أوستن يبيع مياه الأحمر المالحة في “حارة السقايين”

2023-12-24

أوستن يبيع مياه الأحمر المالحة في “حارة السقايين”


أطلق وزير الدفاع الأميركي يوم الإثنين الماضي 18/12/2023 مبادرة أمنيّة باسم “حامي الازدهار” تضمّ تحالف قوات بحريّة متعدّدة الجنسيّات يهدف إلى حماية التجارة في البحر الأحمر، وذلك بعد تصاعد عمليات استهداف جماعة الحوثي للسفن التجارية انسجاماً مع القرار الذي اتّخذه زعيم هذه الجماعة عبد الملك الحوثي باستهداف كلّ السفن الإسرائيلية أو المتّجهة إلى الموانىء التابعة لها، وربط بين وقف هذه العمليات وإدخال المساعدات الإنسانية إلى أهالي قطاع غزة ووقف نهائي لإطلاق النار والعملية العسكرية الإسرائيلية.

من المفترض، حسب بيان البنتاغون الأميركي، أن يضمّ هذا التحالف أو هذه المبادرة الجديدة عشر دول أعلنت بشكل رسمي مشاركتها إلى جانب أميركا، وهي بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا. كما أضاف بيان البنتاغون أنّ العديد من الدول أبلغت مشاركتها في هذه المبادرة، لكنّها فضّلت عدم الكشف عن اسمها.

ليس بعيداً عن اليمن والحوثيين، يتوقّف الجانب العربي والخليجي كثيراً عند السكوت الأميركي أمام الاعتداءات الإيرانية على الملاحة في مياه الخليج وخليج عدن وبحر عمان وصولاً إلى المحيط الهندي

حماية أعالي البحار

من المفترض أنّ مهمة ودور القوات البحرية المشارِكة في مبادرة “حامي الازدهار” في إطار وتحت مظلّة “القوات البحرية المشتركة – The Combined Maritime Forces” ومختصرها (CMF)، وحسب التعريف الرسمي، هو إنشاء شراكة بحريّة متعدّدة الجنسيّات تهدف إلى دعم قواعد النظام الدولي ومكافحة الجماعات غير المشروعة في أعالي البحار.

بالعودة إلى الذاكرة، يعود تأسيس هذه القوات البحريّة إلى عام 2002 بعد تنامي عمليات القرصنة في المحيط الهندي وباب المندب وخليج عدن. وتشكّل فرقة العمل 153 الذراع التنفيذية لهذه القوات، وكانت تضمّ حينها نحو 38 دولة، بما فيها غالبية دول الخليج والشرق الأوسط. واتّخذت مقرّاً لها قاعدة الأسطول الخامس الأميركي في مملكة البحرين. وتعمل من أجل حماية الممرّات التجارية وضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر والخليج.

من يستمع إلى التفاصيل التي أوردها الوزير الأميركي أوستن حول مهمّة هذه المبادرة وآليّات عملها، تحضر أمامه المطربة المصرية الراحلة شريفة فاضل وأغنيتها “على مين على مين يا سيد العارفين؟”، التي كتب كلماتها حسين السيّد ولحّنها منير مراد وغنّتها في حفلة بيروتية عام 1966، وخاصة اللازمة التي تقول فيها “على مين بتبيع الحب لمين/ إن كنت جاي تغنّي/ روح اسأل قبلها أنا مين/ ما تروحش تبيع الميّه في حارة السقّايين”.

هنا لا ضير من رسم مشهد الوزير أوستن وهو يحمل قُلّة من الفخار ملأها من مياه البحر الأحمر المتدفّقة من فتحة باب المندب، وراح يدور فيها على دول الجوار منادياً عليها علّ من يشتريها منه بأغلى الأثمان، لأنّ ريعها سيعود لمساعدة جماعات تهافتت على فلسطين من جميع أصقاع العالم وتخوض معركة مصيرية مع أكثر من 8 آلاف طفل وأكثر من 6 آلاف سيّدة، من بين نحو 100 ألف شهيد وجريح ومفقود ومعتقل، تجمّعوا في سجن قطاع غزة المفتوح والمحاصَر من جميع الجهات وباتوا يشكّلون تهديداً وجودياً لزعيم “المنطقة” بنيامين نتانياهو، واعداً من يشتري منه أن يأتيه في المرّة المقبلة بماء أكثر ملوحة من آبار غزة.

