قذَفت طهران “كُرة الاتفاق النّوويّ” مُجدّداً في ملعب واشنطن، ردّاً على مسوّدة الاتحاد الأوروبي. والملاحظات الإيرانية التي سنعدّدها أدناه، يمكن اعتبارها “عاديّة”، ولا يُتوقّع أن تعرقل مسار إعادة إحياء الاتفاق، إلا في حالة واحدة.
على مرّ الأسابيع الماضية، تقاذف الطّرفان مصير الحوار غير المباشر، وراح كلٌّ منهما ينتظر الآخر ليُقدِمَ على الخطوة الأولى. لكن فجأة أُعلن قبل أيّام قليلة أنّ إيران تلقّت مسوّدة من الاتحاد الأوروبيّ.
بحسب معلومات “أساس” من مصدرٍ مُقرّبٍ من الإيرانيين، فإنّ فريق المُرشد الإيرانيّ علي خامنئي درسَ المسوّدة بعناية ودقّة، وكانت الأوامر عدم الإجابة بـ”نعم” أو “لا”، كما طلب الأوروبيّون. وهكذا كان. وضعت إيران ملاحظاتها، وأعادت الكُرة إلى الجانب الأميركيّ من الملعب.
وبالفعل، اجتمع البرلمان الإيرانيّ أمس الأوّل بحضور وزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان، ورئيس مكتب الأمن القوميّ علي شمخاني ورئيس الهيئة الإيرانيّة للطاقة الذّريّة محمّد سلامي وكبير المُفاوضين علي باقري كنّي لوضع مُلاحظات مكتب الإرشاد.
كشفَ المصدر أنّ الإدارة الأميركيّة أبدت استعدادها عبر الأوروبيين لتخفيف القيود على الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، وليسَ رفعه عن لائحة الإرهاب
تتلخّص مُلاحظات إيران على المسوّدة الأوروبيّة بثلاثة شروط:
1- أن تتعهّد واشنطن بدفع تعويضات ماليّة لإيران في حال انسحبَت مُستقبلاً من الاتفاق. هذا عدا عن الضمانات الاقتصاديّة التي كان “أساس” أوّل من كشَف عنها في كانون الثّاني الماضي.
2- أن تنصّ المسوّدة على مبدأ “خطوة مُقابل خطوة”، تبدأ برفع بعض العقوبات الأميركيّة في مُقابل أن تُخفض إيران مستوى تخصيب اليورانيوم، وهكذا تدريجياً إلى أن يعودَ المستوى إلى معدّل 3.67% المنصوص عليه في اتفاق 2015 بالتزامن مع الوصول إلى رفع كامل العقوبات المُرتبطة بالاتفاق النّوويّ.
3- أن تتراجع الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة عن التحقيق بشكلٍ نهائيّ في بعض المواقع السرّيّة التي قيل إنّ إيران تخصّب فيها اليورانيوم من دون إطلاع الوكالة الدّوليّة عليها. وقد تضمّن الجواب الإيرانيّ أنّ هذه المعلومات مصادرها تقارير للموساد الإسرائيليّ ولا صحّة لها، على حسب ما جاء في الجواب.
ماذا في واشنطن؟
حطّت الملاحظات الإيرانيّة في عاصمة القرار. وفي قراءة أوّليّة، يقول مصدرٌ رسميّ قريب من فريق التّفاوض الأميركيّ إنّ “المطالب الإيرانيّة الحاليّة ليست مُستحيلة، ويُمكن مُناقشتها بشكلٍ جدّيّ، لكن على إيران هي الأخرى أن تُبدي مرونة في حال كانت تريد إنقاذ الاتفاق، لا أن تقتصر المرونة على الولايات المُتّحدة”.
توازياً، كانت وكالة بلومبيرغ الأميركيّة تنقل عن مصادر أوروبيّة أنّ الاتحاد الأوروبي اعتبر ردّ طهران بشأن المسوّدة الأوروبيّة “بنّاء”، وأنّ الاتحاد “سيبحث مع واشنطن الخطوة التالية”.
تنظر واشنطن إلى المطلب الإيرانيّ المتعلّق بالمنشآت السّريّة بعين القلق، وستطلب واشنطن تأكيدات ملموسة من إيران بشأن المنشآت المشبوهة لتكون بديلاً عن تحقيق الوكالة الدّوليّة للطاقة الذّريّة.
لم يشأ المصدر أن يكشف إمكان موافقة بلاده على كلّ المطالب الإيرانيّة، لكنّه كشف لـ”أساس” عن مساعٍ أوروبيّة حثيثة لعقد اجتماعٍ على مستوى وزراء الخارجيّة بين إيران ومجموعة الـ4+1، أي بدون أميركا. إذ إنّ إيران ما تزال ترفض حتّى السّاعة أيّ لقاءٍ مباشرٍ علنيّ مع الولايات المُتحدة قبل توقيع العودة إلى الاتفاق النّوويّ.
تخفيف القيود على الحرس الثّوريّ
كشفَ المصدر أنّ الإدارة الأميركيّة أبدت استعدادها عبر الأوروبيين لتخفيف القيود على الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، وليسَ رفعه عن لائحة الإرهاب، في حال كانت إيران جادّة في العودة إلى الاتفاق. إذ سيسمح للكيانات التابعة لـ”الحرس” بالتهرّب من العقوبات الأميركية ببساطة عن طريق إدارة أعماله عبر بدائل جديدة وشركات وهميّة. وهذا يعني أنّ صناديق استثمار الحرس الثوري لن تتعرض للعقوبات.
