غزّة: الفاتيكان على خطّ المفاوضات لإطلاق الرهائن والمعتقلين

مدة القراءة 6 د


كما ذكرنا في مقال سابق بعنوان “وساطة فاتيكانية: البابا يستقبل أهالي الرهائن والسجناء؟” (نُشر بتاريخ 4 تشرين الثاني 2023)، استقبل البابا وفداً من أهالي الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس. كما التقى وفداً فلسطينياً. يضمّ بعض أهالي المعتقلين في السجون الإسرائيليّة، ربّما لاستحالة خروجهم من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة. التقى البابا الوفدين في لقاءين منفصلين صباح الأربعاء 22 تشرين الثاني.

إنّه الإرهاب

بعد ذلك توجّه البابا إلى قاعة بولس السادس للّقاء الأسبوعيّ التقليديّ كلّ يوم أربعاء مع الكاثوليك وغير الكاثوليك الآتين من مختلف دول العالم. حمل معه قلق ذوي الرهائن لدى حماس ومعاناة الشعب الفلسطيني منذ 75 عاماً. بعد الصلاة والعظة الدينيّة قال: “التقيت هذا الصباح وفدين، واحداً (ضمّ) إسرائيليين بعضٌ من أفراد عائلاتهم رهائن في غزّة، وآخر (ضمّ) فلسطينيين لهم أسرى (في السجون) في إسرائيل. كلّهم يعانون. سمعت معاناتهم: الحروب تصنع هذه (المعاناة)، لكنّنا هنا أمام ما هو أبعد من الحرب، إنّه الإرهاب”. لم يحدّد البابا هويّة هذا الإرهاب. ولكنّه قصد “الإرهاب” من الطرفين. إرهاب حماس في هجومها على مناطق غلاف غزّة. وإرهاب إسرائيل في حربها الوحشيّة على غزّة.

موقف الفاتيكان الواضح والثابت يعود إلى عدم ازدواجية المعايير لديه كما لدى الولايات المتحدة الأميركيّة والدول الأوروبيّة، التي برزت بشكل واضح بانحيازها الكامل لإسرائيل

اعتراض اليهود وردّ الفاتيكان

كلام البابا عن “الإرهاب” لم يرُق لليهود. اعترض عليه حاخامات إيطاليا معتبرين أنّ البابا يساوي بين حماس وإسرائيل. حرّروا رسالة اعتراض وأرسلوها للفاتيكان. فأتى الردّ من أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الذي قال إنّها ليست المرّة الأولى التي يُهاجَم فيها الفاتيكان من قبل الأطراف المتصارعة أو المتحاربة. وذكّر بأنّه في الحرب العالميّة الأولى هوجم البابا بنتدكتوس الخامس عشر من قبل طرفَي الحرب (دول الحلف ودول المحور).

ومنذ أكثر من سنة اتُّهم البابا فرنسيس بمساواته بين روسيا المعتدِية وأوكرانيا المعتدى عليها. في حين أنّ البابا تكلّم عن “حرب اعتداء”، كما قال بارولين. وأعاد التذكير أيضاً بأنّ “الفاتيكان اتّخذ موقفاً واضحاً ضدّ هجوم حماس”. وهو يرفض الحرب الإسرائيليّة على غزّة التي ذهبت إلى “ما هو أبعد من الحرب”، إلى الإرهاب، على حدّ قول البابا فرنسيس.

موقف الفاتيكان الواضح والثابت يعود إلى عدم ازدواجية المعايير لديه كما لدى الولايات المتحدة الأميركيّة والدول الأوروبيّة، التي برزت بشكل واضح بانحيازها الكامل لإسرائيل. لذلك تعرّضت للكثير من الانتقادات من قبل الرأي العامّ المحليّ (في هذه الدول) والعالميّ، إذ انقلبت المعايير لديها رأساً على عقب بين 24 شباط 2022 (تاريخ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا) و7  أكتوبر (تشرين الأول)، تاريخ بدء الحرب الإسرائيليّة على غزّة.

الناس يموتون في غزّة

“البابا يريد أن يكون قريباً من المعاناة ومن المتألّمين”، قال الرجل الثاني في الفاتيكان. وهذا ما بدا واضحاً من خلال استقباله الوفدين، خاصّة الوفد الفلسطينيّ الذي عرض أفراده لمعاناتهم وآلامهم التي فاقت كلّ معاناة وكلّ آلام.

