بيطار للمرفأ.. فأين بيطار المصارف؟

مدة القراءة 3 د

ما عاد سؤال “من سرقنا” حاضراً في أدبيات اللبنانيين. الإعلام الداعم لأصحاب المصارف وكبار السياسيين المتواطئين مع المصارف. لقد أخذوا النقاش، منذ أكثر من عام، إلى مكان آخر تماماً.

نجد أسئلة كثيرة، تفصيلية، توجع رؤوس المتابعين، حتى لا يبقى مكان فيها لأيّ أسئلة جديّة. يخرج الصحافيون والمذيعون ليقاتلوا دفاعاً عن قاضي التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت. ينقسم اللبنانيون، بين من هم مع القاضي ومن هم ضدّه. يفرح حاكم مصرف لبنان. يصفّق بيدين واسعتين وهو يشاهد “المباراة”.

حرفياً بات هو والمصارف في مقاعد المتفرّجين والمشاهدين.

لا أحد يسأل، لا في الإعلام المرئي ولا في الإعلام المكتوب والإلكتروني: “من سرق الودائع؟”. أو “كيف يمكن محاسبة المفسدين؟”. التركيز في مكان آخر: المرفأ، ثم المرفأ، ثم المرفأ

هناك من أقنع اللبنانيين، الجائعين، والمفلسين، والذين ضاع جنى أعمارهم في المصارف، أنّ عليهم أن يتقاتلوا حول تحقيق المرفأ. تماماً كما أقنعنا قبل 15 عاماً أنّ المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هي التي ستعيد لبنان أحلى مما كان.

ثم جاءت المحكمة، ودفعت الكثير من الدماء على الطريق إليها، ووقف سعد رفيق الحريري على بابها بعد إعلان الحكم وتأكيد أنّ أحد عناصر حزب الله هو الذي قتل والده، ودعا الحزب القاتل إلى التضحية. وأكمل في التحالف العلني مع الحزب، في محاولة تشكيل حكومة “لإنقاذ لبنان”.

اليوم خيضت حملات إعلامية ضخمة، يشتمّ منها رائحة المصارف ومصرف لبنان، بهدف إلهاء اللبنانيين بالتحزّب للبيطار أو ضدّه. وسالت دماء، في الطيونة، بين اللبنانيين. جائعون يهاجمون جائعين حول ملف قضائي أمني. أما الملف المالي والاقتصادي فخرج من التداول منذ أشهر طويلة.

في فترة صار النقاش: “هل يرفع دولار المصارف من 3900 إلى 8000؟”. ثم صار: “هل يقرّ الكابيتال كونترول؟”. وفي أحيان كثيرة يكون السؤال: “هل تعطي المصارف 400 دولار شهرياً؟”.

لا أحد يسأل، لا في الإعلام المرئي ولا في الإعلام المكتوب والإلكتروني: “من سرق الودائع؟”. أو “كيف يمكن محاسبة المفسدين؟”. التركيز في مكان آخر: المرفأ، ثم المرفأ، ثم المرفأ.

المحللون والخبراء الاقتصاديون يناقشون تفاصيل حصول المودعين على فتات الفتات. غرق كامل في الصغائر والتفاصيل المصرفية، ورفع سقف السحوبات أو خفضه، واستيلاد أسعار صرف جديدة… لكن دائماً ليس هناك من نحاسبه أو نوجّه إليه أصابع الاتهام في أكبر سرقة مصرفية بتاريخ البشرية.

ليس مهمًا إذا كان الواحد مع البيطار أو ضدّه، مع الحزب أو ضدّه. المهمّ أنّ النقاش حول أموالنا، حول 70 أو 100 مليار دولار تبخّرت، ما عاد هو النقاش اليوم. جعلونا منقسمين حول ملف آخر تماماً. كيف “نبقي البيطار” أو “نقبعه”؟ لتجتمع الحكومة وتفاوض صندوق النقد.

أين البيطار المالي؟ لماذا تقف أميركا وفرنسا “على إجر ونصّ” في موضوع تحقيق المرفأ. تضرّر منه 10 آلاف؟ 100 ألف؟ هناك مليون ونصف المليون مودع، و5 ملايين لبناني، تضرّروا من “سرقة العصر”… أين القضاء؟ وأين أميركا وفرنسا؟

إقرأ أيضاً: ماذا بقي من المارونية السياسية؟

اللبنانيون في حاجة إلى أن يعرفوا من فجّر مرفأ عاصمتهم. هذا أوّلاً. ونحن من الداعين إلى تحقيق دوليّ. لكن اللبنانيين يحتاجون أيضاً إلى تحقيق يحظى بكلّ هذا الدعم الدولي، ليعرفوا من سرق ودائعهم وجنى أعمارهم، وحاضرهم ومستقبل أولادهم.

لذا: في كلّ مرة تسمعون سياسياً يتحدّث عن تحقيق المرفأ: تحسّسوا جيوبكم. واسألوه: من سرق ودائعنا؟

إذا لم يقدّم إجابة كافية… فاعلموا حينها، بل وتأكّدوا، أنّه مشارك في السرقة.

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….