الرؤساء الثلاثة اجتمعوا بجنبلاط.. ماذا عن الحريري؟

مدة القراءة 5 د

منذ أيّام، يخوض وليد جنبلاط معركة علنية ضدّ عهد عون، وضدّ ممارسات حزب الله التي تمنح رئيسه الحليف ضوءاً أخضر في العبث بكل ما تبقى من مرتكزات لدى الدولة اللبنانية. ضعف الدولة، وانعدام الحركية السياسية أكثر ما يفيد حزب الله ومن خلفه إيران في هذه المرحلة بالتحديد. إنها علامة فارقة جديدة يشكلها جنبلاط على المفترق السياسي الخطير في لبنان والمنطقة.

فأن يعلن الحزب التقدمي الإشتراكي أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون حالة عبثية في السياسة اللبنانية، يعني أنّه لا بدّ من ترقب مرحلة سياسية جديدة في لبنان.

في مقابلته الأخيرة، أعلن جنبلاط صراحة أن موقفه واضح في معارضة المشروع الإيراني، نصح الرئيس سعد الحريري برمي كرة النار في ملعب حزب الله وحلفائه، لا إبقائها بين يديه فتحرقه سياسياً وشعبياً. 

في خطابه السياسي يطرح جنبلاط 3 نقاط أساسية:

– مواجهة عهد ميشال عون بما يمثله من الإنقلاب على اتفاق الطائف.

– رفض الخضوع لهيمنة المشروع الإيراني الذي يرتكز على تدمير ما تبقى من لبنان الدولة.

– والسعي إلى تشكيل علامة فارقة جديدة تستدعي احتضاناً عربياً وخليجياً للبنان وسياسييه بدلاً من تركهم مهملين في متناول براثن عون والحزب، لأنّه معروف أنّ لبنان بلد التوازنات التي لا يمكن أن تستقيم بدون فعالية خارجية.

أن يعلن الحزب التقدمي الإشتراكي أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون حالة عبثية في السياسة اللبنانية، يعني أنّه لا بدّ من ترقب مرحلة سياسية جديدة في لبنان

جاء موقف جنبلاط بعد مواقف متعدّدة وخجولة لقوى مسيحية كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب، وتيار المردة تدعو ميشال عون إلى الإستقالة، لما يمثله الرجل من خطر على المسيحيين.

فالرئيس عون يدفع حالياً جزءاً من فواتير يجب تسديدها لحزب الله، بعد أن سلّمه البلد والمسيحيين مقابل رئاسة الجمهورية، والمشروع المستقبلي هو تسليم كامل البلد والمثالثة أو المؤتمر التأسيسي مقابل ضمان الرئاسة لجبران باسيل.

وفيما يقف حزب الله في الخلفية، دافعاً لكل هذه العبثية والشروط التي تقضي على موقع رئاسة الحكومة واتفاق الطائف، أصبح لا بدّ من الدفاع عن هذا الاتفاق لما يمثّله من حفاظ على مركزية الدولة والتنوع والمناصفة فيها.

أي مشروع من هذا النوع، يحتاج إلى شريك سنّي. لم يحدث في التاريخ اللبناني أن غاب السنّة عن المشهد والتأثير إلى الحدّ الذي يبلغه الغياب اليوم، بمعزل عن الأسباب، التي أساسها متغيرات خارجية أضعفت السنّة في المنطقة، أو أسباب داخلية تعود إلى حسابات متولّي الموقع الثالث وقبوله مساومات وتسويات للحفاظ على المنصب بدلاً من الحفاظ على الدور ورمزية الموقع.

تاريخياً، وبالحقيقة الثابتة والمجرّدة، لا يمكن للبنان أن يستمرّ من دون المسيحيين فيه ولا من دون السنّة، ولا من دون الشيعة. لكن أيضاً لا يمكن لطرف واحد أن يختزل اللبنانيين بكل تنوّعاتهم. 

هناك توّجس قديم لدى السنّة من مواقف جنبلاط، فهم يعتبرون أنّه يمكن الفوز معه في الاستراتيجيا والمعارك السياسية، بينما الخسارة محتّمة في لعبة السلطة والمطالب، وعلى ذلك شواهد كثيرة. لكن في أيّ معركة سياسية لا بدّ من الاستفادة من مواقف الرجل بما يمثله من رمزية، وما يعطيه من دفع معنوي لأيّ حركة اعتراضية. لكن لا بد من تركيز السؤال عن الشريكين السنّي والمسيحي. بعض المسيحيين أصبحوا على يقين من أنّ عهد عون هو عهد تدمير المسيحيين ومرتكزاتهم. يعارضون ولكن بخجل، ولحسابات مسيحية انتخابية. أما السنّة فلا يزالون غائبين. 

وسط هذا الغياب تبرز محاولات لاستعادة استنهاض المشروعية السياسية على أساس مشروع وطني لا يستثني اي طرف، يكون عنوانه جامعاً لا تقسيمياً. من بين هذه المحاولات، لقاء عقد في دارة الرئيس تمام سلام، جمع الرئيس فؤاد السنيورة والرئيس نجيب ميقاتي، إلى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط.

كان اللقاء على عشاء جرى خلاله البحث في كلّ المرحلة السياسية الحالية والمقبلة. وقد تكامل مع خطاب جنبلاط ودعوته الحريري إلى أن يترك عملية تكليف الحكومة، وأن ينتقل إلى صفوف معركة سياسية تحافظ على البلد والدستور.

الرئيس عون يدفع حالياً جزءاً من فواتير يجب تسديدها لحزب الله، بعد أن سلّمه البلد والمسيحيين مقابل رئاسة الجمهورية، والمشروع المستقبلي هو تسليم كامل البلد والمثالثة أو المؤتمر التأسيسي مقابل ضمان الرئاسة لجبران باسيل

وكان اللقاء مناسبة لكلام صريح عن إخفاقات كل طرف وأخطائه، منذ ما قبل التسوية الرئاسية إلى ما بعدها، واتفاق على أنّها السبب الأساسي في تسليم البلد إلى الحالة العبثية التي لم يعد بالإمكان الخروج منها إلا بمشروع مواجهة جدي وفاعل حفاظاً على الدستور وعلى مؤسسات الدولة، والتواصل مع كل الجهات المحلية والخارجية لاستعادة التوازن السياسي ووقف الانهيار. 

أفكار كثيرة طرحت لاستكمال هذا المشروع، وتم البحث في إعداد ورقة وطنية بعناوين عريضة، تتزامن مع تواصل سياسي مع مختلف الأطراف في البلد مسيحياً وإسلامياً.

إقرأ أيضاً: من يجلس إلى طاولة التسوية؟ (2/3): تقوقعٌ درزي وضياعٌ سني

وهنا سيكون الحريري أمام خيارين، لا سيما بعد افتضاح نوايا عون، الذي يصطدم بكل القوى وممثلي المؤسسات، سواء رئاسة الحكومة، أو رئاسة مجلس النواب، أو مجلس القضاء الأعلى أو الجيش:

– إما أن يكون الحريري شريكاً فعلياً لهذه الحركة خارج حسابات السلطة ورئاسة الحكومة لاستعادة البلد.

– وإما ستتسارع الحركة من دونه، وسيكون وحيداً، أمام اللبنانيين وأمام المجتمعين، العربي والدولي أيضاً.  

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…