“في لقائنا مع البابا هذا الصباح، كلّ منّا رَوى ما عاشه. كلّ منّا كانت له قصّة مختلفة. ولكنّ كلّها انتهت بالطريقة ذاتها: الناس يموتون في غزّة”. هذا ما قالته سهير أنستاس، واحدة من أعضاء الوفد الفلسطيني في حديث إلى موقع الفاتيكان الإخباريّ. فهي من سكان مدينة غزّة. لجأت مع أفراد عائلتها إلى رعية العائلة المقدّسة اللاتينيّة في 13 تشرين الأول. “لم يكن المكان آمناً. لا مكان آمناً إطلاقاً عندنا (في غزّة). تنامين ولا تعرفين ما إذا كنت ستستيقظين في الصباح التالي”. وبالفعل كانت تل أبيب قد هدّدت بقصف الكنيسة واقتحامها، كما قصفت المستشفيات وطوّقتها ثمّ اقتحمتها بحجّة وجود أنفاق ومراكز لحماس فيها قبل أن تعلن أنّها لم تجد شيئاً من هذا. كما قصفت المدارس التي تؤوي آلاف الهاربين من جحيم الحرب.

هذا التهديد دفع بالأب سيريل الفرنسيّ إلى تنظيم مسيرة صلاة إلى “سيّدة الحماية” في مدينة مرسيليا الواقعة على البحر المتوسّط على الضفة الأخرى المقابلة لقطاع غزّة. الأب سيريل، رئيس دير الدومينيكان في المدينة، قضى سنوات في الأراضي المقدّسة وعاش معاناة الفلسطينيين وتعلّم اللغة العربيّة بلهجتهم.

في تعليقه على صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل قال أمين سرّ دولة الفاتيكان إنّ لقاء البابا بالوفدين الإسرائيليّ والفلسطينيّ “يمكن أن يساعد في التوصّل إلى حلّ”

هل ستموتين؟

سهير أنستاس حالفها الحظّ بالخروج من قطاع غزّة لأنّها تحمل جواز سفر كنديّاً. روت للبابا رحلة الخروج: “كنّا سبعة أشخاص. بينهم طفلان. واحد يبلغ من العمر 7 سنوات والآخر سنة واحدة. استغرقت مسيرة الخروج ساعات بالسيّارة (في حين أنّ المسافة لا تتجاوز بضعة كيلومترات). أكملناها سيراً على الأقدام”. وأضافت لموقع الفاتيكان: “لم يكفّ ابن الـ 7 سنوات عن طرح السؤال على أمّه: “هل ستموتين؟”. لم تستطع الأمّ تطمين ولدها. اكتفت بالقول: “كل شي رح يكون منيح”. فالموت يحيط بهم من كلّ جانب”.

اللافت في لقاء الوفد الإسرائيليّ، المؤلّف من 12 عائلة، تعاطفهم مع معاناة الفلسطينيين الذين يقضون في غزّة بسبب الحرب الإسرائيليّة الوحشيّة. وقد نقلوا هذا التعاطف إلى البابا. والدة هيرش، الأسير لدى حماس، قالت: “هذا الوضع العبثيّ الذي بدأ في 7 أكتوبر قضى بسببه العديد من الضحايا الأبرياء مثل ابني هيرش، لكن أيضاً العديد من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء”.

إقرأ أيضاً: الحقيقة التاريخيّة: القتل الوحشيّ لا يحمي إسرائيل

في تعليقه على صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل قال أمين سرّ دولة الفاتيكان إنّ لقاء البابا بالوفدين الإسرائيليّ والفلسطينيّ “يمكن أن يساعد في التوصّل إلى حلّ”. وأضاف أنّ الاتفاق بين طرفَي الصراع “خطوة مهمّة” تعطي أملاً بالتوصّل إلى إطلاق كلّ الرهائن والأسرى وإلى وقف نار نهائيّ لهذه الحرب وليس فقط إلى هدنة أيام. هذا ما يأمله الفاتيكان، وهذا ما يريده ويعمل من أجله منذ 7 أكتوبر من خلال دبلوماسيته “الصامتة” كما تؤكّد دائماً مصادر دبلوماسيّة في الفاتيكان.

مواضيع ذات صلة

حلب تعكس عمق مأزق إيران والحزب… والنّظام السّوريّ

يرفض الحزب أخذ العلم بما حلّ به وبلبنان. يصرّ على أنّه حقّق انتصاراً على إسرائيل متجاهلاً كلّ ما له علاقة بالواقع. يشير هذا التجاهل للواقع…

إيران في سوريا: العسل المرّ

منطق “شرعيّة” وجود مجموعات الحزب والميليشيات الإيرانية على الجبهات في سوريا يقول إنّ النظام في دمشق هو من طلب. وإنّ هذه القوى هي التي استجابت….

7 عسكريين إسرائيليين يجيبون: لماذا لم “نقضِ” على الحزب؟

خاضت إسرائيل الحرب ضدّ الحزب في لبنان تحت عنوان سياسي كبير: “إضعاف إيران يبدأ بإضعاف أذرعها”. وكان أوّل أهدافها السياسية المباشرة تفتيت “وحدة الساحات”، وعزل…

سوريا: أخطاء الأسد… أعادت المتطرّفين

أخطأ الرئيس بشار الأسد عندما تصرّف وكأنّه المنتصر في الحرب قبل أن تضع أوزارها ويستعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية. اتّكأ على إيران وروسيا أكثر…