يقف المواطن العربي، المسلم وغير المسلم، أمام 3 نماذج من الدول، ذات أكثرية إسلامية من السكّان والأهل، تحاول كلّ منها أن تقدِّم مشروعها للعالم العربي.
1- قطر: وهي إمارة اشتُهرت بأنّها “النواة الصلبة” لمشروع الإسلام السياسي السنّيّ المتزمّت في المنطقة، ودُرّته “الإخوان المسلمون”. حليفها وراء الستارة وأمامها هو حزب العدالة والتنمية التركي برئاسة رجب طيب إردوغان. دعكم من اتّهام قطر بأنّها تموّل التنظيمات المتطرّفة. فهذه مسألة دونها، وفوقها، المعلومات الاستخبارية وشؤون الدول العظمى وأسرارها المشتركة. المعلَن والواضح والمعروف أنّها كانت في فترة من الفترات الملجأ الآمن لجماعات الإخوان المسلمين، وراعي أحزاب الإسلام السياسي الإخواني. وقد انهار هذا المشروع في الأعوام الأخيرة، وكانت صورة الإعلان عن انهياره مشهد إردوغان يصافح الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي في افتتاح المونديال القطري.
بدا واضحاً في افتتاح هذا المونديال وفعّالياته أنّ قطر تريد تأكيد هويّتها الإسلامية للقاصي والداني. فنشرت الآيات القرآنية في الشوارع، ومنعت الخمور، وحاصرت الدعوات إلى التسامح مع المثليّين، وملأت الإعلام بصور الدعاة الإسلاميين الأكثر شهرةً وهم يصلون قبل فرق كرة القدم لنشر الدعوة والتبشير بالإسلام، وملأت حفل الافتتاح بالآيات القرآنية والأجواء الدينية.
يقف العرب اليوم بين إمكانية التبعية لإمارة صغيرة، بأحلام ضخمة مثل إعلامها، وبين الرضوخ لمنطق الحرب الأهلية الذي تريده لنا إيران
كان هذا إعلاناً صريحاً بأنّ قطر تتّخذ لنفسها صفة “الدفاع عن الإسلام” و”تقديم صورة جميلة” عن هذا الدين، باعتباره دين التسامح والمحبّة، خلافاً لكلّ ما اتُّهم به من إرهاب وقتل ودمار، واتُّهمت هي، من بين المتّهمين الكثر، بتمويله.
2- السعوديّة: بلاد الحرمين الشريفين، وملكها خادم الحرمين، والوصيّ على قبلة المسلمين، الكعبة الشريفة، في مكّة المكرّمة. يحكمها اليوم الملك سلمان ونجله وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. شابّ ثلاثينيّ، وهو أوّل شابّ يحكم هذه البلاد. طموح بلا حدود. يبني المدن الحديثة. يقود تحوّلات اقتصادية وماليّة عميقة. يعدنا باقتصاد لا يعتمد على النفط، ويعمل لتحقيقه بسرعة. شجاع في قول “لا” لأميركا جو بايدن. يضع ضوابط لمؤسّسات التزمّت الديني. يقود تحوّلات اجتماعية عميقة أيضاً. صفّر صلاحيّات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. أصدر قوانين تسمح للمرأة بقيادة السيارة، وتسمح بالاختلاط العلني. نشّط السياحة والترفيه. جاء بالفنّانين والرسّامين والمطربين والمطربات إلى ربوع المملكة العربية السعودية، ليعلن انحياز مشروعه إلى الحداثة والفرح والقرن الثاني والعشرين. يحاول الموازنة بين الإسلام ديناً من جهة، وبين الحكم الحديث والقيادة المدنية، إلى جانب صورة بلده ودوره الدينيَّين.
3- إيران: دولة حربية، عسكرية، توسّعية. زرعت ميليشياتها في عدد من الدول العربية، من خلال استنفار العصبية الشيعية لبعض المجموعات الاجتماعية، وإخراجها على “الدولة الوطنية”. منذ 20 عاماً تحرِّض الشيعة العرب، من مواطني الدول المستقلّة والمسالمة، على إخوانهم من المواطنين السُّنّة وغير السُّنّة، فتسلِّح وتدرّب وتقصف وتدمّر وتقتل وتنشىء التنظيمات العسكرية. تهدم المدن في حروب مذهبية. تقتطع من أرزاق شعبها الجائع، لتصرف على المسلّحين والميليشيات، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى مجاهل إفريقيا. تحاول تنظيم انقلابات في البحرين والكويت وغيرهما من دول العرب. تنفّذ عمليات عسكرية وغير شرعية، من أوروبا إلى أميركا اللاتينية. دولة مفهومها عن الإسلام أنّه يجب القضاء على كلّ مَن يعترض على التشيّع، بانتظار مجيء الإمام المهدي ليحكم العالم باسم التشيّع الفارسي.
