تكاد تُجمع كلّ القيادات السياسيّة العراقيّة على إجراء الانتخابات البرلمانيّة المبكرة في موعدها المقرّر يوم 10/10/2021، إلا أنّ هذا الإجماع لم يصل لدى هذه القيادات إلى مرحلة الجزم، تاركاً مساحة ممتلئة بالألغام والمخاوف من إمكان عدم حصولها مع ما لذلك من تداعيات قد تنقل العراق إلى منزلق خطر يشبه الحرب الأهليّة.
يتوقّف المتفائلون بإجراء الانتخابات عند عدد من المؤشّرات الإيجابيّة التي تعزّز هذا التفاؤل، منها أنّ البرلمان الحالي أقرّ قانون “حلّ نفسه”، وهي الخطوة الدستوريّة والقانونيّة التي يجب أن تسبق الذهاب إلى انتخابات مبكرة، إلا أنّ ذلك يبقى مؤشّراً غير نهائي لأنّ النواب والطبقة السياسية تركا الباب مفتوحاً لإمكان عدم إجراء الانتخابات من خلال تضمين نصّ القانون ما يسمح للبرلمان بالعودة إلى ممارسة مهمّاته الطبيعيّة. وذلك في محاولة لقطع الطريق على إمكان إعلان حكومة طوارئ بقيادة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، بالتعاون مع رئيس الجمهوريّة برهم صالح، وخصوصاً أنّ البرلمان حدّد تاريخ الدخول في حالة “حلّ نفسه” في اليومين الأخيرين ما قبل موعد الانتخابات، مستفيداً من مرونة النصّ الدستوريّ الذي يؤكّد أنّ قانون الحلّ يصدر خلال شهرين قبل الموعد المحدّد.
تشهد الكواليس حركة مشاورات بين بعض الكتل لتشكيل تحالفات سياسيّة دائمة تسمح لها بأنّ تشكّل ثقلاً في العمليّة السياسيّة ويكون لها تأثير في اختيار رئيس الحكومة الجديد وتشكيل السلطة التنفيذية التي ستقود البلاد
وتبني قيادات سياسيّة من الصفّ الأوّل تفاؤلها بإجراء الانتخابات، على وجود رأي عامّ دوليّ داعم للانتخابات، خصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة، ولا سيّما بعد حلّ أزمة الإشراف التي دعت لها القوى الإصلاحيّة وجماعات “تشرين”، والقبول بالمراقبة الدولية والموافقة عليها من قبل أطراف وفصائل سياسيّة وعسكريّة تتّهم خصومها بمحاولة توظيف الإشراف لإخراجها من العملية السياسيّة، بالإضافة إلى الكلام الدوليّ الواضح بعدم إمكان القبول بحدوث عمليّات تزوير أو تدخّل في مسار الاقتراع أو النتائج لمصلحة فريق على حساب آخر.
إضافةً إلى الأجواء الدوليّة المساندة، فقد اكتملت إجراءات الحكومة العراقيّة لجهة الاستعدادات المطلوبة، إذ استطاع البرلمان الانتهاء من إقرار قانون جديد للانتخابات على قاعدة الدوائر الضيّقة موزعة على نحو 85 دائرة في كل العراق، بدلاً من القانون السابق الذي اعتبر المحافظة دائرة انتخابية واحدة. هذا إلى جانب انتخاب أعضاء مفوّضيّة الانتخابات وأعضاء المحكمة الاتحاديّة، وهما الجهتان المفترض بهما الإشراف على الاقتراع وإصدار نتائجه الرسمية، واكتمال استعدادات مفوضيّة الأمم المتحدة المواكبة لهذه العملية. لذا لم يعد هناك معوّقات قانونيّة ولوجستيّة قد تعرقل إجراء الانتخابات.
