لماذا الخلط بين “التحقيق” و”المحققّ”؟

مدة القراءة 5 د

تطوّر أساسيّ شهده أمس ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، تجلّى في تعيين القاضي عماد قبلان مُمثّلاً للنيابة العامّة التمييزية في قضيّة المرفأ، ليحلّ مكان القاضي غسان خوري الذي تبلّغ دعوى الردّ المُقدّمة ضدّه من قِبل نقابة المحامين. علماً أنّ قبلان كان مُمثّلاً للنيابة العامة قبل أنْ يُعيَّن مكانه خوري، فيما عُلِّق عمل المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار بفعل دعوى الردّ المرفوعة من جانب وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق.

بالتوازي، كان أهالي الشهداء ينطلقون في مسيرة التصعيد الميداني التي بلغت يوم أمس حدود اقتحام قصر العدل وتعليق صورة ضخمة للشهداء، فكان ذلك دافعاً لوزير العدل هنري الخوري إلى إصدار موقف توضيحي.

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة دعائية مركّزة قامت بها شخصيّات فنيّة وطبية وثقافية وإعلامية تحذّر من “تطيير التحقيق”، وتعلن دعمها للمحقّق العدلي طارق البيطار. في ما يمكن اعتباره محاولة للخلط بين التحقيق الذي يمكن أن يستمرّ مع قاضٍ آخر، وبين المحقّق المتّهم بالتسييس والتحيّز والانتماء لطرف سياسي محدّد

تزامن هذا مع حملة تصعيد سياسي تجلّت في أكثر من مطرح وموقع. يقود هذا الواقع إلى طرح بعض الأسئلة المشروعة: ألا يُعتبر هذا الضغط المعنوي، الذي يُمارَس من جانب مَن يشكّلون “درع حماية” للمحقّق العدلي، تدخّلاً وتسييساً للملفّ واستنفاراً للعصبيّات لكونه يأتي ضمن حملة مبرمجة؟ ألا تثير هذه الحملة أسئلةً عن الخلفيّات والأهداف الرامية إليها؟ خصوصاً أنّ قوى سياسية من لون واحد هي التي ترفع لواء الدفاع عن المحقّق العدلي.

وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة دعائية مركّزة قامت بها شخصيّات فنيّة وطبية وثقافية وإعلامية تحذّر من “تطيير التحقيق”، وتعلن دعمها للمحقّق العدلي طارق البيطار. في ما يمكن اعتباره محاولة للخلط بين التحقيق الذي يمكن أن يستمرّ مع قاضٍ آخر، وبين المحقّق المتّهم بالتسييس والتحيّز والانتماء لطرف سياسي محدّد. وفي خطوة لا تُفهم إلّا بكونها من باب الضغط العاطفي والمعنوي على القاضيَيْن نسيب إيليا ورندة كفوري. إذ سينظر الأوّل في دعوى الردّ المقدّمة من الوزير الأسبق نهاد المشنوق، فيما تنظر الثانية في دعوى الارتياب المشروع المقدّمة من الوزير الأسبق يوسف فنيانوس.

اللافت أنّ عودة الأهالي إلى الشارع، وانطلاق حملات الدفاع عن المحقّق العدلي، تزامنا مع كلام لرئيس الجمهورية ميشال عون أدلى به على طاولة مجلس الوزراء في أوّل جلسة عقدتها حكومة نجيب ميقاتي بعد نيلها الثقة، اعتبر فيه أنّ “التحقيق ليس القضاء، وإذا أخطأ فهناك ثلاث درجات للتصحيح: البداية، الاستئناف، والتمييز. لذلك يجب أن يستمرّ التحقيق كي يُدان المذنب ويُبرَّأ البريء”. ولفت إلى أنّه “إذا كانت المحاكمة العاديّة تتمّ على درجتين ودرجة استثنائية، فإنّ قرار المحقّق العدلي بالإحالة إلى المجلس العدلي وحكم المجلس لا يقبلان أيّ طريق من طرق الطعن. ولكن يبقى أنّ أيّ إدانة أو تبرئة يحدّدهما حكم المحكمة المبرم وليس التحقيق”.

الغريب أنّ كلام رئيس الجمهورية لفّه الكثير من الغموض من حيث خلفيّاته، على نحو لم يسمح لبعض القوى السياسية بالتقاط الإشارة السياسية التي أراد عون توجيهها.

 لا يزال الغموض يكتنف مصير دعويَيْ الردّ اللتين تقدّم بهما كلّ من الوزيرين الأسبقين علي حسن خليل وغازي زعيتر وسط تشكُّك البعض في هذه الخطوة، وتلميحهم إلى إمكانية تأجيلها من باب كسب الوقت

وقد جاءت مواقف رئيس الجمهورية في تتمّة غير مباشرة لمواقف أطلقها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بهذا الخصوص، لاقت ردود فعل غير مريحة، ولو أنّها بقيت طيّ الكتمان من جانب حلفائه الحكوميّين. إذ رأى ميقاتي من على منبر عين التينة، وعلى أثر لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنّ “طلب وقف التحقيق مؤقّتاً في ملف انفجار مرفأ بيروت هو أمر قضائي لا أتدخّل فيه”. وهو موقف بديهي يتماهى مع قاعدتيْ فصل السلطات واستقلاليّة القضاء. لكنّه أعرب، في الوقت ذاته، عن تطلّعه إلى أن “يتابع القاضي مهمّته بتوازن وفق النصوص القانونية”. وهذا هو التناقض بحدّ ذاته مع القاعدتين السابق ذكرهما. كما اعتبر أنّه جرى “خرق الدستور. ففي الدستور هناك محكمة للرؤساء والوزراء ولها أصولها وإلا سأكون من يغشّ نفسه”.

وقد علّق أحد متابعي ملفّ التحقيق القضائي بالقول إنّ ميقاتي “بدل ما يكحّلها، عماها”، وذلك بسبب سلسلة المواقف السياسية التي سجّلها في مقابلته التلفزيونية، والتي لم تلاقِ استحساناً من شركائه، ومنها على سبيل المثال ما يخصّ “انتهاك سيادة لبنان بعد دخول المازوت الإيراني”… ويبدو أنّه حاول تطرية الأجواء مع رئيس مجلس النواب، إلا أنّه “لم يوفّق” في الملاحظات التي سجّلها على ملفّ المرفأ.

في هذه الأثناء، لا يزال الغموض يكتنف مصير دعويَيْ الردّ اللتين تقدّم بهما كلّ من الوزيرين الأسبقين علي حسن خليل وغازي زعيتر وسط تشكُّك البعض في هذه الخطوة، وتلميحهم إلى إمكانية تأجيلها من باب كسب الوقت. لكنّ المطّلعين على موقف الوزيرين الأسبقين يؤكّدون أنّهما تقدّما بالدعويَيْن يوم الجمعة الماضي، وهما يستغربان عدم تبليغهما بعد من جانب القاضي نسيب إيليا ببدء النظر بها.

إقرأ أيضاً: “البيطار ساندروم”: هل ستفعل فعلها في قصر العدل؟

وفي سياق المواقف الدولية، أسفت وزارة الخارجية الفرنسية لتعليق التحقيق بملفّ انفجار مرفأ بيروت. وأكّدت أنّ “للّبنانيّين الحقّ بمعرفة الحقيقة في انفجار مرفأ بيروت”.

وللحديث الفرنسي صلة…

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…