بعد الانتهاء من الانتخابات وصدور النتائج عادت الصرخات لتعلو مجدّداً مطالبةً بإعلان حالة طوارئ دوائية، وسط دعوات إلى الاعتصام والتحرّك يوم الجمعة المقبل أمام مجلس النواب بعد بدء ولاية 128 نائباً جديداً.
لنتذكّر أنّه قبل الانتخابات بيومين تمّ تمرير قرار رفع الدعم عن بعض الأدوية المعالِجة للسرطان بصمت. كلّ الحلول “الترقيعيّة” والتأجيل والكلام عن أنّ صحّة المواطن خطّ أحمر كانت فقط لكسب الوقت من أجل تهيئة الناس تدريجاً.
السؤال الأخطر في هذا السياق: كم من المرضى عليهم أن يتخلّوا عن علاجهم لأنّهم عاجزون عن دفع كلفته؟
دعوات للتحرّك أمام مجلس النوّاب
دعا نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة الحكومة إلى أن “تتّخذ قراراً يوم الجمعة في الجلسة المقبلة لتفادي الفراغ الدوائي وفتح اعتمادات”، لافتاً إلى أنّ بعض أدوية السرطان التي لا يتخطّى سعرها 100$ رُفِع الدعم عنها، في حين بقي الدعم على الدواء الجنريك الأرخص”.
وأوضح أنّ “أدوية خاصّة غير خاضعة لرقابة وزارة الصحة تدخل لبنان ومصدرها تركيا. لكن إذا أخذ مجلس الوزراء قراراً بفتح الاعتمادات فبإمكاننا تلبية حاجة السوق”.
قبل الانتخابات بيومين تمّ تمرير قرار رفع الدعم عن بعض الأدوية المعالِجة للسرطان بصمت
وحذر جبارة مما “قد يؤول إليه الوضع بعد الانتخابات النيابية واستقالة الحكومة، إذا لم يتخذ مجلس الوزراء أي إجراءات استباقية بخصوص عملية استيراد الأدوية خلال جلسته المقبلة”، وقال: “إنّ مجلس الوزراء وافق فعلاً في جلسته الأسبوع الماضي على اعتمادات للدواء، إنما لم يقم بتنفيذها بعد، والنقابة تتوقع تنفيذ هذه الاعتمادات خلال الأسبوع المقبل. كما وتنتظر النقابة وصول شحنات الأدوية إلى لبنان تباعاً خلال مدة تقدر بحوالى الاسبوعين، أي الوقت المطلوب من أجل ترتيب الأمور اللوجيستية من قبل الشركات والمعامل المصنعة في الخارج، بغية توضيب الطلبيات وحجز الطائرات لشحن الأدوية إلى لبنان”.
أما نقيب الصيادلة جو سلوم فدعا كلّ المرضى الذين ليست لديهم القدرة الشرائية الكافية للحصول على أدويتهم إلى التحرّك أمام مجلس الوزراء يوم الجمعة دعماً للبطاقة الدوائية، وطالب أيضاً بإعلان حالة طوارىء دوائية والدعوة إلى عقد مؤتمر مانحين قبل أن تتحوّل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال، مشيراً إلى أنّه وضع خطة دوائية مستدامة وواضحة وصريحة، وأنّ على الحكومة أن تتبنّاها وتدعو إلى مؤتمر مانحين.
وفق سلوم “كانت ميزانية وزارة الصحّة نحو 110 ملايين دولار لتغطية كلفة الأدوية المعالجة لمرضى السرطان التي توزّعها مجّاناً، وهذا المبلغ لا علاقة له بالأدوية التي تُباع في الصيدليات. وهو ما يعني أنّ المبلغ المرصود لهذه الأدوية ليس كافياً لتغطية حاجات المرضى والسوق اللبناني”.
وبعد مناشدة نقيب الصيادلة وضع خطة للدواء وعقد مؤتمر للمانحين، جاء الرد على لسان عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي، صادق علوية، بتغريدة نشرها على صفحته على تويتر يتوجه فيها للنقيب سلوم بالقول: “عزيزي النقيب، سبق أن صدر قانون بإنشاء الوكالة الوطنية للدواء منذ أشهر رقمه 253/2022، وبالتالي، طالب بتطبيقه ما يؤدي إلى تخفيض ثمن الأدوية (المضخمة من المستوردين) ويخفّض الفاتورة الدوائية من دون الحاجة إلى مؤتمر شحادة دولي إقليمي عالمي! القانون ينص على أسس تسعير علمية”.
