تُعدّ تجربة “شمالنا” إحدى أكثر تجارب القوى التغييريّة في لبنان نجاحاً حتى الآن. فهي، وعلى الرغم من كونها تخوض الانتخابات في دائرة صعبة أُطلق عليها “دائرة الرؤساء”، إلّا أنّها نجحت في تجاوز فِخاخ الانقسام، واختطّت مساراً مُغايراً عن باقي القوى التغييرية في طريقة اختيار مرشّحيها، الأمر الذي جعلها اللائحة التغييريّة الأولى التي ترى النور، في حين لا تزال القوى الزميلة في باقي الدوائر تتخبّط في ثنايا التفاصيل وزحمة الترشيحات.
بيد أنّ لائحة ائتلاف “شمالنا”، التي تعتبر أنّ الوضوح في الخطاب السياسي هو مفتاح الفوز، تبقى كما باقي قوى التغيير عرضةً للتشكُّك لناحية “النقاء الثوري” لبعض أعضائها، ولا سيّما مع المحاولات التي لا تنتهي من قوى السلطة التقليدية لاختراقها.
وديعتان للقوميّ؟
كتب بشير الدويهي، أحد أعضاء الماكينة الانتخابية لحزب القوات اللبنانية في زغرتا، على فيسبوك متحدّثاً عن لائحة “شمالنا”، فقال إنّها “خلقت جدلاً واسعاً في الشمال الثالثة، بين مَن يعتبر أنّها تعبّر عن الخط الثوري النقيّ، وبين مَن يرى فيها خليطاً من مجموعة يساريين مستقلّين، وبين مَن يتّهمها بأنّها جزء من اليسار الممانع، أي يسار حزب الله”.
لائحة ائتلاف “شمالنا”، التي تعتبر أنّ الوضوح في الخطاب السياسي هو مفتاح الفوز، تبقى كما باقي قوى التغيير عرضةً للتشكُّك لناحية “النقاء الثوري” لبعض أعضائها
لكنّ الدويهي اعتبر أنّ فوز هذه اللائحة بمقعد أو أكثر سيصبّ في النهاية في خانة معارضي حزب الله. وقال إنّه بالنظر إلى معرفته الشخصية ببعض المرشّحين المنتمين سابقاً إلى خطّ “14 آذار”، فقد فوجئ بوجود اختلاف بين مرشّحي اللائحة في الكورة عن زملائهم في زغرتا وبشرّي والبترون، وتحديداً المرشّح سمعان بشواتي والمرشّحة فدوى كلّاب اللذين قال إنّهما ينتميان “إلى بيئة قومية سورية من صلب الممانعة، وبالتالي هما وديعتا الحزب السوري القومي على لائحة الثورة”. ولفت في ختام منشوره إلى أنّ “انعدام فرص الفوز للائحة “شمالنا” في بقيّة الأقضية، ما عدا الكورة، جعلها بمنأى عن حملات حزب الله وحلفائه، على عكس حال مرشّحي القوات وباقي القوى المعارضة”.
واصف الحركة وحزب الله معاً؟!
قال الدويهي إنّ منشوره يعبّر عن رأيه الشخصي حصراً، وهو تعليق على مقال مجهول الكاتب والنَسَب نُشِر على صفحة مجموعة تُدعى “أخبار زغرتا – إهدن”. وأكّد لـ”أساس” أنّ المرشّح سمعان بشواتي ينتمي إلى عائلة قومية، وأنّه هو نفسه كان حزبيّاً، وأنّ أشقّاءه لا يزالون يحملون البطاقات الحزبية القومية، والأمر عينه ينطبق على المرشّحة فدوى كلّاب التي تنتمي إلى بيئة قومية.
كان المرشّح على اللائحة الزميل رياض طوق قد أشار على فيسبوك إلى هذا المقال، ودعا كاتبيه إلى أن يفصحوا عن أنفسهم لمواجهتهم. أمّا المقال فهو يتّهم لائحة “شمالنا” بأنّها “لائحة حزب الله ذات الوجه الثوري”(!). ويذكر أنّ أحد أخوة المرشّح بشواتي كان في عداد المتورّطين في إعداد كمين للنائب نديم الجميل في الكورة (!)، وأنّ المايسترو واصف الحركة، حسبما ورد في النص، هو مَن قام بإدراج اسم المرشّحة فدوى كلّاب على لائحة “شمالنا” بتزكية من الحزب القومي السوري.
