خروج الحريري: الحزب أكثر المربَكين؟

مدة القراءة 5 د

صحيح أنّ النائب وليد جنبلاط كتب على تويتر قبل أيام أنّ “المختارة يتيمة”. لكنّ الأصحّ أنّ حارة حريك هي التي تشعر باليتم الحقيقي. فأكثر المربَكين من قرار الرئيس سعد الحريري هو حزب الله. لأنّه فقد شريكه السنّي الأساسي، ولو من موقع الخصومة أحياناً، الذي شاركه في حكومات ربط النزاع، وقبلها في حكومات الوحدة الوطنية، منذ التحالف الرباعي، حين كانت دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا تزال حارّة في وسط بيروت.

حزب الله بات عاجزاً عن ملء هذا الفراغ الكبير. والوضع الحالي بات يشبه مرحلة العام 2000. بمعنى أوضح، ليس بالضرورة أن تكون السنّيّة السياسية ضعيفة عندما تخرج من السلطة. وقد تعود أقوى كما حصل مع رفيق الحريري في بداية الألفية الثالثة.

صحيح أنّ النائب وليد جنبلاط كتب على تويتر قبل أيام أنّ “المختارة يتيمة”. لكنّ الأصحّ أنّ حارة حريك هي التي تشعر باليتم الحقيقي

وكما يبدو، يسعى هذا الخروج إلى رمي الكرة في ملعب الطرف الآخر، وإسقاط كلّ المسؤوليّات بين يديه. أيّ طرف يكون خارج السلطة في مثل هذه الظروف سيكون أقوى. وأي عودة قوية يجب أن تستند إلى مشروع سياسي واضح ومتكامل، بغضّ النظر عن رمزيّة الشخصية أو المجموعة التي ستكون حاضرة في صلب تلك اللعبة.

وعليه تتكرّس قاعدة حاليّاً مرتكزها أنّ الطرف الممثّل لحزب الله وإيران هو الذي يمثّل السلطة ويجسّدها، ولذلك يتحمّل مسؤولية ما يجري، فيما الطرف الذي أصبح خارج السلطة سيكون أقوى. وهذه بحدّ ذاتها نقطة قوّة يمكن استثمارها لقلب قواعد اللعبة التي كان يمارسها حزب الله، حين يظهر نفسه خارج السلطة، ويدّعي أنّه يلعب دور المعارضة. فيما هو يمسك بزمام كلّ الأمور. والغاية من قلب قواعد اللعبة هي إعادة تكريس التوازن، لأنّ الواقع القائم يعكس اختلالاً في التوازن، باعتبار أنّ حزب الله وإيران يأخذان أكثر من حصتّهما، فيما المعادلة لا يمكنها أن تسمح بذلك.

خطوة إلى الوراء

“على المرء أن يتراجع خطوةً إلى الوراء ليتقدّم فيما بعد خطوات إلى الأمام”، قال الحريري أمام عدد من الصحافيين قبل أن يعلن عزوفه. والآن سنكون أمام احتمالين لا ثالث لهما:

1- السعي إلى إنشاء جبهة سياسية تنتمي إلى الحريريّة الوطنية والسياسية، قادرة على تشكيل جسم سياسي واضح المعالم والأهداف والمشروع.

2- مقاطعةٌ سياسيةٌ وردّة فعل عاطفية أو غاضبة ستقود السُنّة في لبنان إلى مصير سُنّة العراق أو مسيحيّي لبنان بعد العام 1992.

منطق المواجهة في لبنان بدأ يتّخذ بعداً سلبيّاً. وهو ليس بعداً يمكن البناء عليه في هذه المرحلة لإعادة إنتاج تسويات تجمّل القوى السياسية. وتظهر المؤشّرات السلبية في اللامبالاة الخليجية، والشروط الدولية، وغياب الحريري

لكن هل من قدرة على إيجاد بديل يملك قوّة الحريري أو رمزيّته الشعبيّة؟

لا مؤشّرات جدّيّة حتّى الآن إلى ذلك.

وهذا أقصر الطرق إلى الفوضى وهذا يعزّز القناعة بأنّ المعادلة اللبنانية، وفقاً للطريقة التي ترسّخت فيها، ستفضي إلى تسويات لن تغيّر من واقع الحال شيئاً. فما قاله الحريري عن النفوذ الإيراني في بيان إعلان عزوفه يعني أنّ الوضعيّة القائمة، التي نتجت عن خلق واقع جديد بفعل التسويات والمساومات، لم توصل إلى أيّ نتيجة. وهذه الذهنية موجودة لدى الآخرين الذين يعتبرون أنّ أيّ تسوية جديدة لن تؤدّي إلى تغيير في قواعد اللعبة أو موازين القوى.

فهل كان الانهيار والفوضى مطلوبين منذ زمن لإعادة إنتاج التركيبة؟

المعادلة كلّها تحتاج إلى تغيير. وقد جاءت المبادرة الكويتية السعودية الدولية في هذا السياق. ويبقى الأساس فيها إعطاء مهلة خمسة أيّام، باتت على مشارف النهاية. على الرغم من أنّه لا يمكن توقّع موافقة السلطة في لبنان على مثل هذه المبادرة. ما يعني أنّ الغاية العربية والدولية هي إثبات أنّ كلّ الأوراق والمحاولات قد اُستُنفدت في لبنان. ولذلك سيكون الإهمال مبرّراً بانتظار تشييد بناء سياسي داخلي – خارجي متكامل قد يحتاج إلى وقت بلا شكّ، لأنّه سينجم عن مسار طويل الأمد، ولا يمكن وضعه في خانة خطوات متباعدة بين طرف وآخر. وفي هذا السياق تندرج خطوة خروج الحريري من الملعب، استعداداً لِما سيأتي فيما بعد.

وعليه، فإنّ منطق المواجهة في لبنان بدأ يتّخذ بعداً سلبيّاً. وهو ليس بعداً يمكن البناء عليه في هذه المرحلة لإعادة إنتاج تسويات تجمّل القوى السياسية. وتظهر المؤشّرات السلبية في اللامبالاة الخليجية، والشروط الدولية، وغياب الحريري.

إقرأ أيضاً: السُنَّة بعد الحريري: إقفال “المؤسّسة”؟

لذا لا يمكن التوهّم بأنّ الحلول ستكون سريعة. لأنّ الخطوات المطلوبة تقوم على مسار طويل يرتكز على القضم والاستنزاف وليس على الذهاب إلى خيارات دراماتيكية سريعة. خصوصاً في ظلّ عدم توافر أيّ رغبة أو مصلحة في تفجير الساحة اللبنانية أمنيّاً وعسكرياً. ولبنان لا يحتمل مغامرات كبرى. وتكتيك التقدّم خطوةً بخطوة، هو الطريق الوحيد لمحاولة إنتاج مجموعات سنّيّة قادرة على تشكيل حضور وازن، سياسياً، فكرياً، ثقافياً، نخبوياً وشعبياً. 

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…