سمير عسّاف: من هو اللبناني الجنوبي على طائرة الرئاسة الفرنسية؟

مدة القراءة 7 د


هو الجنوبي من قرية كفرشلال في قضاء صيدا والذي درس في بيروت في مدرسة مار يوسف – الحكمة، والذي ترك لبنان خلال الحرب الأهلية، إلى جامعة فرنسية، ليدرس العلوم السياسية، ثم ليحصل على ماجيستير في إدارة الإعمال من جامعة السوربون. عمل في القطاع المصرفي عشرات السنوات، وليس بشهادته السياسية. بالطبع لم يكن يخطر على باله أنّ صديقه المصرفي، إيمانويل ماكرون، الذي سيصير رئيساً لفرنسا، سيصطحبه ذات انفجار دمّر جزءًا من عاصمة لبنان، على متن طائرة الرئاسة الفرنسية، وسيعيده إلى لبنان، بتذكرة عودة سياسية، في محاولة لإنقاذ لبنان كلّه.

هكذا لعبت الأقدار، وأهدت سمير عسّاف نصراً معنوياً كبيراً، جعل الطالب الجامعي، الهارب من جحيم الحرب، إلى جنّة العلم، يعود بعلمه وخبرته وعلاقاته وشهاداته، من باب المحاولة الأخيرة، لطيّ صفحة الإفلاس والقهر الذي يعيشه اللبنانيون. واسمه مطروح لأعلى منصبين ماليين في لبنان، وهما أعلى منصبين اليوم، في السياسة أوّلاً، وبالنسبة لكلّ مستقبل لبنان ثانياً: حاكم مصرف لبنان، أو وزير المالية.

إقرأ أيضاً: دعاوى نيويورك… تنظّم “آخرة” النظام المصرفي!

في أقلّ من شهر زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرّتين، وفي الزيارتين رافقه المصرفي الذي قيل عنه الكثير: عسّاف، المدير العام لمصرف الاستثمار التابع لمجموعة HSBC، والذي بدأ حياته في شركة “توتال” النفطية في العام 1987. ثم انتقل إلى مجموعة HSBC وترقّى حتى بات مديرها العام والعضو في المجلس الاستشاري لصندوق النقد الدولي منذ العام 2012. وبين الشركات المصرفية تعرّف إلى المصرفي إيمانويل ماكرون، وبنى معه صداقة. ثم وقف إلى جانبه  خلال حملته الانتخابية في العام 2016، ونظّم له نشاطات، من بينها عشاء في منزله بلندن، جَمَعَ خلاله الفرنسيين المقيمين في بريطانيا من أجل الحصول على تمويل لحملته En marche.

يقول مصدر فرنسي مقرّب ومواكب لفريق عمل ماكرون، منذ انتخابه رئيساً لفرنسا، أنّ علاقة ماكرون بعساف “قديمة ولم تنقطع أبداً، حتى حين انتقل ماكرون إلى الشأن العام، فقد داوم على لقاء عساف خلال فترة توليه وزارة الاقتصاد الفرنسية، وهو يثق به، ويعتمد عليه كثيراً كمصدر معلومات تخصّ الشأن المالي والاقتصادي اللبناني”. ويعتبر المصدر في حديث لـ”أساس” أنّه “من المبكر جداً الحديث عن تولي عساف حاكمية مصرف لبنان أو حتّى حقيبة وزارية اليوم”.

المصدر نفسه يؤكّد أنّ إزاحة رياض سلامة “ليس أمراً سهلاً”، ومرتبط بـ”موافقة البديل نفسه على ذلك”. فهل سيقبل عسّاف أو أيّ شخصية أخرى بأن يحلّ مكان سلامة؟

كما يفضّل المصدر وضع تقارب الرجلين في إطار “نمط عمل” الرئيس الفرنسي القائم على “تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات من خلال أشخاص نافذين يثق بهم”. فخلفيته في تحليل الواقع تقوم على “قراءة الوضع ودراسة التحديات، ثم لاحقاً وضع استراتيجية العمل لحل أيّ المشكلة، وليس على الطريقة الفرنسية التقليدية (Thèse-Antithèse-Synthèse) وإنما نمطه ميّال إلى النهج الانغلو ساكسوني”.

في نظره، فإنّ ماكرون حتى اللحظة، في صدد “ترتيب مكامن نفوذه في لبنان”، هو منكب الآن على “جمع الأوراق واستقطاب النافذين من خارج السلطة التقليدية”. هو لا يريد علاقات من خلال الطقم السياسي الموجود، لكنّه يرفض أن يلغي أحداً منهم الآن، بل هو في طور “نسج شبكات ليقفز من خلالها من فوق السلطة الموجودة”.

المصادر كلها لم تنفِ إمكانية تبّوؤ عساف منصباُ متقدّماً في خطّة إصلاح الإدارة اللبنانية، بدعم من صديقه ماكرون، لكنّها اختلفت على تحديد هذا المركز وتوقيته. ربما العودة إلى ماضي هذا الرجل وتجربته الأولى مع شركة “توتال” تفتح احتمالاً ثالثاً، خارج حاكمية مصرف لبنان ووزارة المالية، خصوصاً عشية الحديث عن اهتمام بالغ يوليه الرئيس الفرنسي لحقيبة الطاقة. ولنتذكّر فإنّ النفط في حوض البحر الأبيض المتوسط كان عصب التحرّكات الدولية في الأشهر الماضية، أكان في عودة ماكرون إلى بلاد الأرز أو في ضغط واشنطن على “حزب الله” وحلفائه لترسيم الحدود البحرية.

