مذْ صار ممثّلاً عن الأمّة بقرار من المجلس الدستوري، بدا النائب العلويّ الجديد عن مدينة طرابلس الدكتور حيدر ناصر أنّه أقرب إلى محور الممانعة. وعندما سُئِل عن انضمامه إلى تكتّل “التغييريّين” أجاب ساخراً: “التغيير بات بحاجة إلى تغيير”. وهذا يوحي أنّ نائب الثورة الجديد يقوم بـ”انتفاضة” على ائتلاف “انتفض”، وعلى “قوى الثورة” التي أوصلته إلى الندوة البرلمانية، مقتفياً خطى سلفه فراس السلّوم الذي مثّل الطائفة العلوية في البرلمان لأشهر قليلة. فالاثنان سارا، بعدما صارا من أصحاب السعادة، عكس الخيارات التي خاضا الانتخابات على أساسها.
تغييريّون إلى حضن طوائفهم
يشكّل هذا الانقلاب ضربة جديدة لـ”قوى التغيير”، ولفكرة التغيير نفسها، ويفسح المجال لمزيد من الانتقادات الموجّهة إلى تلك القوى، ولا سيّما مع تشرذم تكتّلها البرلماني، والاتّهامات المتبادلة بين أركانها بخداع الناخبين والانقلاب على أصواتهم. وفي الوقت عينه يُعطي انطباعاً بأنّ هناك عرفاً علويّاً يقضي بعودة أيّ مرشّح عن الطائفة إلى خياراتها التقليدية، بمعزل عن اللائحة التي ترشّح ضمنها، والشعارات التي تبنّاها، والقوى السياسية التي انتمى إليها.
إذاً بعدما آل إليه كسر الحاصل الذي حازته لائحة “التغيير الحقيقي” في دائرة الشمال الثانية، اصطفّ فراس السلّوم (370 صوتاً) إلى جانب “أصحاب الورقة البيضاء”، وكان عضواً في كتلة النائب طوني فرنجية، بعكس خيارات النائب إيهاب مطر الذي شكّل اللائحة بالتحالف مع الجماعة الإسلامية وبعض المستقلّين.
يشكّل هذا الانقلاب ضربة جديدة لـ”قوى التغيير”، ولفكرة التغيير نفسها، ويفسح المجال لمزيد من الانتقادات الموجّهة إلى تلك القوى، ولا سيّما مع تشرذم تكتّلها البرلماني
يبدو أنّ النائب الذي انتقل اليه لواء تمثيل الطائفة العلوية في البرلمان حيدر ناصر يحذو حذوه، وهو الذي حصل على 313 صوتاً، أي ما نسبته 2.4% من إجمالي الأصوات التي نالتها لائحة الثورة “انتفض.. للسيادة للعدالة” في دائرة طرابلس، حيث تركّز معظم حصادها الانتخابي بالغاً 92% من إجمالي أصواتها. وهو غاب عن المؤتمر الصحافي الذي عقده زميله في اللائحة رامي فنج للاعتراض على قرار المجلس الدستوري “المسيّس” الذي أبطل نيابته. وامتنع عن التواصل مع أيّ من زملائه الآخرين. وهذا ما جعل “انتفض” عرضة لانتقادات قاسية، وخاصّة من قِبَل بعض الناشطين في الثورة، علماً أنّ حيدر ابتعد عن “انتفض” فور انتهاء الانتخابات النيابية.
حاولنا التواصل مع النائب حيدر ناصر للوقوف على رأيه، فردّ على الاتّصال الأوّل لكنّه اعتذر عن عدم التحدّث لوجوده في اجتماع إنمائي، وطلب الاتّصال به لاحقاً. جرّبنا عدّة مرّات في أوقات متباعدة الاتّصال به، إلّا أنّه مع الأسف امتنع عن الردّ. يبدو أنّ النائب الجديد يحاول الابتعاد عن الإعلام قدْر استطاعته لعدم التورّط في تصريحات تُحسب عليه، وهذا حقّه.
كواليس الترشيحات
بالعودة إلى كواليس اختيار المرشّحين، كان السلّوم خيار النائب مطر انطلاقاً من صداقتهما في “الغربة”. والأخير حسب المعلومات هو من تحمّل القسط الأكبر من تكاليف حملة السلّوم، لكنّه خذله فور إعلان النتائج.
أمّا حيدر ناصر فتشير معلومات “أساس” إلى أنّه كان خيار هند الصوفي عضوة “انتفض”، وهي كانت مرشّحة أيضاً، وتربطها علاقة وطيدة بأسرته، ويقابله مرشّح آخر عن المقعد العلوي هو من الأشخاص الناشطين في العمل الاجتماعي في جبل محسن ضمن جمعيات الـ”NGOS”. وقد مال أغلب أعضاء الائتلاف إلى حيدر انطلاقاً من سيرته الذاتية الحسنة.
