الكتلة الوطنيّة: “الآرمة عند عيسى” والحزب عند “رفاق العميد”

مدة القراءة 5 د

كانت إحدى حفلات الاستقبال، التي كانت تُقام في السفارة اللبنانية في باريس لمناسبة زيارة أحد الرؤساء للعاصمة الفرنسية، على شرف الرئيس الشهيد رفيق الحريري في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكان من بين الحاضرين عميد الكتلة الوطنية الراحل ريمون إدّه، الذي كان واقفاً مع مجموعةٍ من المدعوّين قرب إحدى النوافذ، وإذ بالنافذة تفتح ويدخل منها هواء قارس يلفح العميد، فيعلِّق بسخرية لاذعة:

“أكيد في حدا كتائبي فتح الشبّاك وبدُّو يخلص منّي”.

لم يكن العميد الراحل يُلقي كلاماً غير هادف حتى لو كان من باب المُزاح. فخصومته مع الكتائب عمرها من عمر الحرب، وقد تحدّث أكثر من مرّة عن العنف المسلَّح الذي خاضه حزب الكتائب ضد مقرّات حزب الكتلة الوطنية، سواء في منطقة جبيل أو في بيروت. ولكن هل كان العميد ليتصوَّر أنّ شخصاً قريباً من عائلة الجميِّل، ومتحالفاً مع حزب الكتائب، سيصبِح يوماً ما أميناً عامّاً لحزب الكتلة الوطنية؟

حزب الكتلة الوطنية في أزمة اليوم. فلا رفاق العميد ريمون إدّه لديهم النيّة والعزم على إعادة الانتظام، ولا “الكتلويّون الجدد” نجحوا في ضخّ دم شابّ جديد في عروق الحزب

بيار عيسى هو اليوم الأمين العامّ لحزب الكتلة الوطنية، ولكن هل هي “كتلة” العميد ريمون إدّه أم كتلة العميد كارلوس إدّه أم كتلة بيار عيسى وروبير فاضل؟

لا يختلف اثنان على أنّ حزب “الكتلة” أصبح “كتلاً”. وهو لم يشذّ بهذا الأداء عن واقع الأحزاب والتيارات اللبنانية: الانشقاقات، الاستقالات، الحركات الإصلاحية، الانتفاضات. لكنّ قلق الكتلويّين القدامى، الذين “جايلوا” العميد ريمون إده وعاصروه، ليس من هذا الانشقاق، بل على هويّة الحزب بعد تبدُّل الخطاب السياسي وتحوُّله إلى “نيو كتلة وطنية”. وهو خطاب يتباين إلى درجة التناقض مع الخطاب التاريخي لحزب الكتلة.

بهذا المعنى، أين يتموضع حزب الكتلة اليوم؟

بالعودة قليلاً إلى الوراء، كان العميد ريمون إده ضدّ التوريث السياسي، ولا سيّما توريث ابن شقيقه كارلوس رئاسة حزب الكتلة. كان يدير الحزب من “منفاه الطوعي” في العاصمة الفرنسية، وكان يُرسِل مواقفه شبه اليوميّة إلى صحيفة “النهار”، ويحرص على أن يقرأ له أحد الزملاء (ح. ش.) التصريح على الهاتف قبل أن يذهب إلى الطبع.

هل كانت مخاوف العميد ريمون إده في محلّها لجهة رفضه تسليم الحزب إلى ابن أخيه كارلوس؟

الكتلة الوطنية أمام امتحان “ربيع 2022″، موعد الانتخابات النيابية، فإمّا تنجح “القيادة الجديدة” في عبور هذا الامتحان، وإمّا تفشل فتكون قد بلغت سريعاً خريف الحزب

لم يكن العميد ريمون إده يوماً على ثقة بأنّ ابن أخيه كارلوس أهلٌ لأن ينهض بالحزب، بل كان في قرارة نفسه يحبِّذ تهيئة شقيق كارلوس، إميل، الذي تُوفّي شابّاً، فآثر العميد، بعد وفاة الأخير، الاعتماد على نخبويين لا على أهل البيت. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان يثق بمواقف “الحكيم” ألبير مخيبر والنائب إدوار حنين من الرعيل القديم.

أصبح كارلوس إده عميداً لحزب الكتلة بعد وفاة “العميد” عام 2000، لكنّه لم ينجح في لمّ شمْل الكتلويّين.

عام 2018 كان مفصلياً في حياة الحزب، إذ أُلغِي منصب العميد، صاحب الصلاحيّات المطلقة، واُستُحدِث منصب رئيس الحزب و”مجلس الشيوخ”، وأُدخِل شباب في “اللجنة التنفيذيّة” و”مجلس الحزب”، ورُكِّز على دورهم في نهوض الحزب.

حدث كل ذلك من أجل تمرير الانتقال من كتلة آل إده إلى كتلة عيسى – فاضل، وذلك عند انتخاب كارلوس إده رئيساً للحزب وبيار عيسى أمينا عامّاً له، مع صلاحيات مطلقة، كانت سابقاً للعميد، نُقِلت إلى الأمين العامّ، وانكفاء كارلوس وعودته إلى البرازيل، كما تردّد، حتى أصبح في الواجهة بيار عيسى أميناً عامّاً للحزب.

ولكن أين الكتلويّون؟ أين القاعدة الكتلويّة؟

يقول مخضرم من الحزب: “الآرمة عند بيار عيسى، والكتلة عند رفاق العميد ريمون إده، وما أكثرهم، لكنّهم منكفئون”.

ويتابع المخضرم: “حزب الكتلة الوطنية في أزمة اليوم. فلا رفاق العميد ريمون إدّه لديهم النيّة والعزم على إعادة الانتظام، ولا “الكتلويّون الجدد” نجحوا في ضخّ دم شابّ جديد في عروق الحزب”.

إقرأ أيضاً: جنرال أحيا لبنان… وجنرال دمّره

لكنّ السؤال الذي بقي يتردّد منذ “انتقال ملكيّة الكتلة” من العميد كارلوس إده إلى بيار عيسى: لماذا كان هذا الإصرار من جانب عيسى على الانخراط في الحياة السياسية من بوّابة الكتلة؟ لماذا لم يستَحدث اسماً جديداً مثلما فعلت المجموعات التي أفرزتها “ثورة 17 تشرين”؟ هل السبب أنّ الاسم لمَّاعٌ وله نوستالجيا في الحياة السياسية اللبنانية؟

“الكتلة الوطنية” أمام امتحان “ربيع 2022″، موعد الانتخابات النيابية، فإمّا تنجح “القيادة الجديدة” في عبور هذا الامتحان، وإمّا تفشل فتكون قد بلغت سريعاً “خريف الحزب”، وتكون قد استثمرت في المكان الخطأ والتوقيت الخطأ.

في فترة اعتقال رئيس حزب القوات اللبنانية، دفعت جهة سياسية – أمنيّة الرائد فؤاد مالك إلى إعادة إحياء الحزب على الرغم من حلِّه عام 1994، لكنّ القاعدة الحزبية اعترضت على هذه الخطوة وارتابت منها، وصدرت يومئذٍ إحدى المجلّات وعلى غلافها العنوان التالي: “الحزب عند مالك والقوات عند ستريدا”.

اليوم، هل حزب الكتلة عند عيسى والكتلويّون عند ذكرى العميد ريمون إدّه؟

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…