في أربعينه: لقمان سليم صار مؤسّسة ضدّ الاغتيالات

مدة القراءة 5 د

في ذكرى أربعين لقمان سليم دعت العائلة الأصدقاء والمحبّين إلى استئناف العلاقة معه وتمكينها، والاستمرار في الإقامة بصحبة الصّديق الّذي جعل فكرة الصّداقة، بما تتضمّنه من لقاء وتبادل، مدخلاً أساسيّاً لمقاربة الشّأن العام، وقراءة أحوال السّياسة والاجتماع، والتّفكير في شؤون اللّغة والثّقافة والحياة وتلاوينها.

روح “اللّقاء” كانت مسيطرةً على كامل المشهد. افتُتِح النّهار بقراءات قرآنيّة من سورة يوسف وسورة النور وقراءات من إنجيل متّى. ثمّ تلا رفعت طربيه مقاطع من مقال غسان شربل “قصّة رجل يلعب بالقنابل”. ثمّ قرأت نادين توما من ترجمات لقمان بعض القصائد من ديوان باول تسيلان “الخشخاش والذّاكرة” ومقاطع من كتاب جورج سعادة “أنا الضّحيّة والجلّاد أنا”.

حضرت قصائد عبّاس بيضون، وفادي الطّفيليّ، وشبيب الأمين، وفوزي يمّين المهداة إلى لقمان بصوت ماريليز عاد، وقدّمت آية ليل طربية وميساء جلاد مقاطع غنائيّة.

وأعلنت زوجته الباحثة والسينمائيّة مونيكا بورغمان إطلاقَ “مؤسّسة لقمان سليم” الّتي ستُعنى بالبحث في مسائل الاغتيال السّياسيّ في البلد بكل أبعادها وتشعّباتها.

حضرت قصائد عبّاس بيضون، وفادي الطّفيليّ، وشبيب الأمين، وفوزي يمّين المهداة إلى لقمان بصوت ماريليز عاد، وقدّمت آية ليل طربية وميساء جلاد مقاطع غنائيّة

يشكّل منطق الورشة المفتوحة، الّتي تمثّلها فكرة هذه المؤسّسة، في عمقه، دعوة شخصيّة إلى المقرّبين من لقمان للاستمرار في الدّفاع عن مشروعه الّذي كان يؤكّد ضرورةَ التّوثيق وأهميّته.

كان لا يملّ لقمان من تكرار فكرة مفادها أنّ كلّ شيء هو تاريخ، وأنّ حاضر اللّحظة ليس سوى استئناف لما سبق، وأن خطورة عدم معرفة وفهم ما جرى تؤدّي إلى استحالة فهم ما يجري وما سيجري، وتمهّد للدخول في دوّامة من التّكرار المرّ.

من ناحية أخرى، تحاول هذه المؤسّسة بناء خطّ دفاع عن البلد تنطوي على كثير من الحبّ والإيمان. فبعد معاناة طويلة من غياب العدالة وتشتّت المؤسّسات القانونيّة والحقوقيّة وخضوعها للسلطة، تأتي هذه المؤسّسة لتحاول إعادة الأمل الّذي من دونه لن تكون العلاقة مع البلد ممكنة.

تطلق هذه المؤسّسة دعوة للبقاء والدّفاع عن لقمان والتّأكيد أنّه يستحقّ كلّ التّضحيات وأنّ الرّكون إلى اليأس والهروب يعني بشكل ما أنّ الاغتيال قد حقّق مراميه وأهدافه. باعتبار أنّ منع الاغتيال من تحقيق ما يسعى إليه لا يكون إلا بالدفاع عمّا كان يريد إبادته. لا يوجد طريق آخر سوى الاستمرار في الإقامة داخل البلد، والتّنقيب الشّاق والمستمرّ في تاريخه، وتفعيل المعارك الأخلاقيّة والسّياسيّة والمعرفيّة مع القتلة، والتّأكيد أنّ البلاد لا تمنح نفسها للطارئين والعابرين. هؤلاء لا يمكنهم كتابة أيّ سطر في تاريخها ولا في حاضرها، ولن يمنحوا الحقّ في كتابة مستقبلها.

