ليس لديه ما يقوله أو يقدّمه، يأتي إلى لبنان ليستمع إلى الجواب الرسمي على ما قدّمه قبل أشهر. ويأتي مُتثاقلاً، ومتثائباً، كأنّه ملّ من تكرار المناورات في لبنان، ومن عدم تقديم جواب واضح ومحدّد خلال عقد من المفاوضات.
يصل الوسيط الأميركيّ لترسيم الحدود آموس هوكشتاين ليل غد الأحد إلى بيروت. بينما يسيطر جوّ من التّكتّم حول مصير الزّيارة في دوائر الخارجيّة الأميركيّة. ومعلومات “أساس” تشير إلى أنّ مواعيده قد حدّدت مع عدد من المسؤولين، مدنيين وغير مدنيين.
الأكيد أنّه لم يطلب المجيء، بل يأتي نزولاً عند كمّ “هائل” من الاتصالات التي انهالت عليه من كلّ حدب وصوب في لبنان، بعد مع وصول سفينة استخراج الغاز Energean Power FPSO إلى حقل كاريش على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
واشنطن: لن نُوقّع عن لبنان
لا ينفي الأميركيّون ولا يؤكّدون الكلام عن صفقة ما جرى تمريرها “تحت الطّاولة”. لكنّ مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجيّة الأميركيّة كشف لـ”أساس” أنّ واحداً من الطّروح المُتقدّمة أثناء زيارة هوكشتاين الأخيرة إلى بيروت في شباط الماضي كان: “قانا للبنان وكاريش لتل أبيب”، ويشير إلى أنّ هذا الطّرح لم يلقَ رفضاً قاطعاً من أيّ من الأطراف في بيروت وتل أبيب. ما يعني أنّه قد يكون “خطّ النهاية” بالنسبة إلى هذا الملفّ.
بل تعتبر عاصمة القرار واشنطن أنّ الكرة في ملعب لبنان وليست عندها. يقول المصدر الأميركي لدى سؤاله عن هدف زيارة الوسيط الأميركيّ: “ليسَ هناك أيّ جديد لدى هوكشتاين، المُهم أن نرى ماذا لدى المسؤولين اللبنانيين الذين لم يتوقّفوا عن الاتصال بنا منذ السّبت الماضي”.
ولا يستغرب المسؤول الأميركيّ استقدام تل أبيب سفينة الاستخراج إلى حقل كاريش، ويسأل: “هل يتوقّع المسؤولون في بيروت أن ينتظرهم الإسرائيليّون إلى الأبد؟ وفي حال كان للبنان حقّ في حقل كاريش، هل ينتظرون أن يأتي هوكشتاين ليوقّع عن المسؤولين اللبنانيين المراسيم المُتعلّقة بتعديل ترسيم الحدود؟ إذا كان كاريش ضمن السيادة اللبنانيّة فليُثبتوا ذلك، لكن حتّى اللحظة في الأمم المُتحدة وبحسب الخرائط اللبنانيّة، فإنّ حقل كاريش يقع في الجانب الإسرائيليّ من البحر المُتوسّط”.
تحذير أميركي مبطّن
ينصح الأميركيّون المسؤولين في لبنان بأن لا يلجأوا إلى الحلول “غير الدّبلوماسيّة” التي لا تصبّ في مصلحة لبنان، على حدّ وصفِ المصدر الأميركيّ، الذي قال: “إنّ الباخرة Energean Power هي منشأة مدنيّة ولم تدخُل المياه اللبنانيّة على الإطلاق، وينبغي على المسؤولين في لبنان التفكير مرّتين وأكثر والبقاء في الإطار الدّبلوماسيّ”. في الإطار نفسه، رفضَ المصدر الإجابة على سؤال إن كانَت هُناك ضمانات تتعلّق بأمن الباخرة Energean Power وصلت من لبنان إلى تل أبيب عبر الوسيط الأميركيّ.
تشير خبيرة النّفط والغاز لـ”أساس” إلى أنّه “بحسب المعايير والاتفاقيات الدّوليّة التي وقّعها لبنان، فإنّ الخطّ الطبيعي للبنان هو الخطّ 29
أمّا حول ما قيل عن ارتباط العقوبات الأميركيّة المفروضة على النّائب جبران باسيل بملف ترسيم الحدود، يؤكّد المصدر أن لا ترابط بين الملفّين على الإطلاق: “مسار العقوبات شيء والترسيم أمر آخر كُلّياً. لن ترفع الولايات المُتّحدة العقوبات عن باسيل لمُجرّد إنجاز ملفّ ترسيم الحدود، ويُمكن القول إنّ العقوبات لن تُرفَع ولو تنازل عن كُلّ مياه البحر المُتوسّط. أمرُ العقوبات يُتابَع في المحاكم والدّوائر المُختصّة فقط. لا يُبحَث مع آموس هوكشتاين”.
هاتايان: هكذا تتوقّف الباخرة!
تواصل “أساس” مع الخبيرة في شؤون النّفط والغاز في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هاتايان، التي أكّدت أنّ أمام لبنان طريقيتن لتوقيف عمل الباخرة Energean Power عن أعمال الاستخراج في حقل كاريش:
– الطّريقة الأولى، هي تلك المعروفة عبر تعديل المرسوم 6433 وتوسيع المنطقة الاقتصاديّة للبنان من الخطّ 23 بمساحة 860 كم2 إلى الخطّ 29 بمساحة 2290 كم2 تقريباً. لكن هذه الطّريقة تبدو بعيدةً في السّياسة. خصوصاً أنّ الإسرائيليين والأميركيين بدأوا جلسات المُفاوضات مع لبنان على اعتبار أنّ المنطقة المُتنازع عليها هي 860 كم2 وليست 2290 كم2. بالإضافة إلى أنّ هوكشتاين كان قد استمع في زيارته في شباط الماضي، إلى تأكيدات من المسؤولين اللبنانيين أنّ المرسوم 6433 لن يُعدّل.
– أمّا الطريقة الثّانية فتوجب على المسؤولين اللبنانيين أن يطلبوا من هوكشتاين ضمانات وأدلّة ثابتة على وجه السّرعة تؤكّد أنّ حقل كاريش لا يتخطّى الخط 23 الذي يبعد عنه 4 كلم فقط.
إقرأ أيضاً: لبنان الموحّد: الخطّ 23 “بلاس قانا” كاملاً للبنان
بالإضافة إلى ذلك، على لبنان أن يطلب تأكيدات أميركيّة أن لا مكامن غاز مُتداخلة مع لبنان في حقل كاريش. تؤكّد هاتايان أنّه في حال تبيّن وجود تداخل في مكامن الغاز في حقل كاريش مع الخطّ 23، وهذا ليسَ مُستبعدٌ على الإطلاق، فعندها يستطيع لبنان إيقاف عمل الباخرة اليونانيّة.
وعن أحقيّة لبنان في حقل كاريش، تشير خبيرة النّفط والغاز لـ”أساس” إلى أنّه “بحسب المعايير والاتفاقيات الدّوليّة التي وقّعها لبنان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا تأثير للصخرة النّاتئة “تخيليت”، التي تعتبرها إسرائيل جزيرة، فإنّ الخطّ الطبيعي للبنان هو الخطّ 29. لكن إن أكّدت المعايير والقوانين ذلك، ولم يُبلغ لبنان الأمم المُتحدة بأنّ حدوده هي عند الخطّ 29، فلا يُعتبر الجزء الشّمالي من حقل كاريش ضمن السّيادة اللبنانيّة، وإن أكّدته الدّراسات.