عزيزي النقيب سبق أن صدر قانون بإنشاء الوكالة الوطنية للدواء منذ أشهر رقمه 253/2022 و بالتالي طالب بتطبيقه ما يؤدي الى تخفيض ثمن الأدوية (المضخمة من المستوردين) ويخفّض الفاتورة الدوائية بدون الحاجة الى مؤتمر شحادة دولي إقليمي عالمي ! ??
القانون ينص على أسس تسعير علمية!#لن_ننجو https://t.co/a1BiYfRGGk— صَادِقْ عَلَوِيَّة (@Sadekalawieh) May 17, 2022
وكان وزير الصحّة فراس الأبيض قد شدّد على ألّا نيّة على الإطلاق لرفع الدعم”. موضحاً أنّ “الوزارة تعمل على ترشيد الأموال المرصودة لدعم الدواء والمستلزمات الطبية التي تبلغ قيمتها خمسة وثلاثين مليون دولار شهريّاً، باعتماد بعض التدابير التي من شأنها توفير السيولة لاستيراد أدوية السرطان الغالية الثمن، والاستمرار بدعمها كاملاً، وضمان توافرها”.
وأسف “للتأخير في تنفيذ القرار السابق لمجلس الوزراء والذي قضى بتحويل خمسة وثلاثين مليون دولار للدواء من حقوق السحب الخاصة”، مضيفاً أنه “تلقى من مصرف لبنان وعداً بالتنفيذ فور إتمام وزارة المال التي أكّدت من جهتها إتمام الإحالات اللازمة”.
سكّرية: مافيات الدواء تدير اللعبة
قبل كلّ هذا توقّع رئيس الهيئة الوطنية الصحيّة “الصحّة حقّ وكرامة” الدكتور إسماعيل سكرية هذه الخطوة، وكان قد حذّر منها مراراً. ورأى أن “لا مفرّ من رفع الدعم الكلّيّ عن الأدوية”. وقال: “توقّعت ذلك منذ بداية أزمة الدواء وانقطاعه نتيجة ابتزاز التجّار بالتواطؤ مع المصرف المركزي، إضافة إلى علامات استفهام تتعلّق ببعض دوائر وخفايا الوزارة. لم يكن هناك أيّ تصرّف مسؤول من اللجنة الصحية البرلمانية ولا نقابات الصيادلة سابقاً، ولا وزارة الصحة آنذاك، إذ تحوّلوا إلى صدى وحسب، فيما تدير مافيا الدواء اللعبة بكاملها”.
واعتبر سكّرية أنّ “ما يجري اليوم هو ضغط وابتزاز لرفع الدعم كلّيّاً بنسبة 100%. نحن أمام فيلم مرعب لأنّ هذه الأدوية بديل لا يتوافر دائماً، وحتّى بعض البدائل ليس سهلاً الحديث عنها في غياب المختبر المركزي لمعرفة مدى جودة ونوعية تلك الأدوية”.
وكشف سكّرية أنّه “رُفضت مرّتين عروض خارجية، ومنها العرض السويدي ببيع الأدوية من دولة إلى دولة، الذي يساعد على توفير 50% من كلفة الأسعار، لكنّ مافيا الدواء تريد الإبقاء على هامش الأرباح من استيراد الأدوية”.
إقرأ أيضاً: هل حوّلت الأزمة الاقتصاديّة الصيدلة إلى تجارة بالمرضى؟
صرخة وجع
تتحدّث ليلى حرب عن وجعها بالقول: “فاتورة علاج أختي ارتفعت من 7 ملايين إلى 40 مليوناً لجلسة علاج واحدة”. وعلى سبيل المثال، دواء Femara الذي كان سعره 70 ألف ليرة أصبح مليوناً و200 ألف، ودواء Femaplex 2.5mg كان سعره 40 ألفاً وأصبح اليوم 698 ألف ليرة. أمّا دواء Imatinib elea الذي كان سعره 450 ألفاً فبات اليوم نحو 8 ملايين ليرة. كذلك الأمر بالنسبة إلى دواء ACEDA الذي كان سعره بين 150 ألفاً إلى 200 ألف، وأصبح اليوم حوالى 4 ملايين ليرة. وتطول لائحة الأدوية المعالجة للسرطان التي لها بديل.