نجحت “عواصف القمم”، التي انعقدت في أيّام قليلة من شرم الشّيخ وصولاً إلى النّقب مروراً بالعقبة، في “فرملة” اندفاع الإدارة الأميركيّة نحو رفع الحرس الثّوريّ الإيرانيّ عن لوائح الإرهاب. هذا ما تشير إليه الأنباء الآتية من العاصمة النّمساويّة فيينا.
لم تكُن واشنطن مرتاحة لرؤية حلفائها في الشّرق الأوسط ينتفضون ضدّها، خصوصاً فيما تنشغل عاصمة القرار بمُتابعة الدّب الرّوسيّ الذي خرجَ ليقتحم حدود أوكرانيا، وتنشغل أيضاً في إبقاء عينها الأخرى على التّنّين الصّينيّ المُتربّص في المحيط الهادئ وشرق آسيا.
لا تعني “الفرملة” أنّ واشنطن تراجعت عن حلّ النّقطة المحوريّة في إعادة إحياء الاتفاق النّوويّ.
لم تقف المعارضة لتسوية وضع الحرس الثوري الإرهاب عند حدود السياسة، بل وصلت إلى المؤسسة العسكريّة وإن بحدّية أقلّ
في طهران، يُعدّ “رفع الباسدران” عن لوائح الإرهاب الأميركيّة مطلباً إيرانيّاً وبمنزلة خطٍّ أحمر. وهو بالمناسبة آخِرة القضايا العالقة قبل العودة النّهائيّة إلى خطّة العمل المُشتركة JCPOA، وإلا نصل إلى انهيار المُفاوضات بالكامل.
ضغطٌ داخل البيت الدّيمقراطيّ
يُواجه فريق الرّئيس الأميركيّ جو بايدن “ضغطاً عابراً للحدود”، يتمثّل بحلفاء واشنطن في الشّرق الأوسط الذين يعارضون أيّ خطوة أميركيّة من شأنها تعويم الحرس الثّوريّ الإيرانيّ، أو ضخّ المليارات إلى النّظام الإيرانيّ ومعه الأذرع المُنتشرة على خارطة المنطقة.
لكن لم يكن الضّغط العربيّ – الإسرائيليّ هو العامل المُؤثّر الوحيد في فرملة “تشريع الحرس الثّوريّ”.
في العاصمة الأميركيّة واشنطن، ظهرت مُعارضة من داخل بيت بايدن “الحزب الدّيمقراطيّ”. هُناك، رفَع 18 نائباً ديمقراطيّاً الصّوت عالياً بوجه إدارة بايدن: “لن نقبل باتفاق سيّئ مع إيران”.
قال النّائب عن ولاية نيو جيرسي جوش جوتهايمر، الذي يقود “الحراك الدّيمقراطي” إلى جانب النّائبة عن ولاية فرجينيا إليان لوريا: ” أثبتت إيران أنّه لا يمكن الوثوق بها. حان الوقت للوقوف بحزم ضد الإرهابيين والتّمسّك بِقيم الولايات المتحدة”.
بيت القصيد في الحراك الدّيمقراطيّ هو رفض “الاتفاق السيّئ والقصير الأمد” وليسَ مبدأ الاتفاق مع إيران. أعادت المعارضة داخل “بيت بايدن” خلط الأوراق بشأن “الباسدران”. كان الفريق المُفاوض برئاسة روبرت مالي، مدعوماً من وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان، يسعى إلى إتمام الاتفاق ولو بثمن رفع “الحرس” عن لوائح الإرهاب، وذلك فيما كان العالم مُنشغلاً بالحريق المُندلع في أوكرانيا.
لم تقف المعارضة لتسوية وضع الحرس الثوري الإرهاب عند حدود السياسة، بل وصلت إلى المؤسسة العسكريّة وإن بحدّية أقلّ. إذ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، إنه لا يؤيد رفع “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وذلك أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ.
اللافت أنّه لم يعارض رفع الحرس الثوري الإيراني عن لوائح الإرهاب، إنما اقتصرت معارضته على “فيلق القدس”، الذراع الخارجية الحرس والمدرج على لوائح الإرهاب منذ 2007 وليس بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النّووي.
اغتيال بومبيو وبولتون
يرفُض مسؤولٌ أميركيٌّ مُطّلعٌ على أجواء المُفاوضات التّعليق بشكلٍ مُباشر على سؤال “أساس” عن إمكان تخلّي واشنطن عن اقتراحها برفع الحرس الثّوريّ عن قوائم الإرهاب. لا يُؤكّد أو ينفي المسؤول أنّ واشنطن تخلّت عن عرض رفع “حرس الثّورة” عن لوائح الإرهاب، ويشير إلى أنّ واشنطن تُريد من طهران أن تُعلن التزامها خفضَ التّصعيد في الشّرق الأوسط، وذلك لِما سمّاه “طمأنة الحلفاء”.
أبلغت إيران أنّها لن تُقدّم التزاماً كهذا. وكانت واضحةً التّحرّكات التي تعمّدتها طهران عبر الحرس الثّوريّ في المنطقة، إن بقصف أربيل شمال العراق، أو بقصف منشأة آرامكو في جدّة عبر الحوثيين.