عسّاف الذي يتقن اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، يُعدّ من أشهر المصرفيين وأكثرهم احترامًا في المملكة المتحدة، لدرجة أنه وصف نفسه في مقابلة عام 2017 مع Financial News، بأنه The last man standing في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية في المملكة المتحدة. وقد وصفه خبير اقتصادي لبناني، مقرّب من جهة حزبية تهتم بآلية التعيينات ونزاهتها، بأنّه “الأكثر ترشيحاً لمنصب حاكم مصرف لبنان”. ويستند إلى “ما قاله قبل أشهر الموفد الفرنسي الخاصّ إلى بيروت، المكلّف متابعة نتائج مؤتمر “سيدر” السفير بيار دوكان، في تقرير أعدّته وزارة الخارجية الفرنسية”، وهو بحسب الخبير: “يجب التخلّص من هذا الرجل”.

وعلى الرغم من أنّ السفارة الفرنسية نفت هذا الكلام في بيان رسمي، إلاّ أنّ النفي يذكّرنا بحادثة توبيخ ماكرون للصحافي في “لو فيغارو” جروج مالبرونو في قصر الصنوبر. فقد انهال ماكرون على مواطنه بكلام قاسٍ، لكنه لم ينفِ صحّة ما كتبه عن عقوبات فرنسية وأوروبية وأميركية محتملة بحقّ سياسيين لبنانيين.

المصدر نفسه يؤكّد أنّ إزاحة رياض سلامة “ليس أمراً سهلاً”، ومرتبط بـ”موافقة البديل نفسه على ذلك”. فهل سيقبل عسّاف أو أيّ شخصية أخرى بأن يحلّ مكان سلامة؟ في نظر الخبير الاقتصادي اللبناني، فإنّ الأمر “غير وارد عند عساف لأنّ البديل عليه أن يكون انتحارياً”، ويسأل: “هل سيحصل على ضمانات ليتمكّن من العمل في حرية؟ هل سيسمح له “حزب الله” بذلك؟ هنا السؤال الأساسي وبعد ذلك فإن التسمية تصبح أمراً ثانوياً”.

كلام يقابله كلام آخر من جهة مصرفية عليمة بخطوات سلامة، كان لها دور كبير في إدارة مصرف لبنان بالفترة السابقة، وهي تؤكد لـ”أساس” أنّ “البعض ربما ترجم مرافقة عساف لماكرون على هذا النحو، لكن هذا الكلام ليس جديداً، فعساف اسمه مطروح كمرشّح لخلافة سلامة منذ ما قبل حكومة حسان دياب، بل قبل التجديد للحاكم في العام 2017”.

الواضح هذه الأيام أنّ سلامة باقٍ لفترة أطول مما يتوقع خصومه، والثنائي الشيعي متمسك بوزارة المالية حتى الآن

هذه الجهة ترجّح أنّ الحكومة لا تستطيع إقالته ولا تملك السند القانوني للإقدام على ذلك. لكن ترجّح أن يحصل ذلك بأسلوب “مؤدّب وناعم جداً وهادىء وليس بالضرورة في وقت قريب أو لصالح عسّاف”. فرياض سلامة يصرّ على “إجراء تدقيق في حسابات مصرف لبنان، لكن ليس جنائياً. هو يطلب أن يتولّى المصرف المركزي الفرنسي ذلك. ربما يشرف على التدقيق من ثم يتنحّى”.

وتكشف هذه الجهة أنّ المعلومات المستقاة من الدوائر المعنية بتشكيل الحكومة، ترجّح “تعيين عساف وزيراً بحقيبة وازنة” وليس بالضرورة وزارة المالية… ويضيف: “ولو كنتُ أتمنّى أن يحلّ عساف في المالية لما يمكن أن يقدمّه للدولة اللبنانية من خلال تعويم ديونها والعمل يداً بيد مع مصرف لبنان من أجل ذلك، لكن المعلومات ترجّح أن يتولّى وزارة أخرى”، لم تحدّد بعد.

الواضح هذه الأيام أنّ سلامة باقٍ لفترة أطول مما يتوقع خصومه، والثنائي الشيعي متمسك بوزارة المالية حتى الآن. كذلك فإنّ عساف لا يبحث عن عمل. من يريد خبرته عليه أن يجد له ما يرضيه لتحقيق رؤيته المالية والاقتصادية لإنقاذ لبنان من براثن الفوضى السياسية التي تمنع اتخاذ القرارات المناسبة.

حتّى هذا الكلام تعتبره جهات فرنسية بمثابة “تسرّعٍ أو حرقٍ للمراحل”. لكنّ الأكيد أنّنا سنسمع كثيراً باسم عسّاف في المرحلة المقبلة. وسنعرف عنه أكثر أيضاً.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…