إيران المُفلسة مُستعجلة (1): نُريد المال والضّمانات

مدة القراءة 5 د

هل هي هجمات اللحظات الأخيرة قبل استسلام إيران المُفلسة والمُنهَكة، بخسائر تجاوزت تريليون دولار، في المحادثات النّوويّة في فيينا؟

هجماتٌ نفّذتها خلال الأيّام الماضية الفصائل المُوالية لطهران على قواعد الأميركيين والتّحالف في شمال العراق ووسطه وغربه. ومن أرضِ لبنان إلى أجواء شمال فلسطين المُحتلّة. ولم يكتمِل المشهد إلّا مع الصّواريخ اليتيمة المُنطلقة من شرق سوريا نحو حقل العمر النّفطيّ الذي يضمّ قوّاتٍ أميركيّة في دير الزّور.

مصدر أميركيّ كشف لـ”أساس” أنّ إيران أبلغت عبر الأوروبيين أنّها “تتفهّم أنّ واشنطن لا تستطيع أن تُقدّم ضمانات سياسيّة بعدم الانسحاب من الاتفاق مُستقبلاً لاعتبارات داخليّة أميركيّة

تُشيرُ الهجمات و”شبه الهجمات”، من العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان، إلى أنّ إيران “تُحسّن وضعها التّفاوضيّ”، ولا تُريد شيئاً سوى انتشال اقتصادها المُنهك مُنذ انسحاب الرّئيس الأميركيّ السابق دونالد ترامب من الاتفاق النّوويّ في أيّار سنة 2018.

هي الصّدفة، رُبّما، التي حدّدت موعد الجلسة الثّامنة من مفاوضات فيينا تزامناً مع الذّكرى الثّانية لاغتيال قائد فيلق القُدس السّابق قاسم سُليماني. توقيتٌ جاءَ على مقدار آمال طهران التي كانت تُوزّع الابتسامات عبر وفدها الرّسميّ في غُرف المُفاوضات، فيما كانت أذرعها في الشّرق الأوسط تُترجِمُ سبَبَ الفرحة البادية على وجه كبير مُفاوضيها علي باقري كنّي والوفد المُرافق.

فمن كان يتصوّر أنّ رئيساً إيرانيّاً مُتشدِّداً مثل إبراهيم رئيسي يضع على سُلّمِ “أولويّاته” تحسين علاقات بلاده مع الجوار العربيّ؟ ومن كان يتخيّل أنّ وزير خارجيّة الحرس الثّوريّ حسين أمير عبد اللهيان صارَ مُدمِناً على إطلاق التّصريحات المعسولة نحو دول الخليج العربيّ؟ الجواب: الاقتصاد ولا شيء غيره.

بدا الهمّ الاقتصاديّ واضحاً بين أسطر المطالب الإيرانيّة في العاصمة النّمساويّة.

مصدر أميركيّ قريب من المُفاوض الأميركيّ روبرت مالي كشف لـ”أساس” أنّ إيران أبلغت عبر الأوروبيين أنّها “تتفهّم أنّ واشنطن لا تستطيع أن تُقدّم ضمانات سياسيّة بعدم الانسحاب من الاتفاق مُستقبلاً لاعتبارات داخليّة أميركيّة تتعلّق باستحصال موافقة الكونغرس”، وأنّها “لن تُمانع البحث في “ضمانات” على شكل استثمارات أميركيّة واسعة للقِطاع الخاصّ في القطاعات الإيرانيّة المُختلفة تجعل أيّ انسحابٍ أميركيّ – جمهوريّ مُحتمَل من الاتفاق النّوويّ شبه مُستحيل”. في الوقت عينه، يتمسّك الوفد الإيرانيّ بمطلب آليّة التّحقّق من رفع العقوبات، وهذا لا يختلف تقنيّاً وصعوبةً عن مبدأ “ضمانة عدم الانسحاب”.

سيناريوهات الفشل

أما المصادر الأميركيّة الرسميّة فتقول لـ”أساس” أنّه في حال فشلت المُفاوضات بعد الجلسة الثّامنة، فإنّ الإدارة الأميركيّة تدرسُ 3 خيارات للتّعامل مع الملفّ النّوويّ الإيرانيّ.

الأوّل: إعادة فرض العقوبات الأوروبيّة والأمَمِيّة على إيران. تخشى واشنطن أن يصطدم هذا الخيار برفض روسيا والصّين له. إذ إنّ الظّروف الحاليّة على جميع المُستويات مُختلفة عن سنة 2006 يوم فرضَ مجلس الأمن عقوبات على إيران.

فروسيا اليوم أقوى بكثير مِمّا كانت عليه يومها، وتربطها بطهران مصالح وساحات مُشتركة من سواحل المُتوسّط وصولاً إلى القوقاز. أضِف إلى ذلك توتّر علاقتها مع أميركا في أوكرانيا وسوريا والقرم، وأخيراً في كازاخستان وأفغانستان.

أمّا الصّين فهي كما روسيا ليسَت بنسخة 2006. وتربطها بإيران اتفاقيّة شراكة استراتيجية مدّتها 25 عاماً ستشهد استثمار الصين عدّة مئات من ملايين الدولارات في مشاريع إيرانية، بما في ذلك الطّاقة النوويّة، وتطوير الطّاقة والبُنى التحتيّة. وخلال السّنوات القليلة الماضية بدأت تخرجُ من حدودها لتشقّ طريق الحرير، الذي في صلبه إيران. وإنّ ترقية إيران إلى عضويّة كاملة في منظّمة شانغهاي، التي تُهيمن عليها بكين وموسكو، في أيلول الماضي على الرغمَ من عقوبات ترامب، تشير إلى تحدٍّ مُشترك للولايات المُتّحدة.

الثّاني: الحلّ العسكريّ: مصدرٍ أميركيّ رسميّ أوضح لـ”أساس” لا يزال قيدَ الدّرس العميق مع شركاء واشنطن، على الرّغم من حماسة القيادة الإسرائيليّة له، نظراً لتبعات هذا الخيار الذي سيُشعل المنطقة بشكلٍ دراماتيكيّ لا يعلم أحدٌ كيف ومتى ينتهي، في أسابيع أو رُبّما سنوات!

الثّالث: إبرام اتفاقٍ مُؤقّت يهدف إلى عدم انهيار اتفاق 2015 – JCPOA بالكامل. لكنّ الوفدَ الإيرانيّ يرفضُ اتّفاقاً كهذا على اعتبار أنّه سيُحوّل القضيّة النّوويّة صراعاً بلا أُفق.

إقرأ أيضاً: ثلاثة سيناريوهات للاتّفاق النوويّ الإيرانيّ

يضيقُ الوقت على طاولة المُحادثات النّوويّة في العاصمة النّمساويّة فيينا. في الظّاهر، لا تبدو إيران على عجلةٍ من أمرِها، لكن في الحقيقة هي أوّل المُستعجلين. استعجالٌ ظَهرَ على أجنحة الطّائرات المُسيَّرة.

 

في الجزء الثّاني غداً: سعوديّون وكوريّون في كواليس فيينا.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…