يقال إنّ المرء عندما لا يجد في نفسه القدرة على الابتداع أو الإتيان بشيء جديد، يعود إلى دفاتره القديمة ليفتّش فيها عن شيء يتوافق مع الوضع الذي يمرّ فيه، فيعيد صياغته وإلباسه ثوباً جديداً في كلمات منمّقة

أميركا تبيع ملح البحر

البنتاغون الباحث عن سوق لمبادرات وأوراق يسحبها من جيبه الخلفيّ، يبدو أنّه لم يجد هذه المرّة أمامه سوى البحث عن ورقة سبق أن رماها على طاولة المزايدات، معلناً العودة إلى إحياء “مبادرة القوات البحرية المشتركة”، وإعادة إنتاجها بصيغة جديدة. ولهذا فقد تكبّد عناء زيارات مكّوكية لعواصم المنطقة لتسويقها والبحث عن مشترين لها علّهم يأخذون بعضاً من العبء المالي عنه، شاكياً في الوقت نفسه من ارتفاع حدّة المنافسة بين صواريخه وصواريخ ومسيّرات الحوثي. فهو مضطرّ إلى أن يطلق صاروخاً يكلّفه 2 مليون دولار ليزيح من المنافسة مسيّرة حوثية لا تكلّف أكثر من ألفَي دولار (2,000$).

يقال إنّ المرء عندما لا يجد في نفسه القدرة على الابتداع أو الإتيان بشيء جديد، يعود إلى دفاتره القديمة ليفتّش فيها عن شيء يتوافق مع الوضع الذي يمرّ فيه، فيعيد صياغته وإلباسه ثوباً جديداً في كلمات منمّقة، فيتحوّل حينها إلى مصداق حقيقي لتكملة أغنية شريفة فاضل التي تقول فيها: “قالو إنّك بتألّف في الليلة سبع غنوات/ والغنوة الواحدة في ليلة تلحّنها سبع مرّات/ وتروح تاني يوم وتقولها بدموع وحنين وآهات”.

السعوديّة ترفض.. وهي مُحقّة

عندما كانت المصالح العربية في السعودية تحديداً تتعرّض لسلسلة من الاعتداءات، سواء من قبل جماعة الحوثي التي استهدفت المنشآت الاستراتيجية النفطية، إضافة إلى السفن وخطوط التجارة باتجاه السعودية في البحر الأحمر، لم تعمد الولايات المتحدة الأميركية إلى تفعيل العمل في التحالف الدولي الذي أُعلن عام 2002 بمشاركة السعودية. لذلك من الطبيعي أن تعلن الرياض رفضها المشاركة في التحالف الذي حمل لواءه وزير الدفاع لويد أوستن نتيجة ما تقوم به جماعة الحوثي من استهداف للسفن الإسرائيلية، خاصة أنّ هذه الجماعة لم تعلن نيّتها استهداف المصالح العربية وخطوط تجارتها.

إقرأ أيضاً: انتخابات العراق: 83% قاطعوا.. الحلبوسي مفاجأة.. والمالكي تراجع

ليس بعيداً عن اليمن والحوثيين، يتوقّف الجانب العربي والخليجي كثيراً عند السكوت الأميركي أمام الاعتداءات الإيرانية على الملاحة في مياه الخليج وخليج عدن وبحر عمان وصولاً إلى المحيط الهندي. ولم تتحرّك الآلة العسكرية البحرية الأميركية إلا عندما تعرّضت بعض السفن الإسرائيلية لاعتداء من قبل البحرية الإيرانية، ووصل الأمر إلى تعزيز وجودها قبل نحو خمسة أشهر في البحر الأحمر من خلال إرسال نحو ألفَي جندي من قوات المارينز وبعض الغوّاصات والقطع البحرية لترابط في البحر الأحمر لمواجهة التهديدات الإيرانية.

لذلك من حقّ الدول الخليجية أن ترفض الانضمام إلى الدعوة التي أطلقها الوزير الأميركي ولسان حالها يردّد مع شريفة فاضل:

“ما بقاش في وقت يا روحي / للشكوى والهجران / ليك ماضي كلّه سوابق/ في الحبّ ملكش أمان / أنا لا عمري أحبّ الخاين/ ولا أحبّ الكدّابين / متروحش تبيع الميّه / في حارة السقّايين”.

مواضيع ذات صلة

غابت الأسطورة… “الإطار” باقٍ!!

في سيرة الأسطورة ثمّة لحظة واحدة هي لحظة كافية لولادتها، لحظة يصير فيها صاحبها أسطورة. في سيرة السيّد حسن نصرالله لحظاتٌ كثيرة. البعضُ يحدّدها في…

خمس حقائق في اغتيال السيّد

الجمعة 27 أيلول 2024 محطّة مفصليّة في تاريخ لبنان. تحاكي بأهمّيتها الثلاثاء 14 أيلول 1982 (اغتيال بشير الجميّل) والإثنين 14 شباط 2005 (اغتيال رفيق الحريري)….

الوهم الإيرانيّ “القاتل”

تعتري المواقف الايرانية ازدواجية لا مثيل لها. تصرّح بالشيء وتفعل نقيضه. ما يهمّها هو مواصلة إيهام جمهورها الداخلي كما أتباعها في الخارج بأنّها تمتلك الإمكانيات….

إسرائيل… من التفوق إلى الجنون

دعونا نبدأ الحكاية من حزيران 1967، مع أن ما قبلها كان يشبهها، حيث عقدة التفوّق والقدرة العسكرية، استحكمت في نفوس الإسرائيليين وعقولهم لدرجة اليقين بأنهم…