ما تريده ميليشيا الحزب

مدة القراءة 5 د

اُختُتم العام 2021 بخطابين سياسيّين لكلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة (مع وقف التنفيذ) نجيب ميقاتي، شكّلا مدرسة في تقنية الخضوع لميليشيا الحزب، بالتوازي مع انتحال صفات الاعتراض عليها أو مساجلتها.

نقاط التقاطع بين الخطابين أربع:

1- إدانة التوتير غير المبرَّر لعلاقات لبنان العربية.

2- الإقرار بالحاجة إلى استراتيجية دفاعية تقوم على أساس المرجعية الحصرية للدولة.

3- الإقرار بالحاجة إلى استراتيجية للسياسة الخارجية للبنان.

4- التشديد على ضرورة انعقاد مجلس الوزراء وتحريره من التعطيل.

اُختُتم العام 2021 بخطابين سياسيّين لكلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة (مع وقف التنفيذ) نجيب ميقاتي، شكّلا مدرسة في تقنية الخضوع لميليشيا حزب الله، بالتوازي مع انتحال صفات الاعتراض عليها أو مساجلتها

الجامع المشترك بين هذه العناوين الأربعة أنّها تقود في نهاية المطاف إلى ميليشيا الحزب. فتوتير العلاقات العربية هي الحرفة التي تمتهنها الميليشيا، وهي المستهدف الأول بالحديث عن الحاجة إلى توحيد السياستيْن الدفاعية والخارجية، وهي بلا شكّ قوة الاعتقال الرئيسية لمجلس الوزراء، خارج منطوق الدستور وقواعد النظام السياسي.

بيد أنّ الرجلين، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبعدما اختارا مسار نصف الشجاعة والكثير من الإنشاء الرديء، ما لبثا أن انتكسا إلى حيث يريد لهما الحزب.

أجاد الرئيس نجيب ميقاتي تدبيج نظرية “توسعة الميثاقيّة”، ومخاطر أن تؤدّي التوسعة إلى “تحويل الميثاقية إلى أداة غلبة وتسلّط”، منتقداً “سطوة السلطة السياسية المذهبية”.

صحيح أنّ العونيين لا يقلّون قفزاً إلى الذهن عن الحزب، حين يحضر الحديث عن فائض الاستثمار في هذه العناوين، أي “شرشحة” الميثاقية واستفحال “سطوة السلطة السياسية المذهبية”، بيد أنّ اللحظة السياسية التي يتحدّث فيها ميقاتي تستحضر حزب الله أكثر ممّا تستحضر غيره. فاختطاف الميثاقية وإعادة تدويرها، ضمن تقنيات الهيمنة المذهبية التي يتلاعب بها الحزب، تعطيلاً لمجلس الوزراء اليوم.

وهنا التحيّة واجبة لدولة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي وإن توافرت له ظروف مختلفة تماماً عن المتوافر لرئيس الحكومة الحالية، إلا أنّ شجاعته في حماية مجلس الوزراء وهيبة رئاسة الحكومة، والدستور والجمهورية، والحرص على انعقاد المجلس على الرغم من استقالة وزراء الثنائي الشيعي، تستأهل استلهامها وإعادة الاعتبار لها في ظلّ كمّ الجبن السياسي الذي يأسر حياتنا الوطنية.

لقد هالني أن أسمع الرئيس ميقاتي، وبعد تلاوته المتعثّرة للنصّ النقدي المتعلّق بتوسعة الميثاقية، يعود ويقرّ تماماً بما أراده الحزب، حين شدّد على التزامه عدم دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في ظلّ غياب مكوِّن من مكوِّنات الحكومة!!

أليس هذا الالتزام، يا دولة الرئيس، هو كلّ ما يريده منك الحزب، ولأجله يسمح لك بانتحال صفات الشجاعة الدستورية، ما دامت هذه الشجاعة ليست أكثر من نصّ يُقرأ، بلا أيّ مفاعيل سياسية ومؤسّساتية؟

أمّا رئيس الجمهورية، الذي من محاسن العام 2022 أنّه يحمل، دستورياً على الأقلّ، موعد نهاية عهده المشؤوم، فتذكّر الاستراتيجية الدفاعية في ختام سنواته الستّ، وبعدما بدّد جلّ ما له من رصيد سياسي ومعنوي وشعبي. ولم يلج هذا الباب إلا من زاوية مناكفة الحزب، أو مغازلة المجتمع الدولي ضماناً لتوريث صهره فرصة رئاسة الجمهورية..

ولأنّ نصف الشجاعة سريعة الذوبان، بدأ الرئيس “بثلاثيّة حزب الله الذهبية”، الجيش والشعب والمقاومة، التي تحمل كلّ مضامين ضرب الجمهورية والدستور، وتعطي لِما يُسمّى “المقاومة” منزلة شبه تكوينية في أساس الكيان اللبناني.

أليس هذا الالتزام، يا فخامة الرئيس، هو كلّ ما يريده منك الحزب، ولأجله يسمح لك ببعض الإنشاء الرديء عن استراتيجية دفاعية، تعرف ونعرف أنّها باتت جزءاً من عُدّة شغل عتيقة وما عادت تنطلي على أحد.

ربّما لأنّك تعرف، قرّرت الهرب إلى عنوان يثير غرائز بعض المسيحيين، وربّما المسلمين هذه الأيام، بالحديث عن اللامركزية الموسّعة، التي آخِر ما يُراد منها تطوير الإدارة اللبنانية، وأوّل مرادها إيقاظ فانتازمات التقسيم، علّها ترمّم الشعبية المسيحية المنهارة لك وللصهر الميمون في سنة انتخابات برلمانية ورئاسية.

ينتقد ميقاتي توسعة الميثاقية، ثمّ يلوذ بمندرجاتها ليتجنّب الصدام مع الحزب. ويخطب رئيس الجمهورية عن حماية الدولة والدستور والنظام، ثمّ يلوذ بثلاثيّة ميليشيا الخراب ليتجنّب الصدام مع الحزب!

من سوء حظّ عون وميقاتي أن يتزامن كلامهما المفخّخ بالمناورات النثرية، والتزيين اللغوي الزجليّ، والإنشاء السياسي الرديء، مع كلام مباشر وصريح حملته عبارات بسيطة للملك سلمان بن عبد العزيز خلال الخطاب السنوي لأعمال السنة الثانية من الدورة الثامنة لمجلس الشورى السعودي.

إقرأ أيضاً: الحزب: 7 تحدّيات… و3 استحقاقات

قال الملك:

“تحثّ (المملكة) جميع القيادات اللبنانية على إيقاف هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة”.

كلّ لبناني يعرف دقّة هذا التوصيف وصواب هذا الطرح ووحدانيّته كمدخل لوضع لبنان على سكّة استعادة فرصه بالحياة.

وكلّ الخطاب السياسي اللبناني “يحور ويدور” حول هذه العبارة التي نادراً ما تُقال بهذا الوضوح والمباشرة. والأهمّ أنّها إذا ما قيلت، فغالباً ما تُقال بغية تجديد التسويات مع ميليشيا الحزب.. ولكن.. أليس هذا ما تريده الميليشيا؟

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…