حزم القوم أمتعتهم وأعدّوا ملفّاتهم القديمة ويمّموا وجوههم شطر الجزائر ووصلوا بأمان.
ربطت الدولة الشقيقة أجندة المصالحة الفلسطينية التي دخلتها متأخّرة بأجندة القمّة العربية مراهنةً على نجاحين في أمرين أسهلهما صعب… المصالحة الفلسطينية ثمّ المصالحات العربية، وفي كلتا الحالتين يشبه الأمر تمرير جمل ضخم من ثقب إبرة ضيّق، وهذا أمر قد يحدث في المعجزات.
لا أعرف الكثير عمّا وصلت إليه الجهود الجزائرية في الإعداد للقمّة العربية، والمدى الذي وصلت إليه الدبلوماسية الجزائرية في مجال المصالحات العربية التي يبدو أن لا لزوم لأيّ قمّة بدونها.
غير أنّني أعرف عن احتمالات وحجم النجاح الممكن للجزائر في شأن المصالحة الفلسطينية التي سبق أن أعيت قوى جبّارة تدخّلت لإنجازها، وكانت النتيجة ليس فقط عدم تحقيق المصالحة بل تحقيق أمر معاكس تماماً، وهو تكريس الانقسام وتحويله واقعيّاً إلى انفصال.
كانت نجاحات الجزائر المشهودة في توحيد الحالة الفلسطينية تستند جميعاً إلى نجاحات فلسطينية فلسطينية في مرحلة الإعداد للنجاح النهائي
صبرُ مصر وإخلاصها للجرح الفلسطيني
لم تكن العلّة في المتدخّلين، فكلّهم أرادوا إغلاق الجرح الفلسطيني النازف، إذ لا مصلحة لهم في استمراره مفتوحاً حتى إنّ أهمّهم وأكثرهم قرباً من الحالة وتوغّلاً فيها، ونعني مصر، كانت وما تزال تعتبر الشأن الفلسطيني بإجماله مسألة أمن قوميّ، وهل هنالك من اعتبار أقوى من هذا لتعمل مصر بإخلاص وصبر ودأب على إغلاق هذا الجرح؟
بعد خمس عشرة سنة من الانقسام وأكثر من ألف فعّاليّة فاشلة لإنهائه، ما الذي ينبغي أن يُقال للأشقّاء المخلصين في الجزائر الذين كانوا لفترة طويلة حاضنة الوئام الفلسطيني حتى حين كانت القلوب تبلغ الحناجر.
كانت نجاحات الجزائر المشهودة في توحيد الحالة الفلسطينية تستند جميعاً إلى نجاحات فلسطينية فلسطينية في مرحلة الإعداد للنجاح النهائي. لم يحدث ولو مرّة واحدة أن بدأت الجزائر جهودها من نقطة الصفر، إذ كان الفلسطينيون زمن عرفات وحبش وحواتمة ينجزون الجزء الأكبر من المصالحة بالاتفاق على الأسس وحتى التفاصيل، ويحملون اتّفاقهم ويذهبون به إلى الجزائر التي تكون قد هيّأت المسرح المحلّي والدولي لاستقبال النتائج.
أين دور المجلس الوطني الفلسطيني؟
كان الإنجاز يتمّ بالشراكة الواعية والمسؤولة بين الراعي الجزائري واللاعبين الفلسطينيين. فقبل أن تتوّج الجزائر جهود التوحيد الناجحة كانت عواصم كثيرة تستضيف الاستعدادات المتقنة التي تحتويها وتنطلق منها جهود الوحدة المنشودة. آنذاك كانت الحاضنة الفلسطينية صحّية تماماً.
كان المجلس الوطني الفلسطيني أحد أهمّ البرلمانات في المنطقة وأكثر عناوين الوحدة الوطنية فاعليّةً، فأين هو الآن وأين نفوذه السياسي والمعنوي والقيادي؟
كانت الفصائل المسلّحة تجسّد حالة وطنية ثورية فعّالة وقويّة الحضور داخلياً وخارجياً، فأين هي الآن وكيف هو حالها؟
كانت حركة فتح بمنزلة كاسحة ألغام لتمرّدات وانشقاقات رعتها ودعمتها وأنفقت عليها دول وازنة في الجغرافيا والتمويل، فأين هي الآن وكيف هو حالها؟
بفعل ذلك، وكان كلّه إيجابيّاً وفعّالاً، كانت الجزائر تنجح على الدوام وكان المجلس الوطني ينجح في أيّ مكان ينعقد. ألم ينجح في عمّان حين استعاد بدعم أخويّ أردنيّ وحدة المنظّمة والشعب والبرنامج السياسي على الرغم من المقاطعات التي جاملت البعض من دون أن تصيب الجسم الأساسي بأذى.
إقرأ أيضاً: الفيروس الفلسطيني: الإنقسام؟
بالتأكيد ليس ما أسوقه من تذكير بحقائق إيجابية غائباً عن إخوتنا الجزائريين المخلصين، فقد كانوا من ضمن صنّاعها، ولا أخال أنّني بهذا التذكير أضع عصيّاً في دواليب تدور، إلا أنّ ما أحبّ أن أخلص إليه أخيراً… أنّه إن لم توجد الرافعة الفلسطينية الفلسطينية لجهد المصالحة والتوحيد، فقد نرى عناقاً وبيانات وأمنيات، لكن لن نرى وحدة، وساعتئذ يكون المكان أيّ مكان للضيافة ليس إلّا.