هذا في الظاهر، وأمّا في الباطن فقد رجّحت “كلّنا إرادة” كفّته لرغبتها في استبعاد الناشط الاجتماعي الذي صنّفته في عداد المقرّبين من النائب ميشال معوّض المفترض أنّه حليفها. وتشير المعلومات إلى أنّ “كلّنا إرادة” فرضت شروطاً قاسية على ائتلاف “انتفض” من أجل دعم لائحته، إلا أنّها لم تدعمه سوى بالفتات الذي خُصّص لبعض المرشّحين من دون الآخرين الذين رفضوا الخضوع لشروطها.
تردّ مصادر “انتفض” على الانتقادات بأنّ الضغوط التي تعرّض لها الائتلاف من قوى السلطة وأجهزتها الأمنيّة، وكذلك بعض القوى السياسية والمدنية المنافسة، أسهمت في حدوث إرباك في الترشيحات. وتدلّل على ذلك ببقاء المقعد الأرثوذكسي في اللائحة شاغراً لانتقال المرشّح المُتّفق معه في اللحظات الأخيرة إلى لائحة منافسة، و”قِسْ على ذلك”.
نائب طرابلس الجديد هو نجل آصف ناصر، الذي كان أوّل سفير علوي في تاريخ الجمهورية اللبنانية
حقوق العلويّين
نائب طرابلس الجديد هو نجل آصف ناصر، الذي كان أوّل سفير علوي في تاريخ الجمهورية اللبنانية، ويُعزى ذلك إلى ما عُرف عنه من قربه إلى النظام السوري. وهذا ما كان عليه حال أغلب العاملين في الشأن العام زمن الوصاية.
يقول حيدر إنّه صارح “انتفض” بخياراته وبتأييده لسلاح حزب الله وللنظام السوري، وإنّهم وافقوا على ذلك، وهكذا تكون لائحة “انتفض.. للسيادة للعدالة” خدعت من صوّتوا لها. لكنّ معلومات “أساس” تشير إلى أنّ حيدر كان موافقاً بالكامل على خيارات الائتلاف. وجلّ ما طالب به هو استخدام مصطلح “الوصاية السورية” عوضاً عن “الاحتلال السوري” في الخطاب السياسي، فكان له ما أراد. علاوة على ذلك وقّع بالاشتراك مع زملائه في اللائحة “ميثاق شرف” يتعهّدون فيه الالتزام بخيارات الائتلاف الثوري التزاماً كاملاً. وكان من أبرز بنوده حصرية السلاح في يد الجيش، وتسليم السلاح الحزبي إليه.
اللافت أنّ حيدر نفسه كان يجهر حتّى الأمس القريب بمعارضته للثنائي الشيعي في مواقفه ومنشوراته الفايسبوكية، إذ يتّهمهما بالسطو على حقوق العلويّين، ويتّهم حزب الله بالذات بالعمل على تحويل العلويّين في لبنان وسوريا إلى المذهب الشيعي الاثني عشريّ.
تُعدّ هذه الآراء التعبير الأوضح عن حال الامتعاض السائدة داخل الشارع العلوي من تخلّي الثنائي الشيعي الدائم عنهم، والتي تظهر في الانكفاء العلوي المتزايد عن المشاركة في الانتخابات. فقد انخفضت نسبة الاقتراع لدى الطائفة العلوية من 30% عام 2018 إلى 24% عام 2022.
إحباط علويّ وطرابلسيّ
أفسح هذا الواقع المجال أمام رفعت عيد، الفارّ إلى سوريا والمطلوب للقضاء اللبناني بعدّة مذكّرات اعتقال، وبعض قادة حزبه ومناصريه، للهيمنة على الفضاء العامّ للشارع العلوي، عبر تسويق سرديّة أنّ كلّ العلويّين مؤيّدون له ولخياراته، ومحاولته مداراة إحباطهم المتزايد بالحديث عن المقاطعة. هذا فيما يعاني أبناء طائفة الشيخ صالح العليّ (زعيم سوري شارك في الثورة ضدّ الانتداب الفرنسي)، كما يتغنّى النائب حيدر ناصر دوماً، من التهميش والحرمان كما كلّ الطرابلسيين.
إقرأ أيضاً: نواب الثورة “شاغبوا”… ونواب النظام “حَكَموا”
عليه ربّما وجد النائب الجديد أنّ انضواءه ضمن تكتّل التغييريّين لن يساعده في تحصيل أيّ حقوق للعلويّين، بل على العكس سيُغرقه في مستنقع خلافاتهم، في حين أنّه سيكون بانضمامه إلى الكتلة التي يسعى النائب فيصل كرامي إلى تشكيلها، كما ألمح النائب جهاد الصمد، أكثر قدرة على تحقيق ما يصبو إليه، مستنداً في ذلك على الباع السياسي لحلفائه الجدد وعلى الحيثية الشعبية الراسخة لكرامي والصمد تحديداً، مقابل هشاشة قوى التغيير التي بدت واضحة وجليّة في لامبالاة الشارع الطرابلسي بإبطال نيابة رامي فنج. ويُشار في هذا السياق إلى أنّ بعض الأحاديث تفيد بأنّ حيدر كان راغباً منذ البدء في الترشّح على لائحة النائب فيصل كرامي.