“القوّات” تناقض نفسها: مَن يُحاكِم الوزراء ورئيسهم؟

2021-08-26

“القوّات” تناقض نفسها: مَن يُحاكِم الوزراء ورئيسهم؟

يشتدّ “الخناق” بين المحقّق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وبين القوى السياسية المعترضة على سلوكه، بشكل ينذر بمزيد من التوتّر والاختلاف، وقد يؤدّي، برأي بعض المصادر السياسية المتابعة، إلى تنحّيه في ضوء إصراره على حصر كلّ تركيزه في الشقّ الإداري من القضية، مهملاً المرحلتين الأكثر أهميّة والمرتبطتين بكيفيّة حصول الانفجار، وكيفيّة وصول النيترات إلى مرفأ بيروت.

“القوات” ضربت بالدستور عرض الحائط. وها هي تعود إلى نصّ المواد الدستورية ذاتها الخاصّة بأصول المحاكمة لدى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء التي طعنت مسبقاً بشرعيّتها وباستقلاليّتها

وقد جاء قراره الأخير بتسطير مذكّرة جلب بحقّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لتثبت صحّة علامات الاستفهام التي تحيط بخلفيّات قراره، خصوصاً أنّ دياب أبلغه بواسطة محاميه تمسّكه بصلاحيّة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في محاكمته، على اعتبار أنّ المحقّق العدلي احترم أصول محاكمة القضاة، وكان يُنتظر منه أن يحترم أصول محاكمة الرؤساء والوزراء، ولا سيّما أنّ هناك عريضة نيابية قد تفتح الباب أمام قيام المجلس الأعلى.

هي الصدفة المريبة، التي لا تحدث دوماً بلا خلفيّات سياسية، وقد جمعت سلسلة أحداث في مسار زمني مشترك:

1- في وقت يعتبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ عريضة الادّعاء المرفوعة من النواب لا تزال سارية المفعول، وهي تشكّل بحدّ ذاتها حصانة نيابية لكون المشمولين بالادّعاء يخضعون لمحاكمة المجلس الأعلى للرؤساء والوزراء، قرّر القاضي البيطار تسطير مذكّرة جلب بحقّ الرئيس دياب، وحدّد موعداً للاستماع إليه في أيلول المقبل، وذلك بعدما اعتبر أن لا قيمة قانونية لردّ الأمانة العامّة لمجلس الوزراء بأنّه ليس من صلاحيّة البيطار استجواب رئيس الحكومة.

واللافت أنّ المذكّرة وجدت طريقها إلى الإعلام قبل وصولها إلى صاحب العلاقة، فازداد منسوب الريبة لدى المُدّعى عليهم، نظراً إلى طغيان طابع الشعبويّة على سلوك المحقّق العدلي الذي بات أشبه بـ”أيقونة” في عيون عائلات الشهداء الذين يخضعون للعبة تسييس يُخشى أن تكون الحقيقة أولى ضحاياها.

2- أعلن تكتّل “الجمهورية القوية” في بيان عن توقيع نوابه على عريضة اتّهام بحقّ رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب وبعض الوزراء فيها، سنداً لأحكام المادتيْن 70 و80 من الدستور، والمادتين 18 و19 من القانون رقم 13/90 الخاصّ بأصول المحاكمة لدى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وذلك على خلفيّة “إخلالهم بالموجبات المترتّبة عليهم، الذي أدّى إلى الأزمة المعيشية الخانقة التي يعاني منها الشعب اللبناني على مختلف الأصعدة، ولا سيّما أزمة المحروقات والكهرباء والدواء”.

ماذا يعني ذلك؟

لنتذكّر أنّ “القوات” قاطعت جلسة لمجلس النواب كانت مخصّصة لمناقشة العريضة الاتّهامية، في 12 آب الماضي، وساهمت في تطيير نصابها نزولاً عند رغبة في المزايدة، وبحجّة أنّ “العريضة النيابية عرقلت التحقيق العدلي، ولا يحقّ لرئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة إلى جلسة للبحث في عريضة نيابية بعد طلب القاضي طارق البيطار رفع الحصانات”.

“القوات” ضربت بالدستور عرض الحائط. وها هي تعود إلى نصّ المواد الدستورية ذاتها الخاصّة بأصول المحاكمة لدى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء التي طعنت مسبقاً بشرعيّتها وباستقلاليّتها.

اعتبرت “القوات” أنّ معاناة شعب برمّته، كما وصفتها في بيانها الإعلامي، أقلّ أهمّية من “تفجير مرفأ” الوطن، وأنّ إخلال حكومة بكاملها بموجباتها الوظيفية أقلّ مسؤوليّة من موجبات رئيس الحكومة السابق ووزراء سابقين علموا عبر “إحالات إدارية” بوجود مواد “النيترات” في المرفأ

لا بل أكثر من ذلك. اعتبرت “القوات” أنّ معاناة شعب برمّته، كما وصفتها في بيانها الإعلامي، أقلّ أهمّية من “تفجير مرفأ” الوطن، وأنّ إخلال حكومة بكاملها بموجباتها الوظيفية أقلّ مسؤوليّة من موجبات رئيس الحكومة السابق ووزراء سابقين علموا عبر “إحالات إدارية” بوجود مواد “النيترات” في المرفأ. فارتأت أن تتوجّه إلى المجلس الأعلى في حالة “معاناة شعب” مقابل رفضها المجلس الأعلى في حالة “تفجير المرفأ”.

3- تواجه “القوات” حملة انتقادات شرسة بسبب اتّهام القيادي إبراهيم الصقر بتخزين مئات الآلاف من ليترات البنزين، في وقت كانت تقود “القوات” مواجهة شديدة اللهجة لرفع الدعم عن المواد الأساسية، ومنها المشتقّات النفطية، وكانت تحمّل بقية القوى السياسية مسؤولية “المعاناة” التي تصيب الناس… الأمر الذي يدفع خصوم القوات للإشارة إلى حاجتها إلى “هجوم مضاد” لتنفض عنها التهمة السياسية التي لحقت بها بسبب إبراهيم الصقر.

كيف يردّ جورج عقيص؟

في هذا السياق، ينفي النائب جورج عقيص أن يكون سلوك “القوات” متناقضاً في اللجوء إلى سلطة المجلس الأعلى من جهة، وضرب الثقة به من جهة أخرى. ويشير إلى أنّ “تكتل الجمهورية القوية” ليس ضدّ مؤسسة المجلس الأعلى، بل هو ضدّ عرقلة تحقيق عدلي توصّل إلى شبهات، وطلب على أساسها رفع الحصانة أصولاً من الهيئة العامّة لمجلس النواب عملاً بالمادة 40 من الدستور التي تفرض عليه في ظلّ انعقاد دورات المجلس، رفع الحصانة.

إقرأ أيضاً: القوات والمرفأ: الحصانات قبل الشراكة؟

ويؤكّد لـ”أساس” أنّ “التكتل” هو ضدّ الالتفاف على صلاحية المحقّق العدلي، وعرقلة التحقيق، ومنعه من الوصول إلى العدالة، وأنّ العريضة التي تقدّم بها فريقه “تقع تحت توصيف المادة 70 من الدستور المرتبطة بالإخلال بالواجبات الوظيفية، إلا أنّ الجرائم التي ينظر بها المحقّق العدلي تقع ضمن اختصاصه”.

“القوات” ناقضت نفسها. وعليها أن تحاول التوازن في الأيام المقبلة.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…