الابتزاز الانتخابيّ بين الحزب والأسد

مدة القراءة 6 د

لطالما كانت الصدامات السياسية والاستراتيجية بين الدول العظمى تنتج حيويّة سياسية في المجتمعات التي تتأثّر بها. هذا ما يقوله التاريخ ويثبته. فاستقلال لبنان في العام 1943 كان إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية والاختلاف الفرنسي البريطاني تحت سقف التحالف الكبير بينهما. فانتهز اللبنانيون الفرصة. وكان في فرنسا قائد ثورة هو شارل ديغول وجد نفسه مندفعاً إلى القبول بمطالب اللبنانيين بالاستقلال بعدما ساعدهم البريطانيون.

قامت الثورة السورية الكبرى في خضمّ صراع دولي ذي بعد استراتيجي، وكانت إرهاصاتها قد بدأت قبل سنوات حين خرج سوريون من مختلف المذاهب والأعراق واجتمعوا على كلمة واحدة للمطالبة بسوريا موحّدة بدلاً من التقسيم الذي حاول الجنرال غورو فرضه بتأسيس خمس دويلات فيها. حتى الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين قامت واستفادت من وقائع الحرب العالمية الأولى والصراع البريطاني الفرنسي مع السلطنة العثمانية.

. يحاول النظام السوري ابتزاز حزب الله، فيما يحاول الحزب أن يوحي للنظام بأنّه بوّابته ومدخله إلى العودة إلى لبنان

لا يمكن إغفال تداعيات الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا على الساحة العالمية. هو صراع يؤثّر في العالم أجمع، وقابل لأن يزرع الشقاق بين حلفاء وأصدقاء ويجمع بين خصوم وأعداء. وغالباً في مثل هذه الحالات لا بدّ لأصحاب أيّ مشاريع سياسية وطنية أن يعودوا إلى الإيمان بقضيّتهم، ومراكمة المواقف على إيقاع التحوّلات الخارجية، ومحاولة الاستفادة منها لتحقيق المكاسب الداخلية بناء عليها. توافرت مثل هذه الفرصة أمام اللبنانيين بعد حرب العراق واغتيال الرئيس رفيق الحريري، فاستثمر لبنان تلك التحوّلات الدولية في الشرق الأوسط ونجح في إخراج الجيش السوري من لبنان. لكنّ النتيجة جاءت معاكسة فيما بعد لمجموعة أسباب، بعضها خارجي وبعضها الآخر داخلي.

يشهد العالم مرحلة تحوُّلية، أبرز معالمها الموقف الروسي من الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، إذ تحاول موسكو رفع السقوف في التفاوض. فليس من مصلحتها توقيع الاتفاق في هذه المرحلة. لذلك فرضت شروطاً تتعلّق بالحصول على ضمانات بعدم تأثّر التعاملات الروسية الإيرانية بفعل العقوبات على موسكو. وهو موقف أثار استغراب الإيرانيين وغضبهم لأنّ من شأنه تأخير إبرام الاتفاق أو عرقلته. وستكون لذلك نتائج متعدّدة تنعكس في سوريا والمنطقة ككلّ، ويمكن للبنان الاستفادة منها.

 

روسيا في سوريا.. سوريا في لبنان

في سوريا تحاول طهران أن تستغلّ الانشغال الروسي في أوكرانيا لتعزيز وتثبيت نفوذها وتوسيعه. لكنّ ذلك لن يؤدّي إلى أيّ تحسّن في الوقائع اليومية للسوريين خصوصاً. فالعرب وحدهم هم القادرون على تحسين الوضع في سوريا، وهم وحدهم أيضاً القادرون على تغيير الوقائع اللبنانية وفرض استعادة التوازن السياسي. وهنا يمكن الاستثمار في الضياع السوري بين الروس من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى.

