا ممنوع، لأنّنا إذا استردينا مزارع شبعا نزيل حجة المقاومة. وكان هذا الحال في اتفاق 17 أيار؟ كان ليمرّ لو شاركت فيه سوريا. لكنّ نظام الأسد كان يريد إبقاء لبنان والقضية الفلسطينية ورقة في يده. واليوم إضافة إلى سوريا، هناك إيران التي بات لها حصّة في لبنان كورقة.

 

– يعتقد النائب جبران باسيل دائماً أنّه بشير الجميل، يتعاطى على هذا الأساس، ويحاول تسويق نفسه على هذا الأساس: ما هو الفارق بين جبران باسيل وبشير الجميل؟

– لا يوجد أيّ علاقة لا من بعيد ولا من قريب، لا بالطول ولا بالعرض، ولا بالمبدأ ولا بالتفصيل ولا بالممارسة ولا بالتكوين ولا بالتاريخ ولا بالجغرافيا، لا يوجد أيّ علاقة. بشير الجميل انطلاقته معروفة، صعد السلم درجة درجة، لم يهبط بالمظلة، وما من مقارنة أو أيّ قرب، لا في الأخلاق، ولا في النزاهة، ولا في التضحيات.

 

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…