يتحرّك المشروع في إطار عامّ يفترض قبل كلّ شيء وضع الاغتيال السّياسيّ في واجهة التّفكير وفي الضوء، ولطالما شكّل الاغتيال ملامح الانعطافات والتّحوّلات الكبرى في تاريخ البلد، لكنّه بقي في العتمة وخارج التّداول البحثيّ الفعليّ، واقتصر التّعامل معه على التّعليق والتّعقيب والإدانة والسّلوك الخطابيّ والانفعاليّ.

كان لقمان قد شرع بإطلاق ورشة البحث في التاريخ المخفيّ والمسكوت عنه للبلد، وكان الاغتيال السياسيّ أحد همومه الأبرز، لكنّ عمل مؤسسة “أمم للتوثيق والأبحاث” التي أنشأها عام 2004 لم يقتصر عليه.

ويهدف تخصيص مؤسّسة كاملة للعناية بهذا الموضوع إلى الإصرار على كونه الموضوع الرئيس، وأنّ القتلة أرادوا أن يُكتب التّاريخ من خلال الاغتيال عبر آليّة طمس الحقائق وغياب العدالة الّتي طالما وسمت منطق التّعامل معه.

تحاول هذه المؤسّسة بناء خطّ دفاع عن البلد تنطوي على كثير من الحبّ والإيمان. فبعد معاناة طويلة من غياب العدالة وتشتّت المؤسّسات القانونيّة والحقوقيّة وخضوعها للسلطة، تأتي هذه المؤسّسة لتحاول إعادة الأمل الّذي من دونه لن تكون العلاقة مع البلد ممكنة

من هنا تبحث المؤسّسة عن تأسيس مضادّ معاكس لإرادة القتلة يُعنى بالغوص في معاني الاغتيال السّياسيّ وأسبابه ودوافعه وأهدافه والكشف عنها ووضع خلاصاتها أمام الرّأي العام محليّاً ودوليّاً، مقدّمةً لمنعه من أن يكون تاريخاً وسيرةً للبلد، ومنع تأثيراته من صناعة تحوّلات أساسيّة في الاجتماع والثّقافة والسّياسة.

 حوَّل غيابُ التّوثيق الوقائعَ إلى هذيانات، وباتت هذه الهذيانات الشّائعة هي الحقائق والتواريخ المقدّسة الّتي يدافع عنها أصحابها بالدّم والرّوح. لكنّ روحاً مغايرة لهذا المنطق بدأت تشقّ طريقها مع المشروع الذي أسّسه لقمان مع “جمعيّة أمم” الّتي نجحت في لملمة الكثير من آثار التّاريخ اللبناني المبعثر والمتشظّي، بين الحروب والمجازر والاغتيالات، لوضعه في متناول الباحثين، مرجعاً منظّماً ومبوّباً لا يمكن تجاهله، يقف حائلاً دون انتشار شبكات التّأويلات المَرَضيّة التي لا تستند إلى أيّ إطار مرجعيّ.

إقرأ أيضاً: لقمان سليم: هل هو اغتيال الثقافة البديلة؟

قد يكون في قلب ذلك الظلام الدّامس بعضٌ من أمل تصرّ “مؤسّسة لقمان سليم” على بثّه في المجال العام عبر حرصها على سحب الهذيان الجماعي من التّداول وإعدامه بحقائق التّوثيق والتّأريخ.

[VIDEO]

صديقة لقمان الشريرة ستكتب التاريخ كتابةً “مؤسّساتية”، وستقول بأقلامنا وألسنتنا وقلوبنا إنّنا لن نكتفي بعد الآن بمعرفة هويّة القتلة في حين نبقى عاجزين عن محاسبتهم. سنوثّق أفعالهم ونفكّك الأساطير التي استندت إليها والخرافات الّتي تعمل على شرعنتها، ونضع كل هذه الحصيلة أمام أعين العالم بأسره بحثاً عن عدالة مفقودة.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…