تبدو القوى السياسيّة العراقيّة، بمختلف اتّجاهاتها وانتماءاتها، متّفقة حتى الآن على الالتزام بالموعد المقرّر لإجراء الانتخابات، وقد أتمّت وانتهت من عقد تحالفاتها الانتخابيّة التي تشترط مفوضيّة الانتخابات تسجيلها بالتزامن مع تقديم لوائح مرشّحيها
تبدو القوى السياسيّة العراقيّة، بمختلف اتّجاهاتها وانتماءاتها، متّفقة حتى الآن على الالتزام بالموعد المقرّر لإجراء الانتخابات، وقد أتمّت وانتهت من عقد تحالفاتها الانتخابيّة التي تشترط مفوضيّة الانتخابات تسجيلها بالتزامن مع تقديم لوائح مرشّحيها. إلا أنّ المختلف هذه المرّة هو أنّ بعض هذه التحالفات لن تكون مجرّد تحالفات انتخابيّة تنتهي مع إعلان النتائج، إذ تشهد الكواليس حركة مشاورات بين بعض الكتل لتشكيل تحالفات سياسيّة دائمة تسمح لها بأنّ تشكّل ثقلاً في العمليّة السياسيّة ويكون لها تأثير في اختيار رئيس الحكومة الجديد وتشكيل السلطة التنفيذية التي ستقود البلاد.
إنّ الحديث عن هذه التحالفات السياسيّة بات يدور في العلن بعدما حاولت القوى المعنيّة بها التملّص منها، خصوصاً أنّ البعض منها لم يصل إلى درجة حسم خياراته وفي أيّ من المعسكريْن سيكون.
ولعلّ الأبرز في هذا الإطار هو انتقال الحديث عن تحالف ثلاثيّ مفتوح أمام أطراف ما زالت في دائرة التردّد، من دائرة التكهّن إلى دائرة الواقع. وهو تحالف يضمّ مكوّنات قوميّة ومذهبيّة على قاعدة تقاسم السلطة ما بعد الانتخابات، ويضمّ كلاً من الحزب الديموقراطيّ الكردستانيّ بزعامة مسعود بارزاني، والتيّار الصدريّ وكتلة “سائرون” بقيادة مقتدى الصدر، ورئيس البرلمان الحاليّ محمد الحلبوسي. الجانب الأبرز من المفاوضات بين هذه المكوّنات الثلاثة يدور حول تولّي الحزب الديموقراطيّ منصب رئاسة الجمهوريّة على حساب الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ الذي كان يتزعّمه الرئيس السابق جلال طالباني ويُعتبر الرئيس الحاليّ برهم صالح ممثّلاً عنه في الدولة الاتّحاديّة ورئاسة الجمهوريّة. في حين يكون للصدر الحقّ في تعيين رئيس الوزراء، إمّا باختيار مباشر من التيّار الصدريّ وإمّا بتسمية أيّ شخصيّة أخرى تنسجم مع رؤيته لإدارة السلطة التنفيذيّة. في المقابل يحتفظ الحلبوسي بموقعه في رئاسة البرلمان التي من المفترض أن يستخدمها لتكريس زعامته السياسيّة داخل المكوّن السنّيّ.
إقرأ أيضاً: حكاية الكاظمي: حامي الصحن الحيدري
هذه الثلاثيّة، وإن كانت قد أثارت حساسيّات أطراف كانت تعمل وترغب في أن تكون جزءاً من هذه التركيبة، إلا أنّ الحساسيّات “الشيعيّة” حالت دون دخولها كطرف رئيس في هذا التحالف، ولكن لن تكون بعيدة عن السياقات العامّة التي يُفترَض أن تكون محور تفاهم حول رؤيتها لآليّات العمليّة السياسيّة وإدارة الدولة لاحقاً، وهي لا ترى نفسها بعيدة عن الرؤية العامّة لهذه الثلاثيّة في الإطار الوطنيّ، وليس في آليّات تقاسم السلطة، وإن كان البعض منها لا يخفي امتعاضه من محاولة الاستئثار التي تمارسها أو تفرضها إحدى أضلاع هذا المثلّث على حساب الآخرين.