هدنة غزّة لبنانياً: وحدة الساحات أم فصل المسارات

2023-11-26

هدنة غزّة لبنانياً: وحدة الساحات أم فصل المسارات


في آخر اتصال معه طالب الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو بأن “تعمل تل أبيب على تهدئة المواجهات المتصاعدة مع الحزب خلال أيام الهدنة الإنسانية في غزة”. لكنّ نتانياهو، وفق ما نقلت القناة 13 الإسرائيلية: “أنهى المحادثة دون إعطاء التزام قاطع للرئيس الأميركي في هذا الشأن”، كأنّه يريد ترك باب الجنوب مفتوحاً على كلّ الاحتمالات.

على خلاف موضوع غزّة فإنّ أيّ مسؤول إسرائيلي لم يخرج إلى الإعلام معلناً أنّ الهدنة التي تمّ التوصّل إليها الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني تسري على الجنوب اللبناني الذي شكّل على امتداد الحرب الإسرائيلية على غزة جبهة إشغال خاضها في مواجهة الإسرائيليين على الأراضي اللبنانية المحتلّة.

لكنّ عدم الإعلان لم يلغِ دخول الجبهتين في هدنة إنسانية بالتزامن. فحين سكت هدير الطائرات في أجواء غزة لم تسجّل ساحة الجنوب أيّ تطوّر أمني باستثناء تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية في أجواء العاصمة بيروت، وهو ما يعدّ بمنزلة رسالة بفصل مسار غزة عن الجنوب.

منذ أن نضج حديث التوصّل إلى هدنة إنسانية تعاطى الحزب ضمناً باعتبار أنّ هدنة غزة تسري تلقائياً على جبهة الجنوب طالما أنّها جبهة إسناد وإشغال، وطالما هدأت في غزة فالهدوء سيسري حتماً على الجنوب.

خلال جولته بين لبنان والدوحة أكّد وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان أنّ هدنة غزة تسري على ساحة الجنوب. لكنّه حذّر إسرائيل من أنّها إذا حاولت خرق هذه الهدنة فسيردّ الحزب حتماً

الجنوبيّون عادوا…. المستوطنون لا

لهذا انتشرت صور قوافل العائدين إلى منازلهم، على مخارج بيروت الجنوبية، من أهالي القرى المحاذية للحدود، بعدما نصح الحزب سكان المنازل الملاصقة بإخلائها في أيّام الحرب الأولى. لكن لم ترصد كاميرات الإعلام عودة المستوطنين في الجانب الإسرائيلي إلى مستوطناتهم التي أخلوها. ولم تصدر إسرائيل إذناً بالعودة بعد على غرار ما فعلت حين أمرتهم بالمغادرة. بل على العكس، فإعلامها نشر أمس خبراً نقله عن المتحدّث العسكري يفيد عن إسقاط صاروخ أرض جو أُطلق من الأراضي اللبنانية باتجاه طائرة إسرائيلية موجّهة عن بعد، وأنّ طائرات مقاتلة من سلاح الجوّ قامت بضرب البنية التحتية للحزب. وتحدّث الخبر عن إطلاق صاروخ اعتراضي خلال الحدث، دوّت على أثره صافرات الإنذار في شمال فلسطين المحتلّة، بسبب طائرة مجهولة.

في المقابل، لم يؤكّد إعلام الحزب الخبر، ولم يصدر بياناً على جري عادته حين ينفّذ عملية. وهو ما يمكن تفسيره على أنّه محاولة إسرائيلية لفصل مسار الجنوب عن غزة في ظلّ أصوات آتية من الداخل الإسرائيلي تدعو إلى استمرار الحرب ضدّ الحزب في الجنوب.