لكنّ هذا لم يكن المطلب الأميركيّ الوحيد. إذ كشَف المسؤول الأميركيّ لـ”أساس” أنّ واشنطن طلبت عبر المبعوث الأوروبيّ أنريكي مورا الذي زار طهران قبل أيّام، ضماناتٍ إيرانيّة تتعلّق بأمن شخصيّات من إدارة الرّئيس السابق دونالد ترامب، خصوصاً وزير الخارجيّة السابق مايك بومبيو ومُستشار الأمن القوميّ السابق جون بولتون.
تعتبر واشنطن أنّ طهران تعمل بشكلٍ جدّيّ على استهداف بومبيو، المُقرّب من ترامب والمُرجّح أن يترشّح لمنصب نائب الرّئيس إلى جانبه في 2024، انتقاماً لمقتل قاسم سليماني. وقد وصلت تقارير وصفها المصدر الأميركيّ بـ”الجدّيّة” في هذا الشأن، الأمر الذي دفع إدارة بايدن إلى تكبّد ملايين الدّولارات شهريّاً لحماية بومبيو وبولتون.
ويكشف المسؤول الأميركيّ لـ”أساس” أنّ أقرب الحلول المُقترحة لمُعضلة “الحرس الثّوريّ” قد يكون رفعه عن قائمة المُنظّمات الإرهابيّة، وإبقاء العقوبات المفروضة عليه. ويعتبر أنّ إبقاء العقوبات مفروضة على الحرس الثّوريّ من شأنها أن تُطمئنَ الحلفاء والمُعترضين في الدّاخل الأميركيّ، إذ سيكون حينئذٍ رفعه عن قوائم الإرهاب “خطوة رمزيّة”، بحسب المسؤول الأميركيّ.
ختاماً يُصرّ المسؤول أنّ بلاده قامت بما عليها، والكُرة في ملعب طهران لاتّخاذ القرار النّهائيّ الذي “يُنقذ مصير الاتفاق”.
أشار إلى هذا الرّأي بطريقة غير مُباشرة مدير الملفّ الإيرانيّ في “مجموعة الأزمات الدّوليّة” ICG علي فايز بقوله في حديثٍ لـ”Radio Free Europe”: “إدراج الحرس على لوائح الإرهاب لم يُؤثّر على سلوكه أو نفوذه، بل جعله أكثر وقاحة”. جدير بالذّكر أنّ فايز هو أحد المُقرّبين من المبعوث الأميركيّ إلى إيران روبرت مالي، الذي كان يشغل رئيس مجلس إدارة الـICG قبل تسلّمه مهمّته “الإيرانيّة”.
بينيت وبلينكن: لا اتّفاق!
على وقع “القِمَم الشّرق أوسطيّة”، وصلَ وزير الخارجيّة الأميركيّة أنتوني بلينكن إلى المنطقة، بل وشارك في قمّة النّقب التي ضمّت إليه وزراء خارجيّة إسرائيل، مصر، الإمارات، البحريْن، والمغرب في 27 آذار المُنصرم.
على هامش زيارته للأراضي المُحتلّة، التقى بلينكن بأكثر القلقين من إيران، رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.
تشير مصادر الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إلى أنّ وجهات النّظر بين بلينكن وبينيت لم تُكن مُتطابقة في جميع الملفّات، خصوصاً في الملفّ الإيرانيّ. وقد طلبَ وزير الخارجيّة الأميركيّ من رئيس الوزراء الإسرائيليّ أن يقول له ما تقترحه تل أبيب من أجل أن يكون الاتفاق النّوويّ “قويّاً ومُستداماً ويمنع إيران من حيازة السّلاح النّوويّ”. وحذّر بلينكن مضيفه الإسرائيليّ من أنّه في حال لم تتمّ العودة إلى الاتفاق النّوويّ بسرعة، فإنّ إيران ستطوّر قدراتها “النّوويّة – العسكريّة” خلال أسابيع.
كان بينيت يُصرّ في الجلسة أمام كبير الدّبلوماسيين الأميركيين على أنّ الاتفاق النّوويّ “خطأ”، وأنّه لن يُعرقل البرنامج النّوويّ الإيرانيّ.
إقرأ أيضاً: موسكو باعت فيينّا لتل أبيب.. أين سترد إيران؟
بحسب المصدر فقد قال بينيت لبلينكن: “ستتأخّر إيران سنوات قليلة في إنتاج القنبلة النّوويّة، فيما تجمع المليارات وتوزّع الأسلحة على وكلائها. في حال أتممتم مهمّتكم في العودة إلى الاتفاق، فسيتعيّن علينا نحن أن نتعامل مع هذا الأمر”.
هكذا تترقّب الدّول العربيّة وتل أبيب ما سيخرج من مُحادثات فيينا، وليسَ اجتماع النّقب سوى الخطوة الأولى في هذا الاتجاه… فيما تُريد واشنطن ضمان “أمن بومبيو وبولتون”.