الصدر يقاطع الانتخابات ويتراجع عن تعطيلها (3/3)

مدة القراءة 6 د


وصل زعيم التيار الصدري السيّد مقتدى الصدر إلى قناعة بأنّ كلّ الأساليب والمواقف والتحرّكات التي لجأ إليها في الأشهر الأخيرة بهدف الضغط على الحكومة العراقية والقوى السياسية وإجبارها على إلغاء أو تأجيل الانتخابات المحلّية (انتخابات المحافظات)، قد فشلت واصطدمت بحائط هذه القوى بمختلف انتماءاتها المكوّناتيّة والسياسية.

اللجوء إلى شارع التيار الصدري ووضعه في مواجهة الحكومة والقوى السياسية، تحت شعارَي “فرض مقاطعة الانتخابات بالقوّة الشعبية” و”رفض الشارع لإعادة إنتاج الطبقة الفاسدة”، لم يوصل الصدر إلى الهدف الذي يريده، لأنّ التحرّك الذي قامت به جماعات من التيار وحملة تمزيق الإعلانات الانتخابية وصور المرشّحين ومنع اللقاءات الانتخابية، كادت أن تنقلب إلى مواجهة بين هذه المجاميع والقوات الأمنيّة وأجهزة الدولة، وخاصة أنّ رئيس الوزراء خرج وأكّد أنّ الدولة لن تتهاون مع هذه المجاميع التي تسعى إلى ضرب الأمن والاستقرار وتعطيل العملية الدستورية، وهي رسالة قرأها الصدر جيّداً فسارع إلى التغريد متخلّياً عن هذه المجاميع، رافعاً الغطاء السياسي وداعياً في المقابل إلى المقاطعة وسحب الشرعية “الصدريّة” عن أيّ مرشّح من أبناء التيار يستمرّ في ترشّحه.

بغضّ النظر عن النتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات، وحجم المشاركة الشعبية والنسبة المئوية لهذه المشاركة، فإنّها ستنتهي إلى نتيجة واحدة، وهي سيطرة الأحزاب والقوى المشاركة فيها على مجالس المحافظات

آخر خطوات التراجع التكتيكي، إذا جاز التعبير، التي لجأ إليها الصدر مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّر يوم الإثنين في 18 كانون الأول (بعد أيام)، هي ما غرّد به على موقع X بدعوة أتباعه إلى التطهّر قائلاً: “نحن أناس يتطهّرون من دنس فسادهم وألعوبة انتخاباتهم، وهم أناس يفسدون، والله لا يحبّ الفساد، فتطهّروا ولا تعتدوا على انتخاباتهم الفاسدة، واحفظوا للعراق أمنه واستقراره… فالعراق بذمّتكم والدين بذمّتكم والمذهب بذمّتكم”. في المقابل وفي استجابة لهذا الموقف، بدأت دوائر في التيار الصدري الدعوة إلى ممارسة دور توعوي في يوم الانتخابات، من خلال فتح حوارات مع الناخبين في محاولة لإقناعهم بعدم المشاركة ومقاطعتها.

يأتي موقف الصدر هذا بعد الحديث عن تحضيرات قامت بها قواعد التيار الصدري استعداداً ليوم الانتخابات، ومنها التجمهر والتخييم على أبواب مراكز الاقتراع لمنع الناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع، بهدف تقليل نسبة المشاركة وبالتالي إسقاط شرعيّتها. إلا أنّ ما لمسه هو موقف صلب من الحكومة والقوى السياسية واستعدادها لضرب أيّ تحرّك يستهدف الانتخابات، إلى جانب مواقف دولية وإقليمية رحّبت بإجرائها باعتبارها تعزّز العملية الديمقراطية وقدرة الحكومة على تعزيز التنمية والخدمات في المحافظات.