دعوات إسرائيليّة إلى حرب على لبنان

الكاتب عوزي ديان دعا في صحيفة “معاريف” الإسرائيلية نتانياهو إلى “استغلال الهدنة في الجنوب، للقيام بعملية هجومية في الشمال”، مقترحاً “إقامة منطقة موت (Death Zone)، من حدودنا حتى نهر الليطاني”، كي “نبعد الصواريخ المضادّة للدروع القاتلة خارج مداها، ونستطيع البدء بإعادة مواطنينا إلى المستوطنات على الحدود مع لبنان”.

صمت نتانياهو وامتنع عن تقديم أيّ تعهّد تجاه جبهة الجنوب. ولهذا الصمت دلالاته السياسية والعسكرية معاً. فهو من جهة يرفض الاعتراف بحقيقة تحوُّل الحدود الجنوبية مع لبنان إلى جبهة إسناد لغزّة، ويريد من جهة ثانية إبقاء خياراته العسكرية مفتوحة. هو الخارج من حرب أنهكته، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي ألحقها بغزّة وأهلها ومدنيّيها، لم يلغِ حقيقة انتصار حماس في جرّه إلى تبادل للأسرى على خلاف ما قال في بداية حربه الهمجية. وهو قد يبحث عن مغامرة تعوّض خسارته المعنوية والعسكرية.

نتانياهو يريد “شريطاً حدوديّاً” جديداً؟

كما تعمّد الغموض في ردّه على طلب الرئيس الأميركي يتقصّد نتانياهو ممارسة الغموض ذاته إزاء الجبهة الشمالية مع لبنان رافضاً التسليم بحقيقة الربط بين الساحتين، وإصراره على إنكار أنّ ساحة الجنوب اللبناني هي، كما قال الحزب، ساحة إسناد ودعم لغزّة.

تعدّ موافقته على اعتبار أنّ الهدنة تسري على الساحتين معاً بمنزلة اعتراف بالمعادلة التي أرساها الحزب، بينما هو يريد التعاطي مع ساحة الجنوب على أنّها ساحة منفصلة أو مكان ردّ اعتباره العسكري مستقبلاً، على أمل واهم بتحقيق هدف يصبو إليه، وهو إبعاد الحزب عن الحدود المباشرة معه وخلق خطوط تماسّ أو منطقة عازلة معه داخل لبنان.

الأمور في الجنوب لم تعد بعد العدوان الإسرائيلي على غزة كما كانت قبله: فقد تغيّرت قواعد اللعبة، ولم يعد القرار 1701 يفي بغرضه في المرحلة المقبلة

عبد اللهيان: إحذروا… الحزب سيردّ

خلال جولته بين لبنان والدوحة أكّد وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان أنّ هدنة غزة تسري على ساحة الجنوب. لكنّه حذّر إسرائيل من أنّها إذا حاولت خرق هذه الهدنة فسيردّ الحزب حتماً. بينما قالت مصادر قريبة من محور المقاومة إنّ الحزب لن يتعامل هذه المرّة مع أيّ عدوان إسرائيلي على أنّه مجرّد ردّ على عملية، بل سيعتبره عدواناً مباشراً يستلزم ردّاً بكلّ السبل.

تتّكل إيران والحزب في لجم إسرائيل على أميركا التي سعت بكلّ جهدها لضمان عدم توسيع جبهة الجنوب. وهناك خلاف إسرائيلي – أميركي تجاه هدنة غزة. فبينما تعتبرها إسرائيل هدنة إنسانية مؤقّتة تستعدّ بعدها لتعاود حربها على الفلسطينيين، تسعى أميركا من خلال قطر إلى تحويل الهدنة إلى وقف طويل لإطلاق النار تساندها إيران التي دخلت على خطّ المفاوضات للتوصّل إلى الهدنة.

