أين العرب؟.. الحزب يدمّر لبنان عن سبق الإصرار

مدة القراءة 3 د

تفرغ هذه البلاد من روحها. تضمحلّ وتندثر وتتلاشى. لم يعد لشيء فيها أيّ رونق. فقدت ألقها وقدرتها وحيويّتها ودورها ومركزيّتها وسحرها وجاذبيّتها. واستحالت، كما استحال أهلها، حيرانة مكلومة مثلومة، وكأنّها ما عرفت يوماً شظف العيش، ولا تعرّفت إلى الأهوال والمصائب التي لا تأتيها فُرادى.

أكثر ما يبعث على القلق في موازاة هذا المشهد، هو النزوح الجماعي نحو الانزواء والانطواء. وهو نزوح يرتبط على نحو وثيق بتبدّل الأولويّات. الناس باتت تبحث عن أبسط مقوّمات كرامتها. عن أكلها وشربها ودفئها ومدرستها واستكمال يوميّاتها من دون مفاجآت أو ارتطامات. حتى الصالونات التي طالما ظلّت ملتهبة بالنقاشات السياسية والوطنية، تحوّلت إلى ما يشبه مساحة لتبادل الأفكار والخبرات حول أنجع الطرق لتوفير الكهرباء مثلاً، مع توطئة واستعراض لا بدّ منه لأحاديث مستعادة عن أزمات يوميّة آخذة في الاستفحال والتفاقم.

ليس ثمّة حلّ خارج استفاقة عربية ودولية عاجلة تحت عنوان “إنقاذ لبنان وإخراجه من قبضة حزب الله ومشروعه الجنوني قبل فوات الأوان”

يُنقل عن وزير الخارجية الفرنسي قوله أمام مجموعات لبنانية ناشطة: “لبنان ليس منسيّاً على الصعيد العربي والدولي وحسب، بل هو ليس على جدول أعمال أحد”. وهذا شيء معروف وملموس ولا لبس فيه، على الرغم من فداحة أن تُوثّق هذه الحقيقة على هذا النحو الرهيب. لكنّ الأشدّ رهبةً ووقعاً ووطأةً هو أن يصير لبنان خارج جدول أعمال اللبنانيين أنفسهم. وهذا بحدّ ذاته ما يدفع إلى إعادة رسم الصورة وقراءة الأحداث، انطلاقاً من الخلاصة، التي وصلنا إليها في مقالة سابقة، حول مسؤولية حزب الله ورغبته وتخطيطه، بهدف الوصول إلى ما وصلنا إليه.

هل من شكّ بعد أنّ حزب الله ليس متضرّراً من الأزمة وليس مستفيداً عابراً على هامشها، بل هو صانع لتفاصيلها، ومشرف وضنين على حسن تطبيقها؟ انطلاقاً من عزل لبنان وإخراجه من جدول أعمال العالم، وتركه لمصيره ولتخبّطه ولأزماته، وصولاً إلى دفع الكثرة الكاثرة من اللبنانيين نحو الكفّ عن الاهتمام بأيّ شأن سياسي أو وطني، ناهيك عن النزف المتعاظم للنخب وللشباب، في مقابل تعميم اليأس والإحباط والإصرار على تظهير مشاهد العجز وانعدام القدرة، ليس على حلّ الأزمات المهولة أو المستعصية، بل حتّى على عقد جلسة لمجلس الوزراء فحسب.

ماذا يعني تعطيل الحكومة بعد أسابيع قليلة على تشكيلها، فيما البلاد دخلت برمّتها مرحلة الانهيار الكامل والشامل؟ ماذا يعني أن يعقد حزب الله مؤتمراً للمعارضين في “الجزيرة العربية” (بدل تسمية السعودية)، وأن يرفع حدّة الخطاب والتوتّر، فيما نحن بأمسّ الحاجة إلى تبريد الأجواء وتخفيف الاحتقان وإعادة وصل ما انقطع بين لبنان والدول العربية؟ ماذا يعني كلّ هذا وغيره، إن لم يكن استكمالاً لدفع العالم نحو عزل لبنان والتسليم بالأمر الواقع فيه؟

هذا جرف مدروس وممنهج للأرضية اللبنانية، وهذا استفزاز مقصود لدفع الدول الشقيقة والصديقة نحو ترك لبنان وعزله ومعاقبته، وهذا أيضاً وأيضاً إصرار فظيع على تهجير اللبنانيين وكسرهم وإشغالهم بتحصيل أبسط مقوّمات عيشهم، فيما يغيبون عن واحد من أكبر التحوّلات الجذرية في تاريخ لبنان.

ما الحلّ؟

إقرأ أيضاً: السعوديّون للّبنانيّين: أنقذوا ما تبقّى من وطنكم…

ليس ثمّة حلّ خارج استفاقة عربية ودولية عاجلة تحت عنوان “إنقاذ لبنان وإخراجه من قبضة حزب الله ومشروعه الجنوني قبل فوات الأوان”. أمّا الرهان على انتخابات نيابية ستغيِّر هذا الواقع، فهو محض سراب وأضغاث أحلام.

 

مواضيع ذات صلة

انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

واشنطن   أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية. في الوقت ذاته…

قراءة سياسيّة في أزمة النّزوح… التي ستطول

حرب عامي 2023 و2024 لا تشبه حرب عام 2006 في العديد من الأمور، ومنها الحكومة القائمة وقتها، والحماسة العربية والدولية للبنان، والحجم الأقلّ للحرب وخسائرها….

رعب أوروبا من تقاطع ترامب وبوتين فوق سمائها

قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، لا تخفي عواصم في أوروبا قلقها من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ولا يقوم ذلك القلق على شكّ…

“الميدان” الذي ننتظر “كلمته” يتمدّد من الخيام إلى إيران

“الكلمة للميدان” هي اللازمة التي تردّدها قيادة الحزب في تعليقها على جهود وقف النار في لبنان وشروط إسرائيل. بين ما يرمي إليه استخدام هذه العبارة…