بوصعب يحوّل “التسليم والتسلّم” إلى هجوم على قائد الجيش

مدة القراءة 5 د


في يوم التسليم والتسلّم في وزارة الدفاع كرّس وزير الدفاع السابق إلياس بو صعب ترسيم خطوط التماس مع قائد الجيش العماد جوزف عون، الجالس في مكتبه ثابتاً في موقعه، يشهد على توالي وزراء الدفاع في الإمساك بالحقيبة السيادية، من يعقوب الصرّاف إلى الياس بو صعب وصولاً إلى زينة عكر عدره. والثلاثة نتاج خيار شخصي للوزير جبران باسيل في حقيبة محسوبة من حصّة رئيس الجمهورية.

لم يكن مجرد تفصيل صغير في خطاب الطلّة الأخيرة من اليرزة أن يفرد نائب المتن مساحة واسعة من كلامه ليتحدث عن الإصلاح و”الحفاظ على صلاحية وزير الدفاع في هذه المؤسسة”، وتسليمه بأنّ “تفكيرك (متوجّهاً إلى وزيرة الدفاع) يشبه تفكيري في ما يتعلّق بمحاربة الفساد وفي الإصلاح الحقيقي. وأعرف أنّك قبل أن تكوني سياسية، طينتك وخلفيتك تؤهلانك لتمثّلي صرخة الناس”، مع أمله بأن تنجز الوزيرة الجديدة “المزيد من الإصلاحات مع الحفاظ على المؤسسة العسكرية وعلى معنويات الجيش”.

لم يكن وزير الدفاع السابق يتحدّث من أقبية وزارة المال أو المهجرين أو الاتصالات أو الشؤون الاجتماعية.. حيث تعشعش الكثير من دكاكين الفساد، بل من وزارة يصدف أنّ “قائدها” ليس من طينة من يسمح للفساد أن يتسلّل إلى زواريب اليرزة، وحين تظهر عوارضه وبصماته يتصرّف من دون استعراضات إعلامية. وقد لاقته الوزيرة الجديدة بالتركيز أيضاً في حديثها عن محاربة الفساد.

لم يتطرّق وزير الدفاع السابق إلى الإعتداءات الإسرائيلية ولا ملفّ  المعابر غير الشرعية ولا معركة حقوق الجيش عند إقرار الموازنة العامة ولا النزاع مع إسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية ولا عملية الاستنزاف الطويلة التي يتعرّض لها الجيش منذ أكثر من ثلاثة أشهر من جرّاء التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي تجتاح المناطق.. إختصر ولايته القصيرة في اليرزة بالتركيز على ملفّ واحد: المراسيم التطبيقية، قائلاً “لقد حاولت كثيراً العمل على تحسين العمل الإداري في هذه المؤسسة، وكلنا نعرف أنّ قوانيننا قديمة وقانون الدفاع صدر منذ 36 عاماً. ونحن أنجزنا المراسيم التطبيقية لإقراره ووضعناه بعهدة وزيرة الدفاع لتكمل هذه المهمة لأنّ القوانين هي الأساس، ولكي نعمل على الإصلاح علينا العمل على تطبيق القوانين”.

تفيد معطيات أنّ ضباط اليرزة كانوا يفضّلون عدم تعيين إمرأة في هذا الموقع، لأنّ مسار العلاقة الثنائية بين الطرفين سيكون محطّ اختبار

معركة المراسيم التطبيقية لقانون الدفاع التي لم يتسنّ لأبو صعب أن يكملها حتى النهاية، لا تزال عالقة على طاولة المجلس العسكري، ويُفترض أنّ من اختارها باسيل وزيرة للدفاع ستنجزها وتقوم بالواجب.

سبق لبو صعب أن فاخر بأنّه أنجز “العملية الإصلاحية الأكبر في وزارة الدفاع” من خلال إنجاز المراسيم التطبيقية للغرفة العسكرية والمجلس التأديبي والمفتشية العامة والمديرية العامة للإدارة ومؤسسة الجيش والمجلس العسكري. الملفّ لا يزال عالقاً ومجمّداً على طاولة المجلس العسكري، وموافقة الأخير إلزامية على جزء من هذه المراسيم. لكن لقيادة الجيش رأيها المناقض لرأي بو صعب الذي نفّذ بأمانة ما طلبته منه قيادة فريقه السياسي بأن تكون هذه المراسيم المدخل إلى تقييد صلاحيات قائد الجيش.

عملياً، المراسيم التطبيقية هي عيّنة من سلسلة وقائع تحكّمت بمسار العلاقة بين بو صعب والعماد عون، وأدّت إلى قطيعة شبه كاملة وصلت إلى حدّ توقف وزير الدفاع عن توقيع بريد الجيش (باستثناء البريد الضروري) وانقطاع التواصل بين الطرفين، وهو الأمر الذي أوحى به بو صعب بشكل غير مباشر خلال حديثه عن الاحتجاجات الشعبية. إذ لفت إلى أنّ تواصله مع قائد الجيش اقتصر فقط على بداية الحراك.

لم يشذّ كل من وزيري الدفاع السابقين الصراف وبو صعب عن قاعدة ترك اليرزة في ظلّ خلاف مستحكم مع قائد الجيش. فيما تجد قيادة الجيش نفسها اليوم أمام واقع وزاري ونوعي مستجدّ. إمرأة على رأس وزارة الدفاع اختارها شخصياً جبران باسيل لتكمل مساراً خطّه باسيل بنفسه، في وقت يرى كثيرون أنّ هذا المسار مرتبط بحسابات رئاسية ومستقبلية.

في قانون الدفاع لا نصّ محدداً يرسم لوزير الدفاع صلاحياته. وهذا الواقع لا يزال يتحكّم بالعلاقة بين وزير الدفاع وقائد الجيش صاحب الإمرة، الأوحد، على المؤسسة العسكرية. أما في البعد الإداري لعمل وزير الدفاع فهذا الأمر كان يتعلّق دوماً بشخصية كل وزير. وفيما تفيد معطيات أنّ ضباط اليرزة كانوا يفضّلون عدم تعيين إمرأة في هذا الموقع، فإنّ مسار العلاقة الثنائية بين الطرفين سيكون محطّ اختبار في ظلّ الحديث عن أنّ الوزيرة الجديدة صاحبة شخصية قوية ومتمرّسة في تنظيم العمل الإداري والبحثي والاستقصائي: “كما أقامت وحافظت على اتصالات وثيقة مع المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والبنوك المحلية والمؤسسات المالية”، بحسب بطاقة التعريف التي أوردها موقع مؤسسة “الدولية للمعلومات”.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…