برّي – سلامة: أعطني 800$… وخذ “الكابيتال كونترول”

مدة القراءة 5 د

ما هي “اللعبة” وراء بيان الـ800 دولار؟

في لبنان نعرف أن لا شيء تقوم به السلطة السياسية أو المالية، إلا ويكون لغير مصلحة المواطنين. وبالتالي، من الطبيعي أن نرتاب من خطوة مصرف لبنان لإعطاء كلّ مودع 400 دولار “فريش” من وديعته شهرياً، و400 على سعر منصّة “صيرفة”.

هي أوّلاً وصفة بدائية وغير ناضجة عن “وقف الدعم”. كأنّ المصرف المركزي يقول للّبنانيين ضمناً: “ما عدتُ قادراً على السير بالدعم، فخذوا ودائعكم وتدبّروا أمركم”. وما غاب عن باله أن ليس كل لبنانيّ “مودعاً”، وليس كلّ “مودع”، وديعته بالدولار.

صحيح أنّ البيان الصادر عن مصرف لبنان حمل صفة “الإلزامية”، وأكّد أنّه سيُجبر المصارف على الدفع، إلا أنّه لم يخلُ من ضبابية اعتدناها تترك الكثير من التفاصيل لتعاميم لاحقة. أبرز هذه الإجابات كانت عن سؤال ملحّ بقي معلّقاً: “ما هو مصير المصارف التي لن تلتزم؟”.

جمعية المصارف استبقت “وصفة” المركزي، وكشفت، قبل البحث بمصير العاجزين من بينها، أنّها بإجماع أعضائها “غير قادرة على توفير أي مبالغ نقدية بالدولار مهما بلغت قيمتها”، مطالبة بخفض معدّل التوظيفات الإلزامية… فكان لها ما أرادت.

في لبنان نعرف أن لا شيء تقوم به السلطة السياسية أو المالية، إلا ويكون لغير صالح المواطنين. وبالتالي، من الطبيعي أن نرتاب من خطوة مصرف لبنان لإعطاء كلّ مودع 400 دولار من وديعته “فريش” شهرياً، و400 على سعر منصّة “صيرفة”

إذاً، قرّر المجلس المركزي إلزام المصارف بدفع الودائع التي “كانت قائمة بتاريخ تشرين الأول 2019، وكما أصبحت في آذار 2021″، مبيّناً أنّ المصارف ستدفع خلال السنة الأولى ودائع نحو 800 ألف حساب كاملة. وهذا يعني أنّها ستدفع ما قد يصل، في حدّه الأقصى، إلى 7.6 مليارات دولار، نصفها فقط “بنكنوت” أي “فريش”، طالما أنّ المبلغ الذي سيُدفع شهرياً سيكون 800 دولار (400$ كاش و400$ قيمتها بالليرة اللبنانية على سعر منصّة “صيرفة”).

كشف مصرف لبنان، في بيانه، أنّ نحو 1.2 مليار دولار ستُدفع في السنة الأولى من حسابات المصارف لدى المصارف المراسلة في الخارج، وأنّ مبلغاً مشابهاً ستحصل عليه المصارف من توظيفاتها الإلزامية، فاتحاً الكوّة لجمعية المصارف وللمصارف الممتعضة، من أجل الحصول على مبالغ تخوّلها البدء بالدفع عبر خفض نسبة التوظيفات الإلزامية لديه من 15% إلى 14%، لتكون في تصرّف المصارف  فوراً.

لفتت مصادر مصرفية لـ”أساس” إلى أنّ “المصارف ستكون مجبرة على السير بهذا القرار بلا أعذار، وسيصعب عليها جداً التذرّع بأيّ حجّة، وإلاّ فإنّها ستضع نفسها بوضع حرج جداً أمام المودعين، وستكون عرضة لمواجهة غضبهم ومواجهة مصرف لبنان على السواء”.

