لم تأتِ “صفقة القرن” التي كشف عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام مع رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، على ذكر مصير اللاجئين الفلسطييين بشكل واضح ومفصّل، بل اقتصر الأمر على بعص البنود فقط.
فالخطة التي تتألّف من 181 صفحة (مرفقة أدناه) تتحدث عن تخصيص مبلغ 50 مليار دولار، جزء يسير منه سيذهب إلى 3 دول هي: لبنان والأردن ومصر (لا ذكر لسوريا). حصة لبنان منها 6325 مليون دولار مخصصة لمشاريع بنى تحتية وليس تعويضات للجئين الفلسطينيين البالغ عدد المسجلين منهم نحو 455 الف فيما عدد المقيمين لا يتخطّى حدود 174 ألف فلسطيني بحسب آخر إحصاء اجرته السلطات اللبنانية عام 2017.
كما تقسّم الخطة الفلسطينيين 3 فئات:
1- فئة المواطنين الذين ستحضنهم الدولة الفلسطينية المزعومة.
2- فئة تُدمج (integration) مع شعوب الدول المضيفة.
3- فئة قوامها 50 ألف شخص يُوطّنون في دول منظمة التعاون الإسلامي بمعدل 5000 شخص كل سنة (المنظمة رفضت الصفقة وأكّدت تمسكها بقرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية للسلام).
إذاً، الصفقة قائمة على رشوة “دول الطوق” المأزومة إقتصادياً، بحفنة من الدولارات لقاء السكوت عن بقاء الفلسطينيين في ضيافتهم، فيما لم يسأل أحد الفلسطينيين رأيهم.
السواد الأعظم من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يرفضون التوطين، بعضهم يفضل الهجرة فيما البعض الآخر يفضل اللجوء على التوطين، لأنّ “المعانات في لبنان لا تُحتمل”.
حسن (50 عاماً) هو لاجىء فلسطيني مقيم في مخيّم برج البراجنة يعمل في مجال برمجة وصيانة الكمبيوتر. نسأله عن رأيه في “صفقة القرن”: “أكثر من 75 في المئة من سكان المخيّم هنا يرفضون التوطين رفضاً قاطعاً. نفضّل البقاء في المخيم على التوطين”. نسأل عن السبب، فيجيب: “بات بيننا كفلسطينيين وبين القوانين اللبنانية شرخ كبير. فقدنا الثقة ونحن على يقين أنّنا سنكون مواطنين درجة ثانية”. نخيّر حسن بين الهجرة والتوطين والبقاء في المخيم، وعن توزيع الأولويات بين الخيارات الثلاثة بحسب الأهمية، فيبوح: “بصدق ومن دون أيّ مبالغة سأختار أن أبقى لاجئاً إلى حين العودة. خياري الثاني سيكون الهجرة، فيما التوطين هو الخيار الأخير… مع استنتاجي المسبق أنّ التوطين سيُفرض على لبنان بسبب أزمته الإقتصادية في نهاية المطاف”.
أما وليد، اللاجىء الفلسطيني المقيم في مخيّم مار الياس في بيروت، الذي يعمل في مجال التصوير الإشعاعي، يعتبر أنّه يعيش في المخيمات “وسط ظروف مأساوية برغم أنّنا خُلقنا وعشنا هنا في لبنان، لكن النظرة إلينا كلاجئين مذلّة. نعيش تضييقاً متزايداً سنة بعد سنة، بدءاً من منع التملّك وانتهاءً بقانون العمل الذي يحرمنا من وظائف كثيرة”. نسأله عن التوطين، فيكشف أنّ “أسهل الحلول هو الهجرة. أنا إذا غادرت إلى أوروبا مثلاً، أضمن حقّي في التعبير. حتّى لو حملت جنسية أوروبية أعبّر عن رأيي هناك بحرية، وستبقى فلسطين مزروعة في قلبي ويمكن أن أزوها يوماً ما بواسطة هذه الجنسية”.
يؤكد وليد أنّ الشتات الفلسطيني “ضدّ هذه الصفقة”، معللاً ذلك بأنّها “لم تتطرّق لوضعنا إلاّ عبر توطيننا في أماكن إقامتنا. سرقوا أرضنا ورسّموها بغطاء دولي وبات ممنوع علينا أن نعود إليها أو حتّى أن نتحدث عنها. نحن اليوم عاجزون عن التصدّي لهم لأنّ العالم كلّه إلى جانب إسرائيل وميزان القوى لمصلحتها. ما علينا إلاّ أن نتمسّك بحقنا ونعلّم أولادنا والأجيال المقبلة حبّ قضيتنا والتعلّق بالتاريخ والجغرافيا لنورّثها محبة فلسطين”.
ومن خلال كلام وليد، يبدو جلياً أن رهان إسرائيل لسنوات على نسيان القضية جيلاً بعد جيل، كان رهاناً خاسراً جداً. أغلب من خرجوا من لبنان أو من الدول العربية يتمسكون بهويتهم الفلسطينية وبـ”القضية”، ربما لأنّ الجو الديموقراطي في الغرب يسمح بالعمل والتحرّك السياسي وممارسة حرية الرأي التعبير أكثر من الوطن العربي. يسهل عليهم هناك الحفاظ على هويتهم الوطنية بعيداً نن الضغوطات، كما أنّ رغد العيش يسمح بالارتقاء في التفكير في قضايا كهذه، فيما هنا في بلادنا العربية سيقولون: “خلّيني آكل قبل القضية”.
وفي هذا الصدد، يكشف الصحافي الفلسطيني المتخصص في الشؤون الفلسطينية، الزميل أنيس محسن، أنّ الحراك الفلسطيني في الغرب أكثر نجاعة وفعالية. يحدّثنا عن “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات – (BDS)”، التي تحضّ الغرب على مقاطعة اسرائيل، وكيف باتت “تشكل خطراً على الكيان الصهيوني أكثر من المقاومة المسلّحة نفسها”، فيقول إنّ الكيان أنشأ لجنة خاصّة في وزارة الخارجية لمحاربة أعمال هذه المنظمة. وهذا يشير صراحة إلى حجم القدرة على التحرك الفلسطيني في الخارج من خلال الانخراط في المنظمات غير الحكومية والجمعيات الفاعلة هناك.