الفوارق بين الأهداف
كلّ مشروع من هذه المشاريع الثلاثة يحمل بذور “التوسّع”. لكن كلّ على طريقته. و”التوسّع” هو طموح مشروع لكلّ الناس والجماعات والدول، ما لم يكن إجباريّاً، وليس دونه القتل أو الترويع.
1- مشروع قطر: هو السعي إلى دور متقدّم ومركزي في بلاد العرب، من خلال الإسلام السياسي، كما حصل في مصر والسودان وتونس، وكاد يحصل في سوريا، فقامت ثورات ضدّ “أخونة” الدول.
قطر، تلك الإمارة الصغيرة والجميلة، لا أمل لها بـ”التوسّع” من دون الإسلام السياسي لحكم الجغرافيا والديمغرافيا. لديها المال، والعلاقات الدولية اللازمة، وإلى جانب هذا لديها “الإسلام السياسي” وتركيا، الدولة ذات التاريخ “الواسع” من التوسّع، التي حكمت العرب 400 عام. لكنّ مشروعها “وقع” من سوريا إلى ليبيا ومصر والسودان…
2- مشروع السعوديّة: هو حماية “الدولة الوطنية” ودعم الدول المركزية، لمواجهة التطرّف، ولحماية لحمة العرب، وفق معادلة “المصالح” بين الدول، وليس “الوصاية”. والسعودية، بما لها من ثقل ومركزية دينية وماليّة واجتماعية واقتصادية، قادرة على “تصدير” مشروع الدولة الوطنية الحديثة، التي تشبه مصر والإمارات، حليفيها الموضوعيَّين في مشروع “الدولة الوطنية”. وهو أوّل مشروع “عربي” منذ “عروبة” جمال عبد الناصر المصرية. أوّل ولادة لمشروع يجمع بين المصالح العربية، وفق الشروط الاقتصادية، وليس وفق الرومانسية العسكرية، الناصرية الهوى، التي كانت تفتقر إلى أيّ مضمون اقتصادي، فتستعيض عنه بالمخزون الحماسيّ والتعبئة الإعلامية. اليوم يأتينا المشروع العربي بالأسباب الحياتية والمشروع المستقبلي.
3- مشروع إيران: عمره 43 عاماً. يُختصر بجملة: “تصدير الثورة”. الغطاء هو “تحرير فلسطين”. الطريق إلى فلسطين مرّ بتدمير اليمن ومحاولة تدمير مكّة ودبي وأبو ظبي، ومحاولة الانقلاب في الكويت والمنامة، وتدمير الشام وحلب وحمص وحماه وكلّ سوريا، وتدمير بغداد وأجزاء كبيرة من العراق، وتدمير أجزاء كبيرة من بيروت ووضع لبنان كلّه في “بوز المدفع” مع العرب وإسرائيل. جمهورية إسلامية ترى في الدول العربية امتدادها الطبيعي وتعتبر أنّ من حقّها احتلال العرب وحكمهم.
إقرأ أيضاً: بن سلمان يصدّر “فراشة الفرح” السعودية.. إلى إيران
بين هذه النماذج الثلاثة يقف العرب اليوم. بين إمكانية التبعية لإمارة صغيرة، بأحلام ضخمة مثل إعلامها، وبين الرضوخ لمنطق الحرب الأهلية الذي تريده لنا إيران، في حروب تدوم مئات السنوات وتنتهي بتخلّفنا وانتشار المرض والجوع والأوبئة، من كوليرا وغيرها، من صنعاء إلى بيروت مروراً بالشام وبغداد، وبين قيادة مملكة تخطو باتجاه المستقبل بخطى حثيثة وبليبرالية اجتماعية غير مسبوقة، متقدّمة على مجتمعها نفسه، لتحاول نقل البلاد والمنطقة كلّها إلى “المستقبل”.
بين هذه التجارب نقف اليوم: فأيّ حلم أقرب إلينا؟