ولدت اليوم “مؤسّسة لقمان سليم”، التي أنشأتها عائلة المثقّف والكاتب السياسي اللبناني الصديق لقمان سليم، مؤسّس دار “الجديد”، وأصدقاؤه. وذلك حرصاً على استمرارية الإرث الفكري للقمان. وإحدى مهامّها الأساسية توثيق الاغتيالات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودراستها والإحاطة بها من عدّة جوانب، سواء القانونية منها أو المجتمعية أو السياسيّة، وفتح باب الحوار والنقاش حول خطورة ما نواجهه. إذ إنّ هذه الممارسات متجذّرة في سياسات الكثير من الأنظمة، ونتائجها فادحة على مستقبل المجتمعات.
رفعت الحملة شعار #العار_لكاتم_الصوت. أمّا بالإنكليزية # Louderthansilencers.
وقالت المؤسّسة في بيانها إنّ الهدف الرئيس هو كسر الصمت المرتبط بجرائم الاغتيال السياسي، فوقْع ذلك الصمت بحسب البيان “سلبيّ بقدر الكواتم التي تُستخدَم لإخفاء صوت الجريمة”.
غياب التحقيق الجدّي
على الرغم من الاهتمام الواسع الذي رافق الاغتيال وتجلّى في بيانات دعم من أفراد ومؤسسات عربية ودولية، فإنّ الواقع الفعلي يؤكّد غياب أيّ آليّات لإجراء تحقيقات جدّيّة حول الواقعة تساهم في الكشف عن مرتكبي الجريمة التي سبقتها حملات استهدفت الإساءة إلى الراحل ومواقفه الفكرية، وكانت أقرب إلى ممارسة الاغتيال المعنوي، وتطوّرت فيما بعد إلى جريمة سياسية بشعة متكاملة الأركان بعد مواقف سياسية جريئة أطلقها ضدّ النظام السياسي الحاكم فى لبنان والسلاح غير الشرعي الموجود لدى بعض القوى السياسية.
سيعيش لقمان سليم في سيرته أكثر ممّا توقّع لأنّ هذه السيرة ارتبطت دوماً بالمعرفة، والمعرفة لا تموت
دعت مؤسّسة لقمان سليم جميع المعنيّين بالموضوع إلى المشاركة في الحملة والقيام بالتدوين عن تجارب الاغتيال السياسي ودوافعه، وبدءاً من اليوم: “لأنّ هذه الوقفة الجامعة المناهضة لثقافة القتل والإفلات من العقاب هدفها العمل التدريجي على إعادة توجيه البوصلة نحو مجتمعٍ يرفض هذه الممارسات وقضاءٍ يدينها. فعلى اختلاف ضحايا الاغتيالات من مثقّفين أو سياسيين أو غيرهم والأطراف الضالعة فيها، الاغتيال السياسي هو منظومة ممنهجة مسمّاها القتل الانتقائي لغايات لا تهدف فحسب إلى إنهاء حياة الضحية، بل أيضاً إلى تطويع ما تبقّى من الأفراد عبر آليّة الخوف، فهي بمنزلة قصاصٍ جامعٍ يمسّنا كلّنا”.
يشير واقع الحال إلى أنّ عائلة لقمان، التي تعمل بكامل أفرادها في مجالات الفكر والثقافة، لم تقصِّر طوال عام في التذكير بالأدوار التي أدّاها الراحل لخدمة الثقافة العربية والإنسانية، وتمثّلت في عطاء فكري ممتدّ وكتابات مهمّة عن التراث والفكر العربي، بالإضافة إلى عمله في مجال النشر الذي نال بسببه تقديراً عالمياً وعربياً بعدما تحوّل إلى شهيد جسّد معاناة أصحاب الكلمة في عالمنا العربى.
جوائز “الجديد” ولقمان
قد نالت دار “الجديد”، التي أسّسها مع شقيقته الكاتبة رشا الأمير، جائزة معرض أبو ظبي للكتاب خلال دورته الماضية، ونال اسمه جائزة فولتير التي يمنحها الاتحاد الدولي للناشرين من خلال لجنة حرّيّة النشر التابعة للاتحاد. ولعب الناشر المصري شريف بكر دوراً في تعريف أعضاء الاتحاد بالظروف التي أحاطت بجريمة الاغتيال، كاشفاً عن الرحلة التي قطعتها دار “الجديد”، التي تُعتبر واحدة من أبرز دور النشر العربية التي اعتنت بدعم الأصوات الإبداعية الطليعية في العالم العربي عبر نشر أعمال خالية من الصراع الأيديولوجي أو الحزبي إلى جانب التعريف بالتراث النهضوي المسكوت عنه والانفتاح على تجارب عالمية كان لها أثر واضح في رسم ملامح الحداثة العربية في الثلاثين عاماً الأخيرة.
تسلّمت رشا الأمير الجائزة نهاية شهر تشرين الثاني الماضي خلال انعقاد معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. واستعادت من جديد سيرة لقمان سليم بين رفقاء مهنته التي تستهدف قبل أيّ شيء إنارة العقول والكشف عن طيور الظلام.
إقرأ أيضاً: ذكرى لقمان سليم: أين التحقيق؟
سيعيش لقمان سليم في سيرته أكثر ممّا توقّع لأنّ هذه السيرة ارتبطت دوماً بالمعرفة، والمعرفة لا تموت، وحتى بعد عام من وفاته يعود اسمه مكلّلاً بعطاء جديد تمثّل في تحقيق بديع قدّمه لكتاب “نسوان من لبنان” لصحافي لبناني من زمن النهضة هو إسكندر رياشي المولود في العام 1890.
وكما أوضح الكاتب حازم صاغية في المقدّمة التي كتبها للكتاب فإنّ لقمان، وهو يحتفل بإسكندر رياشي، إنّما يحتفل بلبنان الملوّن، فكأنّه كان يحدس بأنّ اللون الواحد والرواية الواحدة يقتلان. وبالفعل ما لبث هذان الواحدان أن انقضّا على لقمان نفسه.
* نقلاً عن الشروق المصرية