راقبوا تايوان: إنّها الحرب المقبلة

2022-06-24

راقبوا تايوان: إنّها الحرب المقبلة

بعد الحرب في أو على أوكرانيا، بدأت طبول الحرب تُقرَع على أو في تايوان. تحلّق الطائرات العسكرية الصينية في سماء الجزيرة متحدّية الحظر الأميركي. والأسطول الأميركي السابع يمخر عباب بحر الصين متحدّياً الحظر الصيني. لم يبدأ بعد العدّ العكسي لوقف الحرب الأوكرانية. ولكنّ كلّ المؤشّرات تشير إلى أنّ العدّ العكسي للحرب التايوانية قد بدأ.. والله يستر!!

في عام 1928 وُقّعت أوّل معاهدة عالمية لمنع نشوب الحرب. أُطلق على المعاهدة اسم “كيلوغ-برياند” نسبة إلى اسمَيْ وزيرَيْ خارجيّة فرنسا والولايات المتحدة في ذلك الوقت. وانضمّت إليها 63 دولة.

لم تمنع معاهدة “كيلوغ-برياند” نشوب الحرب. فقد عانى العالم من انفجار سلسلة من الحروب وليس من حرب واحدة

قبل هذه المعاهدة كانت الحرب مفتوحة أمام كلّ قادر أو طامح.. أو طامع. بعد المعاهدة أصبحت الحرب مشروعة في حالة واحدة فقط، وهي الدفاع عن النفس. ولذلك لم يعُد مسموحاً وفق الأعراف الدولية الجديدة ضمّ أيّ جزء من الدولة المنهزمة إلى الدولة المنتصرة. لقد وضعت المعاهدة حدّاً لحروب الفتوحات التي كانت مفتوحة على مصراعيها.

منذ ذلك الوقت حصل استثناءان. الأوّل بعد الحرب العالمية الثانية حين طلب جوزف ستالين الرئيس السوفياتي ثمن موافقته على معاهدة السلام (1945) بالسيطرة على معظم دول أوروبا الشرقية. أمّا الاستثناء الثاني فكان مسرحه الشرق الأوسط، حيث أُقيمت دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين. ولا تزال تقضم ما تبقّى منها من خلال المستوطنات التي تقيمها في الضفة الغربية وفي صحراء النقب.

لم تمنع معاهدة “كيلوغ-برياند” نشوب الحرب. فقد عانى العالم من انفجار سلسلة من الحروب وليس من حرب واحدة: الحرب الكورية، الحرب العربية – الإسرائيلية، الحرب الهندية – الباكستانية، الحرب الفيتنامية، الحرب الأهليّة اليوغسلافية، والآن الحروب المشتعلة في كلّ من أوكرانيا واليمن والعراق، والحرب التي لم تتوقّف في سوريا.

المنطق الاستردادي

كانت الغاية من الحرب هي التوسّع والاستيلاء. إلا أنّ ذلك لم يعُد مقبولاً بموجب المعاهدة (ولو أنّه لا يزال ممكناً). ولذلك تصف روسيا الحرب على أوكرانيا بأنّها حرب استرداد وليست حرب احتلال. فشرق أوكرانيا بأغلبيّة سكانه من الروس يعتبره الكرملين أرضاً روسيّة. بل إنّ كلّ أوكرانيا كانت في حسابات الكرملين جزءاً من الإمبراطورية القيصرية الروسية، ثمّ من الإمبراطورية الشيوعية السوفياتية.

لا روسيا تعتبر حربها في أوكرانيا توسّعاً، بل استعادة، ولا إسرائيل تعتبر وجود قوّاتها في الضفّة الغربية احتلالاً، بل “استعادة” للأرض “الموعودة”

هذا المنطق “الاسترداديّ” هو المنطق الذي تعتمده الصين اليوم. ذلك أنّ جزيرة تايوان كانت جزءاً من الصين، وانفصلت عنها أثناء الحرب الأهليّة. والمجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة لم يعترف بها دولة مستقلّة شأنها في ذلك شأن هونغ كونغ.

عندما دخلت القوات الروسية شبه جزيرة القرم في عام 2014 وصفت موسكو عمليّتها العسكرية بالاسترجاع وليس بالتوسّع والضمّ. وهو المنطق ذاته الذي تستخدمه في الحرب على أوكرانيا اليوم. وهو أيضاً المنطق الذي تردّده الصين في تطلّعاتها القومية “لاسترجاع” تايوان.

ليست تايوان جزيرة منسيّة وحسب. فهي تقع في بحر الصين، الممرّ الوحيد لأكثر من نصف التجارة العالمية. ثمّ إنّها المصنع الأكثر تقدّماً لإنتاج الأدوات الإلكترونية التي تدخل في تركيب الأجهزة من الهواتف المحمولة والحواسيب، حتّى الصواريخ العابرة للقارّات.

قبل إقرار معاهدة “كيلوغ-برياند” في عام 1928 كانت حروب التوسّع تؤدّي إلى ضمّ مساحات من الدول المنهزمة تُقدّر بحوالي 115 ألف ميل مربّع كلّ عام. بعد المعاهدة استمرّت الحروب، لكنّ نسبة الضمّ انخفضت إلى أقلّ من 6 آلاف ميل مربّع كلّ عام. كذلك انخفضت نسبة العدوان على الدول المستقلّة من حوالي 1.5 في المئة إلى 0.17 في المئة.

وبموجب هذه المعاهدة أيضاً استعادت دول عديدة أراضيها التي تعرّضت لاحتلال خارجي منذ عام 1948، إلا فلسطين التي لا يزال قضم أراضيها أو ما تبقّى منها مستمرّاً حتى اليوم.

لم تكن استعادة الأراضي المحتلّة محصورة بنتائج الحرب العالمية الثانية (1939) فقط، بل شملت الأراضي المحتلّة في عام 1928، أي عام إقرار المعاهدة الدولية.

ومن الأمثلة على ذلك:

– امتناع الدول المنتصرة في الحرب (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) عن ضمّ أيّ أراضٍ محتلّة إليها (باستثناء عملية محدودة بين فرنسا وإيطاليا).

– أعادت قوات الحلفاء إلى الصين منطقة منشوريا.

– حُرّرت إثيوبيا من الاحتلال الإيطالي.

– حُرّرت الدول الأوروبية من الاحتلال الألماني.

وبقي الاستثناء الأوكراني في أوروبا الشرقية والاستثناء الفلسطيني في الشرق الأوسط.

تنفجر الآن في أوروبا الحرب الأوكرانية على خلفيّة توسّع حلف شمال الأطلسي. وفي الشرق الأوسط تنفجر الأزمة الفلسطينية على خلفيّة توسّع الاستيطان الإسرائيلي.

إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب بوتين يربح الحرب!

لكن لا روسيا تعتبر حربها في أوكرانيا توسّعاً، بل استعادة، ولا إسرائيل تعتبر وجود قوّاتها في الضفّة الغربية احتلالاً، بل “استعادة” للأرض “الموعودة”.

تعلّم الكوكب الكثير من الدروس والعِبَر من الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي أدّت إلى مقتل 11 مليون إنسان. ولكن لا يبدو أنّه تعلّم ما يكفي لمنع نشوب حروب جديدة. فكانت الحرب العالمية الثانية، وبعدها كانت سلسلة حروب، وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا اليوم.

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…