أكّد المصدر أن “لا مفرّ من التطبيق”، ورجّح أن يساهم هذا القرار في “تغيير الدينامية النقدية في البلد”، خصوصاً إذا ترافق هذا القرار مع بدء وصول المساعدات المقرّرة للأجهزة الأمنيّة (الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي)، والتي قد تصل بحسب التقديرات إلى حدود مليار دولار سنوياً، ناهيك عن أموال المغتربين الوافدين لقضاء فصل الصيف في لبنان، وهكذا ستضعنا هذه العناصر مجتمعة أمام فرصة جدّية لـ”إبعاد شبح الانفجار”، ولا يُستبعد أن تساهم هذه الدينامية الجديدة في لجم سعر الصرف في السوق السوداء، طالما أنّ الدولار الكاش سيجري في يد المودعين وفي يد العسكريين.

ويأتي هذا القرار تزامناً مع قرار وقف الدعم على السلع الأساسية، وبالتالي فإنّ الهدف منه سيكون تأمين بدائل للناس من خلال تمكينها من الاستمرار في الأكل والشرب… ولو بأموالهم. وهذا، بدوره أيضاً، سيصعّب على المصارف مهمة رفضها السير بقرار مصرف لبنان.

مصادر مصرفية كشفت لـ”أساس” أنّ المصارف بذلك، “ستكون مجبرة على السير بهذا القرار بلا أعذار” وأنّه “سيصعب عليها جداً التذرّع بأي حجة”، وإلاّ فإنّها “ستضع نفسها بوضع حرج جداً أمام المودعين وستكون عرضة لمواجهة غضبهم ومواجهة مصرف لبنان على السواء”

أما عن آليات الدفع، فتؤكّد المصادر أنّها ستشمل “كل حساب فيه دولارات قابلة للسحب”، هذا في المبدأ. ما يعني أنّ كل من يملك حساباً يستوفي شروط القرار (أي التعميم الذي سيصدره مصرف لبنان) سيتمكّن من قبض مبلغ 400 دولار “كاش” شهرياً. وهذا يُفسّر أيضاً بأنّ المودع الذي يملك أكثر من حساب في أكثر من مصرف قد يحصل على المبلغ نفسه من كل المصارف على السواء. إلاّ إذا رفع مصرف لبنان السرّية المصرفية عن الحسابات من أجل توحيد المبالغ والدفع مرّة واحدة عن كل الحسابات، فعندئذٍ لا يستفيد صاحب الحسابات إلا مرّة واحدة. وهذا بحسب المصادر، “قد يكون مستبعداً بسبب هزالة المبلغ المدفوع شهرياً”.

أمّا المبلغ المشابه بالليرة اللبنانية فليس واضحاً كيف سيتم الحصول عليه، إذ تؤكد جهات في مصرف لبنان ألاّ يكون الأخير ميّالاً إلى دفعها “كاش”، وقد يضطر إلى الإيعاز للمصارف من أجل إيداعها بالحسابات لاستعمالها بواسطة البطاقات البلاستيكية حصراً، وبالليرة اللبنانية على سعر منصّة مصرف لبنان، وذلك خوفاً من زيادة التضخّم مع زيادة الكتلة النقدية في السوق، التي كشف المركزي، في بيانه أمس، أنّها قد تزيد إلى نحو 27 تريليون ليرة لبنانية.

إقرأ أيضاً: البنك الدولي: لبنان يغرق… التعافي يحتاج 19 عاماً

وتقول مصادر سياسية مواكبة إنّ هذه “اللعبة” كلّها صارت ممكنة بناءً على اتفاق سياسي حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. الأوّل يريد “سيسرة” صغار المودعين، والثاني يريد قانون “الكابيتال كونترول” من مجلس النواب. ويبدو أنّ التسوية قضت بأن يترافق تعميم مصرف لبنان الجديد، حول الـ800 دولار، مع بدء إجراءات إقرار “الكابيتال كونترول”. إذ إنّ لجنة المال والموازنة النيابية ستعقد جلسة يوم الاثنين المقبل لمناقشة الصياغة الأخيرة لقانون “الكابيتال كونترول”.

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…