إيران تربح معركة الرئاسات في العراق

مدة القراءة 7 د

زيارة قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، مدينة النجف أثناء مراسم “أربعينيّة الإمام الحسين”، لم تكن مجرّد زيارة للمشاركة في هذه المراسم مع ملايين الإيرانيين الذين تدفّقوا إلى العراق. وهم تحوّلوا إلى مادّة سياسية استخدمها المرشد الأعلى قبل أيّام خلال استقباله أعضاء مجمّع تشخيص مصلحة النظام، ليستدلّ بها على العمق الشعبي للنظام والدولة الإيرانية في العراق. الدولة التي تواجه موجة تظاهرات واعتراضات تشهدها المدن الإيرانية بعد مقتل الفتاة مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق”.

يمكن اعتبار هذه الزيارة مفصليّة أو مصيرية بسبب ما خرجت به من نتائج مهّدت لترتيب المشهد السياسي بالشكل الذي خرج به يوم الخميس 13/10/2022، مع انتخاب عبداللطيف رشيد رئيساً للجمهورية وتكليف مرشّح “الإطار التنيسقي” محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة.

التطوّرات، التي حصلت في المشهد السياسي العراقي، كانت نتيجة تفاهمات إقليمية ودولية لتمرير الاستحقاق العراقي بأقلّ قدر من الخسارة لأيّ من الأطراف الداخلية والخارجية

فقد أجرى الجنرال الإيراني سلسلة لقاءات في النجف ساعدته في فهم توجّهاتها وموقفها من التطوّرات السياسية، الأمر الذي سمح له بمداهمة “الحنانه”، مقرّ إقامة مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، ومشاركته طعام العشاء ورسم الخطوط العامّة للمرحلة المقبلة، انطلاقاً من الواقع السياسي الذي نتج عن الخطوات – الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها الزعيم الصدري بالاستقالة من البرلمان، وقيادة مواجهة عسكرية مع القوى الأمنيّة قامت بها سرايا السلام، الجناح العسكري للصدر، في قلب بغداد ومؤسساتها الدستورية، وتنظيم حشد شعبي داخل المنطقة الخضراء. لكن أمس أعلن الصدر بشكل واضح أنّه لن يشارك في الحكومة.

ضمانات إيرانية للصدر

قدّم قاآني في لقائه مع الصدر ضمانات له بعدم استبعاده من العملية السياسية أو الشراكة في الحكومة المقبلة، وأنّ التسوية المطروحة قد تقوم على أساس منحه نصف حصّة المكوّن الشيعي في مجلس الوزراء، وأنّ “الإطار” لن يلجأ إلى إقصائه أو إخراجه من المعادلة. وهو الموقف الذي أكّده أكثر من مرّة قيادات في “الإطار”، وخاصة زعيم عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي، الذي دعا حلفاءه في “الإطار” إلى ضرورة استيعاب الصدر وعدم تحويل النكسة التي أُصيب بها إلى هزيمة قد تتحوّل إلى تهديد حقيقي للاستقرار الأمني وتفتح الباب أمام دماء كثيرة وحرب أهليّة.

في موازاة حركة قاآني، كان خطّ التواصل بين بغداد وأربيل يشهد حركة نشطة لترجمة المواقف التي اتّخذها الزعيم الكردي مسعود بارزاني بعد استقالة الصدر من البرلمان. وهي مواقف وضعت التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن” مع الصدر والمكوّن السنّي (الحلبوسي – الخنجر) في حالة من الموت السريري. وكان الحوار الكردي (بارزاني) – الكردي (طالباني)، أو الديمقراطي – الاتحاد، يسير باتجاه التوصّل إلى تسوية في مختلف المسائل العالقة بينهما والمرتبطة بمستقبل العملية السياسية في الإقليم ومصير انتخابات برلمان كردستان، بالإضافة إلى إيجاد تسوية في ما يتّصل برئاسة الجمهورية في بغداد.

انضمام الأكراد إلى “تسوية” إيران

كان الإعلان عن تحالف “إدارة الدولة”، الذي يضمّ الحزب الديمقراطي وتحالف السيادة، بمنزلة إعلان وفاة لتحالف هذين المكوّنين مع التيار الصدري وزعيمه مقتدى، والانتقال إلى التسوية التي تجري تحت عيون الدول الإقليمية والإدارة الأميركية. إلا أنّ الانتقال الكردي (بارزاني) إلى تحالف “إدارة الدولة” جاء بناءً على عدّة معطيات، في مقدَّمها الشروط والمطالب التي وضعها بارزاني على الطاولة والمتعلّقة بمصير المناطق المتنازَع عليها في سنجار وبعض مناطق الموصل وكركوك. فهو طالب بعودة نشاط قوات البشمركة والحزب الديمقراطي إليها، فضلاً عن إعادة إحياء المادّة 140 من الدستور المرتبطة بالإحصاء السكاني في كركوك، وحصّة الإقليم من الموازنة العامّة للحكومة الاتحادية، وقانون النفط والغاز. وهي مطالب، وإن حصل تلكّؤ من الحكومة الاتحادية المقبلة في تنفيذها، إلا أنّها تشكّل ورقة في يد قيادة الإقليم في التعامل مستقبلاً مع الحكومة الاتحادية.