من ناحيته، يحاول النظام السوري التغطية على حالة الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني لديه من خلال تقديم صورة تُظهر أنّه يستعيد عافيته ويتمكّن من إعادة فرض أمر واقع في لبنان من خلال تدخّله في الانتخابات. يحاول النظام ابتزاز حزب الله، فيما يحاول الحزب أن يوحي للنظام بأنّه بوّابته ومدخله إلى العودة إلى لبنان، وهي تكفي معنوياً لإشعاره بالانتصار، مقابل احتفاظ الحزب بنفوذه في سوريا. انطلاقاً من هنا يسعى النظام السوري إلى ترشيح شخصيات سنّيّة ودرزية وشيعية محسوبة عليه في انتخابات لبنان النيابية، ولا سيّما في مناطق الأطراف، إمّا من خلال مرشّحي حزب البعث في البقاع الشمالي، أو محاولة ترشيح شخصيات بعثية سنّيّة في عكار والبقاعين الغربي والأوسط. يسعى أيضاً النظام السوري إلى إعادة ترشيح بعض الرموز المسيحية الموالية له، من دون أن ينسى الشخصيات الدرزية. إضافة إلى مرشّحي الحزب القومي السوري من مرجعيون إلى المتن والكورة.

يبدو أنّ النظام السوري يحاول استغلال ضياع خصومه ومحاربتهم والانتقام منهم بمفعول رجعيّ، مستفيداً من حالة التضعضع والاتجاه السنّيّ إلى مقاطعة الانتخابات

في هذا الصدد كانت لافتة زيارة الأمين العام لحزب البعث علي حجازي لمنطقة راشيا الوادي، حيث قام بعقد لقاء للبعثيين بناء على طلب سوري. ويبدو أنّ قيادته في دمشق طلبت منه دخول بعض المناطق والتجييش لمرشّحين محسوبين على السوريين. والهدف هو تطويق وليد جنبلاط ومرشّحه في دائرة البقاع الغربي – راشيا وائل أبو فاعور، وذلك في ظلّ تسريبات إعلامية أوحت أخيراً بنشوب معركة في هذه الدائرة على المقعد الدرزي.

بحسب المعلومات، فقد نقل حجازي قراراً واضحاً من السوريين بدعم طارق الداوود بهدف إسقاط أبو فاعور بناء على اتفاق بين حزب الله والنظام السوري. وقد أبلغ حزب الله سرايا المقاومة بتنظيم عمل عناصرها في البيئتين الدرزية والسنّيّة لمصلحة طارق الداوود.

 

الانتقام في بيروت

بناء على هذه الصورة يبدو أنّ النظام السوري يحاول استغلال ضياع خصومه ومحاربتهم والانتقام منهم بمفعول رجعيّ، مستفيداً من حالة التضعضع والاتجاه السنّيّ إلى مقاطعة الانتخابات. وهو يحاول الانتقام من بيروت أيضاً سواء من خلال لائحة حزب الله أو لائحة الأحباش أو غيرهما.

أمام هذه الوقائع لا بدّ لكلّ القوى والشخصيّات المعارضة للنظام السوري ولحزب الله العودة إلى الالتقاء على موقف سياسي موحّد قبل الانتخابات، ووضع برنامج سياسي قادر على الاستثمار في كلّ التحوّلات على الصعيد العالمي لتحصيل مكاسب سياسية:

أوّلاً من خلال إعادة إحياء تحالف 14 آذار.

ثانياً من خلال التحالف في لوائح انتخابية موحّدة.

ثالثاً من خلال العودة إلى الشارع، ليس من أجل التظاهر هذه المرّة، إنّما لإحياء الحيوية السياسية مع الناس من خلال عقد جلسات نقاش ودورات تثقيف سياسي من شأنها استنهاض اللبنانيين.

إقرأ أيضاً: استحالة المقاطعة: لا مكان للسنّة خارج الدولة

رابعاً الانتفاض على كلّ محاولات التخريب الإعلامي التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ فترة إلى اليوم تحت عنوان “كلّن يعني كلّن”، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي على أسس واضحة ذات بعد استراتيجي.

خامساً التراجع عن الأخطاء التي ظهرت في اندفاع البعض، كالنائب نهاد المشنوق بإعلانه العزوف عن الترشّح، وتفعيل الحماسة لخوض المعركة ولتأسيس تجمّعات سياسية عابرة للطوائف والمناطق تشكّل حركة تحرّرية جديدة تتمكّن من فرض وقائع سياسية جديدة.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…