الأوروبيون الذين يريدون عودة التبادل التّجاريّ مع إيران، وخصوصاً في قطاع الطّاقة، يعرفون أن لا مفرّ من التعامل مع الدّولة الإيرانيّة العميقة، التي يمسك بمؤسّساتها الكبرى الحرس الثّوريّ، أو المؤسّسات المنضوية تحت إدارته، في حال عادَت التّجارة والتبادل الاقتصاديّ مع طهران إلى طبيعتهما.
هذا وأبلغت واشنطن حُلفاءها في الشّرق الأوسط، أي إسرائيل والدّول العربيّة، أنّ مُحادثات فيينا تسير نحو إعادة إحياء الاتفاق حتّى السّاعة. تولّى هذه المهمّة كلّ من مُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان والمبعوث الخاص إلى إيران روبرت مالي.
يقول مصدرٌ رسميّ قريب من فريق التّفاوض الأميركيّ إنّ المطالب الإيرانيّة الحاليّة ليست مُستحيلة، ويُمكن مُناقشتها بشكلٍ جدّيّ، لكن على إيران هي الأخرى أن تُبدي مرونة في حال كانت تريد إنقاذ الاتفاق
الثّنائي سوليفان – مالي أبلغا المسؤولين الإسرائيليين أنّ الاتفاق الذي قد توقّعه واشنطن مع إيران “يضمن عدم حصول طهران على القنبلة النّوويّة، واستغناءها عن كلّ الموادّ التي قد تُستعمل في ذلك والتي أنتجتها إيران خلال فترة انسحاب الرّئيس السّابق دونالد ترامب من الاتفاق النّوويّ سنة 2018”. وهذا ما أوجزه المُتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة نيد برايس مساء الثّلاثاء بقوله إنّ “المهمّ بالنسبة إلى واشنطن وباقي الأطراف مثل الاتّحاد الأوروبي وإسرائيل هو أن لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً”. وكشفَ أنّ بلاده “أطلعت إسرائيل على مُجريات المُحادثات في فيينا”.
هذا الموقف عبّر عنه السيناتور الدّيمقراطي كريس مورفي المُطّلع على دوائر القرار في واشنطن. إذ قال أمس الأربعاء: “العودة إلى الاتفاق النووي هي أهمّ شيء يمكن أن تفعله أميركا لتأمين مصالحنا في الشرق الأوسط”.
وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني شهريار حيدري الذي حضَر الاجتماع الإيرانيّ في البرلمان أعلن: “نحن نتبادل نصوصاً حتّى الوصول إلى النتيجة النهائية، والاجتماع المُقبل لوزراء خارجية 4 + 1 سينتج عنه اتفاق نووي”.
لكن ماذا عن روسيا؟
يظنّ البعض أنّ روسيا قد تُعرقِل توقيع الاتفاق خشية فقدانها ورقة الطّاقة التي تضغط بها على أوروبا والغرب في ظلّ الحرب مع أوكرانيا. على الرّغم من أنّ الضّغط الروّسيّ على الغرب واقعيٌّ، إلّا أنّ عرقلة موسكو للاتفاق ليسَت سهلة للأسباب التالية:
1- روسيا هي طرفٌ مُوقّع على اتفاق 2015، ولم تنسحب منه أساساً كي تكون عامل عرقلة في التوقيع. في حين أنّ هدف محادثات فيينا هو إعادة واشنطن إلى نصّ الاتفاق، وإعادة طهران إلى الالتزام به.
2- للكرملين مصلحة بنجاح مُحادثات فيينا. إذ ترتبط موسكو وطهران باتفاقيّات استراتيجيّة تُقدّر بمليارات الدّولارات، وحصلَت على ضمانات أميركيّة في وقتٍ سابق تؤكّد أنّ العقوبات المفروضة على روسيا بعد حرب أوكرانيا لا علاقة لها بالمشاريع الرّوسيّة النّوويّة مع إيران.
3- روسيا ستحصل على كميّات اليورانيوم الإيراني المُخصّب فوق معدّل الـ3.67%، أي ما يقارب 200 كيلوغرام مُخصّب على درجات بين 5% و60% أنتجتها إيران ضمن سياستها للرّدّ على انسحاب ترامب من الاتفاق النّوويّ. وهذه الكميّات قيمتها المالية والعسكرية كبيرة جدّاً.
4- تعتبر موسكو أنّ طهران لن ترتمي في حضن الغرب بعد توقيع الاتفاق، وبالتّالي فإنّ نظام الملالي سيُنسّق كلّ خطواته المرتبطة بالنّفط والغاز مع روسيا.
إقرأ أيضاً: إيران المُفلسة مُستعجلة (1): نُريد المال والضّمانات
لا يعني كلّ هذا التّقدّم أنّ الاتفاق سيُنجز غداً أو بعد أيّام. إذ إنّ العبرة في التّوقيع النّهائي. وحتّى بلوغ تلك اللحظة، فإنّ دخول أيّ عاملٍ على خطّ التوقيع قد يُفسدُ الحفل النّهائيّ كما حصلَ في شهر آذار الماضي يوم كان عبد اللهيان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن يستعدّان للسّفر إلى فيينا، إلّا أنّ الزهور التي زُيِّنَت بها قاعة التوقيع كُتِبَ لها أن تذبل يومها…
واليوم ربّما تنسف المنشآت السّريّة كلّ شيء.