من لم يفهم رسالة “العاقبية”، حين قتل “الأهالي” جندياً إيرلندياً من قوات الطوارى الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، جاءت لتفهمه مسيّرةٌ أطلقها حزب الله فوق فلسطين المحتلّة أمس الأوّل، وأسقطها جيش الاحتلال الإسرائيلي وأعلن عنها الناطق باسم هذه القوات أفيخاي أدرعي عبر تويتر.
من لم يفهم بالإيرلندي، سيفهم بالمسيّرة، تعدّدتِ الأسبابُ و”لغة الرسالة” واحدة: جنوب لبنان قاب قوسين أو أدنى من “التسخين”.
يتراءى أنّ مقتل الجندي الإيرلندي شون روني العامل مع وحدة بلاده ضمن قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان قد حصل بـ”الصدفة”. من المسلّم به أنّ هذا الاسم بالذات لم يكن مقصوداً، لكنّ المقصود هي قوات “اليونيفيل” الأممية، التي تضيء بوجودها في جنوب لبنان على الانفصام بين “الدولة” اللبنانية وبين سطوة “دويلة” حزب الله. فحادثة القتل تلقي الضوء على إشكالية السلاح الخارج عن الشرعية بأبعاده الداخلية والدولية والأممية. خصوصاً أنّ السلاح الذي قتل الجندي الأممي، من قوات حفظ السلام، هو “ممنوع” في منطقة جنوب الليطاني، وفق القرار 1701.
من لم يفهم رسالة “العاقبية”، حين قتل “الأهالي” جندياً إيرلندياً من قوات الطوارى الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، جاءت لتفهمه مسيّرةٌ أطلقها حزب الله فوق فلسطين المحتلّة أمس الأوّل، وأسقطها جيش الاحتلال
لكن لماذا “التسخين” الآن؟
هناك 5 أسباب يمكن اعتبارها “رسائل” على طريق “التسخين” الأمني:
1- في 31 آب 2022 صدر قرار مجلس الأمن 2650 الذي مدّد عمل “اليونيفيل”، ورفض رسالة وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب، الذي تولّى بناء على طلب حزب الله، طلب تعديل القرار 1701 لناحية “إلزام قوات اليونيفيل بإبلاغ الجيش اللبناني عن كامل تحرّكاتها، وعدم قيامها بدوريات لوحدها من دون مواكبة”. وعارض المجلس تقييد حرّية حركة القوات الأممية، وأكّد على دورها وحريّة تنفيذ دوريات معلنة وغير معلنة، مذكّراً برفضه وجود أيّ سلاح في منطقة عملياتها غير سلاح الدولة الشرعي، واستنكر قيام حزب الله بوضع حاويات تمنع اليونيفيل من رؤية الخط الأزرق أو الوصول إليه. ثمّ صدر القرار 2650 بما لا يشتهيه الحزب. والرسالة هنا هي التالية: “عندما يصل القرار إلى مرحلة التنفيذ فلحزب الله دوره على الأرض، وهو يعرف كيف يُلزم المجلس باحترام هذا الدور”.
2- وجد حزب الله “لحظة مؤاتية” محلياً، بعدما أتته تعليمات من طهران بضرورة التحرّك لإفهام الغرب عامّة، والدول المشاركة في قوات حفظ السلام خاصّة، بأنّ إيران، على طريقة النظام السوري، ستزلزل الأرض تحت أقدام المتظاهرين في كلّ المدن الإيرانية، وستزعزع استقرار دول عديدة، منها العراق ولبنان، إن لم يبادر العالم إلى الوقوف على خاطر نظام طهران بـ”تبريد” الاحتجاجات الشعبية.
3- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان ينوي زيارة كتيبة بلاده المشاركة في قوات حفظ السلام. قتل الجندي الإيرلندي إعلان بأنّ الحزب لن يسمح لرئيس فرنسا أن يزور الجنوب، عقر دار الحزب، فيما تندلع معركة ديبلوماسية بين طهران وباريس، محورها حجز رهائن فرنسيين في إيران، يطالب ماكرون بالإفراج عنهم وباحترام حقوق الإنسان.
4- خاطب حزب الله المجتمع الدولي الساعي إلى إعادة الاستقرار للبنان وتقوية جيشه ومدّه بالأعتدة وبالسلاح، قائلاً من خلال “القتل”: لا يحمي القوات الدولية إلا “حزب الله ورئيس يختاره”، ومخطئ من يرى قائد الجيش حامياً لليونيفيل.
إقرأ أيضاً: تخريجة غضب الأهالي “شي فاشل”!
5- يمكن إضافة رسالة خامسة، موجّهة إلى البطريرك بشارة الراعي الداعي، الدائم الدعوة لتدويل القضية اللبنانية. ربما سمع الراعي من القتل التالي: نحن نقتل “جنوداً أمميين”، فمن ذا الذي سيدوّل سلاحنا؟
*كاتب لبناني مقيم في دبي
لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@