الصدر وسحب الذرائع

الهدف الذي أراده الصدر من هذا الموقف هو تأكيد مبدأ المقاطعة وعدم المشاركة، وسحب أيّ ذريعة من خصومه لاتّهامه بتخريب العملية الديمقراطية. في حين قد يصبّ ذلك أيضاً في إبعاد نفسه عن شبهة أو اتّهام قد يوجَّه إليه إذا ما شهد يوم الانتخابات أعمال شغب واشتباكات نتيجة الاحتقان الذي يعيشه الشارع العراقي، وبالتالي يكون قادراً على التنصّل من هذه الأعمال حتى لو قامت بها جماعات من التيار الصدري. والصدر يتقن عملية التنصّل كما فعل في أحداث المنطقة الخضراء والاشتباك الذي حصل بين سرايا السلام الجناح العسكري للتيار والقوات الأمنيّة حين حاول اقتحام هذه المنطقة في صيف عام 2021، وأدّى إلى سقوط أكثر من 100 ضحية، فعندئذٍ خرج ووصف المتقاتلين بالقول: “القاتل والمقتول في النار”.

في المقابل، تبدو القوى السياسية لمختلف المكوّنات العراقية الشيعية والسنّية والكردية، بناء على ما كشفته النائبة عاليا نصيف عن دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، قد وضعت آخر اللمسات لتوزيع حصصها في المحافظات، وآليّات مراعاة أوضاع وظروف كلّ طرف من الأطراف في التعامل مع قواعده الشعبية.

في هذا السياق يأتي قرار تأجيل جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء 13/12 التي كانت مقرّرة لانتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفاً لمحمد الحلبوسي الذي أُقيل وأُنهيت عضويّته بناء على قرار من المحكمة الاتحادية العليا بتهمة تزوير مستند واستخدام مزوّر. إذ يبدو التوافق بين هذه القوى، خاصة بين غالبية قوى “الإطار التنسيقي” وأقطاب المكوّن السنّي في تحالف “القيادة” المشكّل من حزب “تقدّم” بقيادة الحلبوسي و”السيادة” بقيادة خميس الخنجر، على تأجيل اختيار الرئيس الجديد لما بعد الانتخابات المحلية، وذلك لإعطاء المجال للحلبوسي لترميم الموقف داخل قواعده الشعبية وما أصابها من تصدّعات بعد قرار المحكمة، ومن أجل الوقوف على حجم التمثيل الذي ما زال يتمتّع به بناء على المؤشّر الذي ستقدّمه نتائج هذه الانتخابات.

من المفترض أن يكون رئيس البرلمان الجديد ترجمة لموازين القوى داخل المكوّن السنّي، خاصة بين قطبَيْه الحلبوسي والخنجر، وعليه بدأت ملامح هذه التسوية بالظهور، بعدما ردّت المحكمة العليا الدعوة القضائية المقدّمة من بعض النواب المطالبة بحلّ حزب “تقدّم” الذي يتزعّمه الحلبوسي على خلفية كسر هذا الحزب لقرار تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، من خلال التعاقد مع شركة أميركية للدعاية يعمل فيها رئيس الوزراء الأسبق إيهودا باراك بصفة مستشار.

إقرأ أيضاً: العراق: تحالفات سنّيّة برعاية شيعيّة (3/2)

بغضّ النظر عن النتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات، وحجم المشاركة الشعبية والنسبة المئوية لهذه المشاركة، فإنّها ستنتهي إلى نتيجة واحدة، وهي سيطرة الأحزاب والقوى المشاركة فيها على مجالس المحافظات مع ما يعنيه ذلك من مشاريع إنمائية واستثمارات وبنى تحتية وخدمات من المفترض أن تتحوّل إلى أصوات في صندوق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المقبلة وتعزيزاً لمواقع هذه الأحزاب في العملية السياسية. إلا أنّها في المقابل تكشف حقيقة لا يمكن تجاوزها، وهي بداية خروج الصدر من الإدارات المحلّية بعدما خرج من العملية السياسية والحياة البرلمانية من خلال القرارات التي لجأ إليها بعد أحداث “غزوة الخضراء”. ولن يعوّض عن هذه الخسارة كلّ القرارات التي يتّخذها لتأكيد عزوفه عن مشاركة الفاسدين، أو تلك التي بدأت بطرد منتسبي التيار الصدري أو سرايا السلام الجناح العسكري للتيار ممّن ينشطون في الحملات الانتخابية لبعض المرشّحين.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…