الخائف يُفبرك
أصدرت المرشّحة عن المقعد الأرثوذكسي في الكورة (3 مقاعد أرثوذكسية في القضاء) فدوى كلّاب بياناً استنكرت فيه المقال ونفت الاتّهامات الواردة فيه جملةً وتفصيلاً. وسخرت كلّاب من اتّهامها بالانتماء إلى الحزب القومي، وأكّدت لـ”أساس” أنّه “اتّهام سخيف ولا ينمّ إلّا عن قلّة حيلة وضعف مُطلقيه ومَن يقف خلفهم”.
تُعدّ تجربة “شمالنا” إحدى أكثر تجارب القوى التغييريّة في لبنان نجاحاً حتى الآن. إلّا أنّها نجحت في تجاوز فِخاخ الانقسام
قالت كلّاب، المتحدّرة من بلدة أميون، الشهيرة بأنّها أحد معاقل القوميين في لبنان، لـ”أساس” إنّها وعائلتها أيضاً ليس لديهم أيّ انتماء حزبي، “لكنّنا حريصون كعائلة على نسج أفضل العلاقات الاجتماعية مع الجميع أيّاً كانت انتماءاتهم وأفكارهم، وقد سبق لي الترشّح عام 2018 ضمن لوائح المجتمع المدني أيضاً”.
أضافت أنّ “ائتلاف شمالنا يشتمل على أناس من مشارب سياسية واجتماعية مختلفة، اجتمعنا من أجل مصلحة الوطن لا من أجل النميمة والثرثرة الفارغة”، واستغربت هذا النوع من الدعاية الانتخابية قائلةً: “هل بهذه الطريقة يتمّ نيل ثقة الناخبين؟ الأَوْلى هو القيام بعرض الإنجازات والمشاريع لا التجنّي والكذب واختلاق وقائع غير صحيحة”.
بشواتي: لست قوميّاً ولن أكون
بدوره قال المرشّح عن المقعد الأرثوذكسي في الكورة سمعان بشواتي لـ”أساس” إنّ عائلته قوميّة، “وهذا أمر لا أخجل منه”. وتابع: “لقد اتّخذت قراراً بألّا أكون حزبيّاً، في الأمس واليوم وغداً. عائلتي لديها خيارها السياسي وانتماؤها اللذان لا يؤثّران إطلاقاً على علاقتي بها. أعلم أنّ الخروج من التعليب الطاغي هو أمر صعب جدّاً، ولا سيّما في ظلّ صعوبة اقتناع الناس باستقلاليّة شخص ينتمي إلى عائلة حزبية، لكنّ ذلك جزء من واقع موجود لدى الجميع”.
وأضاف بشواتي: “الطريف أنّ البعض يتّهمني بأنّني قوميّ، فيما يتّهمني القوميون بأنّني أغرّد خارج السرب. هي معادلة معقّدة، لكنّني أؤكّد أنّني لست قوميّاً، ولن أكون”.
أمّا عن اتّهام أحد أشقّائه بالضلوع في محاولة اغتيال النائب نديم الجميّل فاعتبره بشواتي “اتّهاماً سخيفاً، لكن حتى لو افترضنا صحّة هذا الاتّهام، فأنا غير معنيّ به أبداً”.
نفي غير نهائيّ
يبدو واضحاً أنّ نفي بشواتي ليس نهائياً. لكن في النهاية، تبقى الخلفيّة الحزبية للمرشّحين على لوائح القوى التغييرية أو لعوائلهم هي البوّابة التي سيحاول كلّ خصوم هذه القوى ومنافسيها ولوجها للحطّ من قدرهم الانتخابي. فهذا تكتيك انتخابي، والانتخابات هي معركة تُستلّ فيها جميع الأسلحة، وخاصة غير المشروعة منها. وهو أمر لن يكون قاصراً على “شمالنا”، بل ستتعرّض كلّ اللوائح التغييرية لاختبار عمق نقائها الثوري.
إقرأ أيضاً: تفكّك المعارضات: خطر على التمويل… وعلى اللوائح
لكن يبقى السؤال عن مدى قدرة حزب الله على اختراق قوى التغيير في كلّ الدوائر الانتخابية، في ظلّ كثرة المرشّحين الذين ينسّقون معه من تحت الطاولة، ولا سيّما السُنّة منهم.