بدوره يعتبر الحزب أنّ الهدنة مستمرّة طالما استمرّت عملية التبادل. لكن إذا فشلت لأيّ سبب أو خلاف بين إسرائيل وحماس حول الأسرى، فستعاود إسرائيل حربها وترتكب مزيداً من المجازر ولو بأشكال مختلفة، وقد نكون هنا أمام مسألة وقت ليس إلّا. لكنّ مقاربة الموضوع من ناحية الحدود الجنوبية مختلفة. فالحزب المقتنع بأنّ الهدنة ستسري حتماً على جنوب لبنان بعد غزة سيكون مستعدّاً لكلّ الاحتمالات متى كرّرت إسرائيل عدوانها على فلسطين.

لكن في اعتقاد العارفين أنّ إسرائيل لن تجرؤ على عدوان كهذا لوجود الرادع الأميركي من جهة، ولعلمها أنّ ردّ الحزب على عدوانها سيكون قاسياً. ومن هنا هدّد عبد اللهيان بأنّ معاودة الحرب على غزة ومعاودة الحزب إشعال ساحة الإشغال ستؤدّيان إلى فتح جبهات ردّ جديدة.

نهاية القرار 1701؟

على الرغم من ارتفاع سقف تهديداته، كان واضحاً أنّ مسعى الوزير الإيراني أقرب إلى التهدئة منه إلى التصعيد. فإيران التي كانت شريكاً هي والحزب في دعم جبهة غزة، عملت دبلوماسيّتها على مسارَي الصمود في الحرب، ومحاولة الوصول إلى تهدئة. وهي أيضاً لا تريد تصعيداً على جبهة الجنوب، ولا توسيع رقعة الحرب، خصوصاً بعدما أعادت طهران نسج خطوط علاقتها مع العرب ودول الخليج، وأولاها المملكة العربية السعودية، وأعادت الانفتاح على السنّة، ووقفت إلى جانب حماس على الرغم من تحفّظها على عملية “طوفان الأقصى”، وتستمرّ في محاولاتها العودة إلى سابق علاقتها مع الدول العربية.

إقرأ أيضاً: الحزب بعد غزّة: تشدّد داخليّ في “كلّ العناوين” السياسية؟

قبل أن تعلنها إسرائيل، تعامل معها الحزب على أنّها واقع. فسرت هدنة غزة المؤقّتة على الجنوب اللبناني. لكنّ إيران والحزب يتحسّبان من امتداد العدوان إلى لبنان، مع علمهما أنّ الحائل دونه حتى اليوم ضغوط أميركا والغرب. وهذا ما نقله الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى المسؤولين اللبنانيين.

لكنّ الأكيد أنّ الأمور في الجنوب لم تعد بعد العدوان الإسرائيلي على غزة كما كانت قبله: فقد تغيّرت قواعد اللعبة، ولم يعد القرار 1701 يفي بغرضه في المرحلة المقبلة.

مواضيع ذات صلة

ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟

أكثر فأكثر تتراكم علامات الاستفهام حول موقف الحزب الحقيقي ممّا يجري في كواليس المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 على خطّ بيروت-واشنطن-تل أبيب…

أوكرانيا تجنّد الجهاديّين الذين يحاربهم الغرب وأميركا!!

تستغلّ أوكرانيا انشغال العالم بالنزاع المتدحرج في الشرق الأوسط نحو حرب مفتوحة للتوسّع في سياسات تجنيد تتّسم بالخطورة على الأمن القومي الأوروبي، وذلك بهدف تعويض…

واشنطن وبرّي.. يحميان المطار؟

أصدر لبنان إشعاراً جوّياً (NOTAM) يتعلّق بعمليات هبوط الطائرات المدنية والعسكرية في مطار رفيق الحريري الدولي، يطلب من جميع شركات الطيران الأجنبية إعادة التقدّم بطلب…

لغز “رئيس الـ86″… ونتنياهو يسوّق خسارته البرّيّة..

بالتوازي بين الميدان والسياسة، كلّ العوامل يتمّ إنضاجها لتترافق مع الحلّ سلسلة خلاصات ستترجم في قرارات دولية ستغيّر المشهد السياسي في لبنان. في الجنوب اشتباك…