ساهم عامل آخر في انخراط القيادة الكردية في التسوية السياسية، وهو الموقف السلبيّ لطهران من الدور “المحرّض” الذي لعبه مسعود بارزاني في الأحداث الإيرانية بعد مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، والذي اعتبرته طهران “لعباً وتدخّلاً بالأمن القومي الإيراني”. وقد جاءت ردّة الفعل على ذلك واضحة وعنيفة، إذ استخدمت إيران الردّ العسكري باستهداف مواقع الأحزاب الكردية المعارضة داخل الإقليم الكردي العراقي وفي أطراف عاصمته أربيل، ولم تعطِ أيّ اهتمام لمواقف الإدانة العراقية والعربية والدولية لهذه العمليات.

قدّم قاآني في لقائه مع الصدر ضمانات له بعدم استبعاده من العملية السياسية أو الشراكة في الحكومة المقبلة، وأنّ التسوية المطروحة قد تقوم على أساس منحه نصف حصّة المكوّن الشيعي في مجلس الوزراء، وأنّ “الإطار” لن يلجأ إلى إقصائه أو إخراجه من المعادلة

“التسوية” في الجانب الكردي

أمّا على المستوى الداخلي الكردي، فعلى الرغم من خسارة مرشّح حزب الاتحاد الوطني برهم صالح معركة تجديد ولايته في رئاسة الجمهورية التي فاز بها الرئيس عبداللطيف رشيد، إلا أنّ زعيم الحزب بافل طالباني عبّر في كواليس البرلمان مع أعضاء كتلته النيابية بعد انتهاء الاقتراع والانتخاب عن فرحته بالنصر الذي حقّقه الحزب. وهو ما يكشف حجم الصفقة التي تمّ نسجها بين السليمانية وأربيل من جهة، وبين الإقليم وبغداد من جهة أخرى، والتي بدأت بإعلان بارزاني سحب مرشّحه للرئاسة ريبر أحمد بارزاني، وعدم حسم المعركة بين صالح ورشيد من الجولة الأولى من خلال توزيع دقيق لأصوات نواب “الإطار التنسيقي” وحلفائه بحيث لا يكون أيّ منها محرَجاً أمام تحالفاته والتزاماته السابقة.

أمّا على خط المكوّن السنّي وتحالف “السيادة” المتشكّل من حركة “عزم” بقيادة خميس الخنجر و”تقدّم” بقيادة محمد الحلبوسي، فتكشف التسريبات عن المطالب التي وضعها الحلبوسي على طاولة “الإطار” مقدّمةً للدخول في التحالف الجديد “إدارة الدولة”. وهي تلبّي معظم هواجس المكوّن السنّي، خاصة ما يتعلّق بعودة النازحين إلى مناطقهم في المحافظات الغربية، لا سيّما في منطقة جرف الصخر الإشكالية. وهو ما يعني سحب أو انسحاب قوات وألوية الحشد الشعبي من هذه المناطق وتسليمها للقيادة العسكرية للجيش العراقي، بالإضافة إلى مطلب إقفال مراكز ومعسكرات “الحشد” داخل مدن هذه المحافظات وإعادة تمركزها خارج المدن.

الحلبوس انقلب على الصدر

ربّما تكون خطوة الحلبوسي بتقديم استقالته من رئاسة البرلمان يوم الإثنين 25 أيلول إعلاناً لوفاة تحالفه مع الصدر انطلاقاً من التغيير الحاصل في طبيعة البرلمان وتركيبته بعد استقالة نواب التيار الصدري. فالثقة التي حصل عليها الحلبوسي قامت على أصوات التيار البالغة 73 صوتاً، وهو بحاجة إلى إعادة الثقة برئاسته وكسب شرعية جديدة، لكن هذه المرّة بأصوات نواب “الإطار التنسيقي” التي لم تنتخبه في المرّة الأولى.

أمّا ما يتعلّق بخطوات “الإطار التنسيقي”، وتحديداً رئيس الوزراء المكلّف السوداني، في الأيام المقبلة وخلال المهلة الدستورية لتشكيل الحكومة (دستورياً 15 يوماً تُمدّد 15 يوماً أخرى)، فإنّ من المتوقّع أن يقوم، وفق ما تسرّب، بالتواصل ومحاولة زيارة مقتدى الصدر في مقرّه بمنطقة الحنانة في مدينة النجف، لتأكيد مبدأ التواصل والتمسّك بالمشاركة، وذلك بهدف ضمان عدم لجوء الصدر إلى التعطيل، وأيضاً لتوفير غطاء شامل يساعد على نجاح الحكومة في مهمّتها.

إقرأ أيضاً: “الإطار” في كمين الصدر

ربّما تشكّل عودة نشاط وحضور الشيخ وليد الكريماوي داخل مكتب الصدر مؤشّراً إلى وجود أرضية للحوار مع “الإطار التنسيقي” والحكومة الجديدة. خاصة أنّ الكريماوي يُعتبر من المقرّبين من الصدر ومحلّ ثقته والمكلّف بملفّ الحوار والتفاوض داخل المكوّن الشيعي.

يمكن القول إنّ التطوّرات، التي حصلت في المشهد السياسي العراقي، كانت نتيجة تفاهمات إقليمية ودولية لتمرير الاستحقاق العراقي بأقلّ قدر من الخسارة لأيّ من الأطراف الداخلية والخارجية، وإنّ اللاعب الأميركي استطاع رسم خيوط “السجّادة” الجديدة، وقام اللاعب الإيراني بحياكتها بكلّ التأنّي الذي يتميّز به، وهذه المرّة بأيدٍ عراقية. وكلّ طرف تولّى مهمّة تنفيذ الجزء الخاصّ به.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…