حصار درعا (2/2): روسيا تستثمر… في التوسّع الإيراني

مدة القراءة 5 د

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، أصبحت منطقة “درعا البلد”، جنوب محافظة درعا، محاصَرة بشكل كامل، ومنعت قوات النظام السوري حركة دخول سكّانها وخروجهم  بحرّيّة منها وإليها. وتتمركز هذه القوات في “درعا المحطة”.

يعمل الشاب يونس العودة، وهو ناشط مدني في العقد الرابع من عمره، على توثيق الانتهاكات في المدينة. وقد رفض الخروج من أحياء المدينة المحاصَرة، التي لا يُخفي قلقه من التطوّرات الأخيرة فيها. ويقول لـ”أساس” في اتصال عبر “سكايب”: “تشهد أحياء درعا البلد حصاراً كاملاً، وينتشر بين المدنيين الراغبين في البقاء خوفٌ يتعلّق بمصيرهم في حال اجتياح محتمل للمنطقة، خاصة إذا ما فشلت المفاوضات المعقودة بين قوات النظام والروس وممثّلين عن سكان درعا البلد”.

يقطع حديث الرجل أصوات انفجارات متتالية قيل لنا لاحقاً إنّها ناتجة عن قصف صاروخي على مدينة درعا المحاصَرة، مصدره قوات النظام السوري.

من الواضح أنّ إيران تحاول، عبر ميليشياتها، مواصلة الانتشار في الجنوب السوري. وهو ما تحاوله منذ عام 2018. وتسعى أيضاً إلى تثبيت وجود مسلّحيها في عمق الجنوب وعلى الحدود مع الجولان المحتل

يتفقّد الرجل محيطه من نافذته المطلّة على شارع رئيسي في حي درعا المحطة، ويقول من بعيد: “هل تسمع هذه الأصوات. لقد قتل النظام الناس وهجّرهم خلال عقد من الزمن. واليوم مجدّداً كما تسمع”.

 

الاتّفاق حبرٌ على ورق

في صبيحة 29 تموز الماضي، بدأت قوات النظام السوري مدعومةً بميليشيات شيعية ومحلّية باقتحام أحياء “درعا البلد”، ولم تمضِ ساعات حتّى باشر مقاتلون محليون بمهاجمة حواجز النظام في أرياف درعا الشرقية والغربية ومنطقة الجيدور شمالي محافظة درعا، مستخدمين الأسلحة الخفيفة.

وبدأت الأخبار والصور تتوالى عن سقوط حواجز النظام، إذ لم تبدِ الحواجز مقاومة، إنّما سلّمت أغلبية العناصر أنفسها مع أسلحتها، في حين أسر مقاتلو المنطقة عشرات الضبّاط والرتباء، وهو ما دفع وقتها قوات النظام السوري إلى التراجع عن اقتحام أحياء درعا البلد والدخول في مفاوضات جديدة برعاية روسية.

ومع عودة المفاوضات إلى المدينة، تمسّك وفد النظام السوري ببنود ترحيل مقاتلين من المدينة إلى الشمال السوري، وتسليم الأسلحة الموجودة في المدينة، ونشر الحواجز الأمنيّة، الأمر الذي رفضه ممثّلو درعا البلد.

وفي لقاء مع أحد أعضاء “اللجنة المركزية” لمحافظة درعا، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنيّة، قال إنّ “هدف النظام واضح، وهو تثبيت الوجود الإيراني ووجود حزب الله في محافظات الجنوب (درعا والسويداء والقنيطرة)، إلا أنّ هذا لن يحدث وستتمّ مواجهته بالسلاح”.

ومن الواضح أنّ إيران تحاول، عبر ميليشياتها، مواصلة الانتشار في الجنوب السوري. وهو ما تحاوله منذ عام 2018. وتسعى أيضاً إلى تثبيت وجود مسلّحيها في عمق الجنوب وعلى الحدود مع الجولان المحتل، الأمر الذي يشكّل قلقاً إقليمياً ودولياً لكلّ من الولايات المتحدة الأميركية والأردن وإسرائيل وصولاً إلى الخليج العربي، ويخلط الأوراق مجدّداً. وتسعى الميليشيات الإيرانية بهذا الاقتراب إلى الحصول على أوراق ضغط بهدف حماية ممرّها الاستراتيجي الممتدّ من العراق وسوريا حتّى جنوب لبنان، والذي يتعرّض لضربات إسرائيلية دورية ومستمرّة ومتتالية.

يتّضح أنّ روسيا تسعى إلى إعادة رسم التسوية من جديد في محافظة درعا بجنوب سوريا، لكن بشروطها هي، مقابل مكاسب سياسية تحتاج إليها من حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل


التنافس بين الإيرانيّين والروس

يعتقد الخبير في الشأن الإيراني أيمن محمد في اتصال هاتفي مع “أساس” أنّ “هدف عودة العمليات العسكرية وخرق اتفاق التسوية هو تثبيت وجود الميليشيات الإيرانية تحت غطاء قوات النظام السوري، وتعزيز نفوذهم أكثر في الجنوب السوري”.

ويكشف محمد، وهو متخصّص في ملاحقة النشاط الإيراني في سوريا، عن وجود نقاط متقدّمة للميليشيات الإيرانية في مدن وبلدات محافظة درعا بجنوب سوريا، وتضمّ عناصر من حزب الله، ومراكز للحرس الثوري الإيراني. ويؤكد أنّ هذه الميليشيات “تتعرّض لقصف متكرّر، وهي بحاجة إلى أن تُخفي وجودها تحت غطاء النظام السوري. وهو ما يفسّر سعي النظام السوري المتواصل إلى ترحيل المقاتلين إلى شمال سوريا والهيمنة على محافظة درعا كاملة”.

ويشير الباحث أرميناك توكماجيان، في تقرير أصدره “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” إلى أنّ “عودة سيطرة النظام على محافظتيْ الجنوب ستسهّل تموضع القوات الإيرانية والقوات الحليفة لها قرب الأراضي التي تسيطران عليها”، ويؤكّد ذلك بالقول: “على الرغم من الجهود الروسية للحدّ من عودة إيران إلى الجنوب، تبدو قدرتها على ذلك محدودة. وثمّة دلائل على أنّ القوات المسلّحة الموالية لإيران، ومعها وحدات أمنيّة من الجيش السوري، تبحث عن وسائل لتوسيع نطاق وجودها في الجنوب”.

إقرأ أيضاً: حصار درعا(2/1): صراع إيرانيّ – روسيّ على حدود الجولان

ولمّا كانت روسيا طرفاً ضامناً لِما سُمّي وقتها بالتسوية بين النظام وأهالي درعا عام 2018، فهذا يطرح تساؤلات عن إصرار موسكو على فرض شروطها مجدّداً على مجريات الأحداث في درعا كجهة متحكّمة في الأحداث جنوبي سوريا بعدما كان دورها يقتصر على كونها طرفاً ضامناً للاتفاق.

وممّا سبق يتّضح أنّ روسيا تسعى إلى إعادة رسم التسوية من جديد في محافظة درعا بجنوب سوريا، لكن بشروطها هي، مقابل مكاسب سياسية تحتاج إليها من حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا ربّما يتطلّب أن تُظهِر للعالم أنّ الوجود الإيراني عاد مجدّداً إلى عمق جنوب سوريا، لتستثمر مجدّداً في إبعاده.

 

* صحافي سوري استقصائي حاصل على ثلاث جوائز من BBC و”مؤسسة سمير قصير” و”الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية-GIJN“.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…