فُتِحَ بازار المزايدات في ملفّ ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. منها ما يدخل في خانة الحرص الحقيقي على ثروات لبنان وحدوده، ومنها ما يدخل في “التزريك” لمصالح متفرّقة بحسب أصحابها.
الأكيد أنّ لا أحد يعارض جدياً رئيس الجمهورية ميشال عون في اعتباره أنّ الخط 23 هو الخط المفترَض الاتّفاق عليه، مع المحافظة على حقل قانا كاملاً لصالح لبنان. لم تعلن أيّ قوة سياسية غير ذلك، خصوصاً الرئاسة الثانية، أي الرئيس نبيه برّي. فالأخير عاد وذكّر بهذا الموقف أخيراً، وهو صاحب اتفاق الإطار الذي لا يحدّد خطّاً في الأصل للتفاوض عليه. كذلك الرئيس نجيب ميقاتي، الذي بدا بيانه مشابهاً لبيان الرئاسة الأولى ولموقف حزب الله الذي قرّر أن يجلس في الصفوف الخلفيّة “خلف الدولة”، موافقاً على الوصول إلى اتفاق على الخطّ 23.
فُتِحَ بازار المزايدات في ملفّ ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. منها ما يدخل في خانة الحرص الحقيقي على ثروات لبنان وحدوده، ومنها ما يدخل في “التزريك” لمصالح متفرّقة بحسب أصحابها
فما هو المستجدّ الذي أعاد النقاش إلى مربّعه الأوّل، وجعل حزب الله يعيِّن نوّاف الموسوي لمتابعة الملف بعدما كان قد استبعده على خلفيّة إشكال عائلي خاصّ تحوّل إلى قضيّة رأي عامّ بعد خروجه إلى العلن؟
بالطبع أعادت السفينة اليونانية تحريك الملف الذي توقّف البحث فيه بعد مغادرة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبنان إثر زيارته الأخيرة في شباط الماضي، متوجّهاً إلى إسرائيل. هناك حصل على ردّ الإسرائيليين الذي يرتكز على مطالبتهم باعتماد الخط 23 نزولاً إلى خط هوف. يومذاك طلب هوكشتاين من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا إبلاغ الجانب اللبناني بالردّ الإسرائيلي على أن يقدّم لبنان، بكلّ مسؤوليه لاحقاً، جواباً خطيّاً يتضمن موقف لبنان الموحّد من العرض الإسرائيلي الأخير.
عبّر رئيس الجمهورية ميشال عون بعد الزيارة عن موقفه القائم على أنّ حقّ لبنان هو في اعتماد لبنان الخط 23، لكن مع المحافظة على حقّ لبنان في حقل قانا كاملاً. غير أنّ هذا الموقف لم يُترجَم بردّ مكتوب وصل إلى هوكشتاين.
جان عزيز وcredit عون
يقول المتابعون لهذا الملف إنّ عون أخطأ في هذا التصريح. ليس لأنّ لبنان يستطيع فرض اعتماد الخط 29، بل لأنّه أضعف موقف لبنان التفاوضي، ولا سيّما أنّ الأميركيين سبق أن عرضوا “الخط 23 +” على لبنان، يوم كان الوفد العسكري يفاوض. فأتى مَن هو في فريق رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر ليقول لهم “هيداcredit لقائد الجيش”، كما ينقل الكاتب السياسي جان عزيز المكتفي بالشفهي من الكلام هذه الأيام.
في المقابل، يستغرب المعنيّون في قصر بعبدا هذا الكلام، ويؤكّدون أنّ هوكشتاين لا ينتظر جواباً مكتوباً لأنّ المفاوضات لا تزال قائمة، وإذا اعتُمد الخط 29 فإنّه يصل في البحر إلى داخل الأراضي المحتلة، ولذلك ليس هذا الخطّ واقعيّاً، بل إنّ مصلحة لبنان تقتضي اعتماد الخط 23 وفرض حقّ لبنان في حقل قانا كاملاً على الأميركيين والإسرائيليين.
هذا ليس موقف بعبدا فقط، بل هو موقف برّي وميقاتي أيضاً وحزب الله من خلفهم. إلا أنّ المزايدات وضعت هذه المقاربة موضع شكّ واستدرجت حزب الله إلى نقاش حول “وجوب تدخّله للمحافظة على حقوق لبنان الطبيعية”.
استُدرج الحزب بعدما كان يضع الملف في عهدة باسيل على اعتبار أنّ “باسيل خضع لعقوبات على خلفية تمسّكه في البدء بالخط 29″، فعيّن حزب الله النائب السابق نواف الموسوي وصيّاً على هذا الملف.
يأخذ بعض المعنيّين على الحزب أنّه خضع لابتزاز ودخل في سجالات ومفاوضات يُفترض بالأساس أن تكون سرّية ومحصورة بين الدولة اللبنانية والمفاوض الأميركي، لا أن تكون مفاوضات معروضة لمزايدات على مواقع التواصل الاجتماعي.
يفترض أن يعود هوكشتاين إلى لبنان نهاية هذا الأسبوع ليسمع من الجانب اللبناني موقفاً موحّداً ومقاربة واحدة لأزمة الترسيم، ومن أجل ذلك يستقبل وزير الخارجية عبد الله بو حبيب السفيرة الأميركية، ويجول على الرئاسات لصياغة موقف لبنان.
هذا الموقف اختصرته تغريدة لباسيل أمس قال فيها إنّه “لا يكفي وقوف الباخرة جنوب الخط 29 طالما هي فوق كاريش. ولا يكفي أن تقول إسرائيل إنّها ستستخرج الغاز من الجهة غير المتنازَع عليها طالما الحقل واحد”.
إقرأ أيضاً: هل نخسر قانا بعد كاريش؟
الآن تسنح فرصة الحلّ قبل أن يودع لبنان الخط 29 رسميّاً فيتحوّل من تفاوضي إلى قانوني. والآن يحين الوقت لفرض معادلة: “لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا”.
إذاً “كاريش مقابل قانا” هي المعادلة التي يمكن أن يطرحها لبنان، وهي معادلة تعني اعتماد الخط 23 مع حقل قانا كاملاً. فإن حصل التوافق على هذه الصيغة يكون لبنان قد حقّق انتصاراً على إسرائيل التي تريد أن تعيده إلى الخط 1 أو إلى خط هوف. أمّا إذا سجّل الموقف اللبناني تراجعاً عن الخطّ 23 فنكون قد دخلنا في مأزق سياسي شعبيّ لن يكون حزب الله بمعزل عنه.