أفصحت الولايات المتحدة الأميركية عن سياستها الجديدة اتجاه إيران. لخّصها المبعوث الأميركي الخاصّ من إدارة الرئيس جو بايدن إلى إيران روبرت مالي، بأن قال لوكالة “بلومبيرغ” إنّ “واشنطن تعتزم التركيز على منع إيران من تزويد روسيا بالأسلحة، كذلك دعم الاحتجاجات في إيران، بدل إحياء المحادثات المتوقّفة بشأن الاتفاق النووي مع طهران”. وأشار مالي إلى أنّ “إيران ليست مهتمّة بالاتفاق النووي، ونحن الآن في وضع يسمح لنا بقلب الوضع من خلال محاولة تعطيل تزويد روسيا بالأسلحة ودعم تطلّعات الشعب الإيراني”.
جاء كلام مالي ردّاً على اتّهام وجّهه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، للولايات المتحدة، بأنّها تدعم “الشغب” في إيران، للضغط عليها وإرغامها على قبول مطالبها في مفاوضات الاتفاق النووي.
جيرانمايه: إيران الآن على بعد أيام قليلة من امتلاك ما يكفي من الموادّ لصنع أسلحة نووية. والمجتمع الدولي لا يفعل شيئاً لمنعها. وهذا يجعل العالم يتّجه حتماً نحو أزمة نووية جديدة
لكن لأوروبا رأي آخر. فقد حذّرت إيلي جيرانمايه، نائبة رئيس “برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” وخبيرة الشؤون الإيرانية في المجلس، من “رهان بعض الحكومات الغربية على دخول القيادة السياسية الإيرانية أيامها الأخيرة”، ودعت إلى “تبنّي استراتيجية مناسبة لمعالجة المشكلة النووية لأنّ المخاطرة بكلّ شيء على أمل أن يؤدّي الانتقال السلمي للسلطة في طهران إلى وضع البرنامج النووي الإيراني تحت سيطرة ديمقراطية وآمنة في أيّ وقت قريب، ليس سلوكاً مسؤولاً”. ودعت “الأوروبيين وإدارة بايدن إلى البحث عن طريقة دبلوماسية للخروج من الأزمة النووية، وأن يظلّوا حذرين من اتّخاذ خطوات تقيّد أيديهم وتمنع إمكانية التوصّل إلى صفقة سياسية”.
تأتي هذه التصريحات بعدما اندفعت أوروبا والولايات المتحدة إلى زيادة الضغط على إيران من خلال فرض عقوبات جديدة وتكثيف العزلة السياسية والدعم الجاد المُعلن والصريح لشخصيّات معارضة إيرانية. فيما دعَم مؤيّدو سياسة “الضغط الأقصى” لدونالد ترامب اعتماد نهج أكثر تشدّداً، ودعوا الغرب إلى مضاعفة حملة العقوبات المتجدّدة التي تهدف إلى إجبار طهران على تقديم تنازلات مهمّة، أو حتى إلى تحقيق تغيير النظام. ونبّهت جيرانمايه إلى أن لا دليل على احتمال نجاح هذه السياسة.
احتواء الخطر الإيراني
أكثر من ذلك، طلبت في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، “أن على الغرب أن يقدّم المساعدة الاقتصادية الإنسانية لإيران وأن يخفّف العقوبات ضدّ أطراف ثالثة تتعامل مع إيران، مثل العراق والإمارات العربية المتحدة والصين”، بحجّة أنّ “إدارة بايدن اتّخذت نهجاً عمليّاً مشابهاً لتخفيف العقوبات عن فنزويلا من أجل خفض أسعار الطاقة”. ولأنّ “استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 بعيدة المنال حاليّاً”، دعت “الولايات المتحدة وأوروبا إلى وضع إجراءات تدريجية من شأنها تجميد البرنامج النووي الإيراني ومنع المزيد من التصعيد، وأن يكون على رأس هذه الإجراءات سماح إيران للمفتّشين الدوليين بمراقبة أنشطتها النووية”.
حذّرت إيلي جيرانمايه من رهان بعض الحكومات الغربية على دخول القيادة السياسية الإيرانية أيامها الأخيرة
وضعت جيرانمايه هذا الاقتراح في إطار “إيجاد طريقة لاحتواء التهديد النووي الإيراني قبل أن يتحوّل إلى أزمة أوسع تسحب الطاقة والموارد بعيداً عن الأزمات العالمية الأخرى وتزيد من ترسيخ المحور الروسي – الإيراني الحالي”. وقالت إنّ “الغرب محقّ في إدانة القمع الداخلي الإيراني للاحتجاجات، ويجب أن ينظر في اتّخاذ إجراءات لحماية المحتجّين الإيرانيين، لكنّه يحتاج أيضاً إلى بذل جهود دبلوماسية جديدة لضمان عدم حصول إيران على القنبلة”. وأكّدت أنّ ضمان أن يكون برنامج إيران النووي سلمياً وآمناً لا يصبّ في مصلحة الغرب فحسب، بل وفي مصلحة جيران إيران والشعب الإيراني.
وعلّلت الخبيرة الأوروبية رأيها بأنّ “إيران الآن على بعد أيام قليلة من امتلاك ما يكفي من الموادّ لصنع أسلحة نووية. والمجتمع الدولي لا يفعل شيئاً لمنعها. وهذا يجعل العالم يتّجه حتماً نحو أزمة نووية جديدة”.
وأكّدت جيرانمايه أنّ “إعادة النظر في المسار الدبلوماسي هي أكثر الطرق فعّاليّة للمضيّ قدماً في معالجة هذه المشكلة، على الرغم من أنّ إيران تتّجه نحو التحوّل إلى دولة على عتبة نووية”. وقالت: “قد يكون من الضروري أن تُطلق الهيئات الدولية جرس الإنذار رسميّاً عندما يمرّ البرنامج النووي لأيّ دولة من دون رادع. لكن يجب أن يقترن ذلك بجهد دبلوماسي نشط لإبطال سلوك إيران النووي قبل فوات الأوان”.
إقرأ أيضاً: إيران تضع سليماني على طاولة قمة بغداد
وعرضت جيرانمايه تطوّر الأحداث المتعلّقة بسلوك إيران منذ آب الماضي حين توسّط الاتحاد الأوروبي في صفقة جديدة توفّر فرصة للتقدّم، لكنّ الإيرانيين رفضوا التعاون. وبعد أسابيع قليلة أطلقت حكومتهم ردّها الوحشي على الاحتجاجات، فتجمّدت العمليّة برمّتها.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا