لقاء دار الفتوى والموقف الوطني

مدة القراءة 4 د

يختلط الأمر على كثيرين بين السياسيّ والوطنيّ في مقاربتهم لقاء دار الفتوى الذي دعا إليه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان النوابَ السُنّة المنتخبين نهار السبت المقبل.

لن يكون اللقاء لقاءً سياسياً، بل وطنيّاً لممثلي السُنّة في المجلس النيابي، ليبحث في صلب دورهم في المعادلة الوطنية التي لا يقوم لبنان من دون تكامل عناصرها المؤسّسة، واتّزانها، بعد محاولة البعض في الخارج والداخل إقصاء السُنّة عن هذه المعادلة، أو على الأقلّ تهميش دورهم.

 

دار الشؤون الوطنية

كانت دار الفتوى وما زالت عبر تاريخها الطويل وفي عهود كلّ المفتين تقارب الشأن الوطني لا السياسي. الشواهد كثيرة وأبرزها دور المفتي الشيخ مصطفى نجا في صناعة لبنان الكبير واحتفاليّة إعلانه في قصر الصنوبر عام 1920، ودور المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في خطبة عيد الفطر في ملعب بيروت البلدي عام 1983.

السياسة بحث في اليوميّات والتفاصيل، كتسمية رئيس حكومة، أو تعيين وزراء، والدخول في بازار التعيينات الوظيفية بفئاتها المتعدّدة، من الدرجة الأولى حتى مرتبة الأجير. أمّا الشأن الوطني فهو خطّ الدفاع عن الثوابت والمبادئ والدستور. وهو الموقف في حماية الميثاق والعيش المشترك والأمن والاستقرار داخل المجتمع اللبناني.

لن يكون اللقاء لقاءً سياسياً، بل وطنيّاً لممثلي السُنّة في المجلس النيابي، ليبحث في صلب دورهم في المعادلة الوطنية التي لا يقوم لبنان من دون تكامل عناصرها المؤسّسة

نأت دار الفتوى بنفسها عن اليوميّات السياسيّة. فليست هذه وظيفتها، وما أرادت ذلك يوماً، وإن حاول البعض على مرّ التاريخ استدراجها إلى مثل هذه التفاصيل. وهي تتقدّم الجميع دائماً في مباشرة الشأن الوطنيّ لصوغ العناوين وحمايتها. لا دخل لها بتفاصيل النصوص، بل تضع المبادئ والخطوط الضابطة، ليكتب الناس كلّ الناس عليها أهواءهم وخياراتهم، وكيف يرون طريقة مباشرة أيّامهم. الحرّيّة للجميع ما دام الخطّ الوطني الميثاقي محفوظاً من تطاول الحاقدين.

يوم السبت المقبل يتهافت النواب السُنّة إلى دار الفتوى للقاء مفتيها. ما عدا النواب الثلاثة المعتذرين وهم أسامة سعد وحليمة قعقور وابراهيم منيمنة. من سيغيب فهذا شأنه، والدار باقية على موقفها، ولن تتبدّل صفتها: خيمة الوطن ولكلّ المؤمنين.

 

ثوابت وتحديات

لقاء دار الفتوى خارج معادلة تأمين النصاب. النصاب يتحقّق بعمامة المفتي ورمزيّة الدار وتاريخها في النضال الوطني الذي يعرفه ويدركه الصغير والكبير.

نرتكب خطيئة إن عمدنا إلى تحميل اللقاء أكثر ممّا يحتمل، أو إن تعاملنا باستخفاف ولامبالاة معه. لن يتحقّق النصر من خلاله ولن تتحرّر الأرض، ولن يتبدّد القهر والشعور بالظلم والهوان. لكنّه سيصيب النجاح بمجرّد انعقاده وترسيخ ثوابت تناساها البعض الكثير:

1- دار الفتوى هي المرجعيّة الوحيدة خارج الحسابات الضيّقة.

2- سُنّة لبنان في صلب المعادلة الوطنية وليس على هامشها.

3- دار الفتوى الضاربة في أعماق التاريخ قادرة على رعاية التوافق والتغيير.

أمّا التحدّي الذي علينا جميعاً مع دار الفتوى مواجهته لإنجاح اللقاء فيتمحور في نقطتين:

1- استكمال هذا اللقاء بفريق متابعة وآليّة للتطبيق، لتجنّب أن يكون اللقاء مجرّد اجتماع ينتهي بتفرّق الحاضرون.

2- أن يتحوّل البيان المتوقّع صدوره عن اللقاء إلى إعلان مبادئ وطنية يجتمع حولها كلّ اللبنانيين.

إقرأ أيضاً: لا ينتقص دارَ الفتوى غيابُ البعض من النوّاب

لقاء دار الفتوى نهار السبت المقبل سيكون اللقاء الأوّل في الدار منذ العام 1996، يوم انتُخب الشيخ محمد رشيد قباني مفتياً، والذي ينعقد خارج عباءة الحريريّة السياسية من دون أن يعاديها أو أن تعاديه، مفتتحاً مرحلة التغيير داخل الطائفة – “الأمّة” التي تضعف عندما تضعف الدولة لأنّها طائفة الدولة ومؤسّساتها. فهي لم تراهن يوماً على ميليشيا، ولا على منظّمة ولا على تيّار ولا على عابر سبيل.

لقاء الدار من شأنه، إن تكاتف الجميع، أن يعيد بناء الدار الكبرى: الوطن، وهنا يكون الفوز العظيم.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…