بشّار “غوتيريش” الأسد

مدة القراءة 3 د


الأمر الأكثر غرابة خلال القمّة العربية – الإسلامية كان كلمة الرئيس السوري بشار الأسد، التي استغرقت قرابة 7 دقائق، فبدا “أبو حافظ” من خلال تلك الكلمة المقتضبة وكأنّه سماحة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
أخبرنا الأسد في تلك الدقائق السبع عن الجرائم والفظائع الإسرائيلية، ودعانا إلى مدّ الفلسطينيين بالمساعدات العاجلة، وكذلك إلى إعادة إعمار البنى التحتية لاحقاً (تماماً كما فعل بالمدن السورية بعد الحرب)، ونصحنا بمقاطعة إسرائيل لكن على طريقة شعبان عبد الرحيم. وهي مقاطعة إسرائيل نفسها التي استمسك بـ”عروتها الوثقى” حينما شعر بـ”الزنقة” حتّى يحافظ على نظامه إبّان الثورة السورية التي امتدّت لأكثر من عقد كامل،  وواجهها بالقتل والإجرام والفظائع.
لكن على الرغم من هذا كلّه، كانت كلمة الأسد أكثر كلمات الرؤساء والملوك عِبَراً ومعاني، إذ أرسى فيها الأسد معادلات، وكشف للشعوب العربية من بين تلك التي تجيد القراءة بين السطور والأحرف، الكثير من الحقائق المخفيّة.
تحدّث الأسد عن المجازر الصهيونية بحقّ الشعب الفلسطيني، وهو الذي قتل منهم الكثير في مخيّم اليرموك، وكذلك الآلاف من أبناء الشعب السوري. إذ تُجمع الأمم المتحدة ومركز توثيق الانتهاكات والمرصد السوري لحقوق الإنسان على أنّ رقم ضحايا الثورة السورية يدور في فلك 400 ألف قتيل، وهو ما يعني أنّ الأسد قد سبق الصهاينة بأشواط كبيرة، بل كان “سيّدهم” وأستاذهم وملهمهم في الحصار الذي ينفّذونه على قطاع غزّة، وعلى الرغم من ذلك عاد العرب ليتقبّلوه ويستوعبونه في قممهم.

تعلّم الإسرائيليون من الأسد مهارات الحصار وفنون استهداف المدارس والمستشفيات ومآوي النازحين

الأسد “معلّم” الإسرائيليين
تعلّم الإسرائيليون من الأسد مهارات الحصار وفنون استهداف المدارس والمستشفيات ومآوي النازحين. درسوا حصاره في داريا والمعضّمية عام 2012، واكتسبوا من خبراته حرفة قصف المستشفيات وقطع شبكات الكهرباء تزامناً مع الضربات الجوّية المكثّفة من أجل إجبار السوريين على الخروج من قراهم وبلداتهم ومدنهم وبيوتهم… وها هو السيناريو نفسه يتكرّر في غزّة اليوم.
لكن على الرغم من فظاعة الإجرام الصهيوني، ما فعله الأسد في سوريا لم تجرؤ حتى إسرائيل على فعله (أقلّه حتى الآن): فهو قصف شعبه بالأسلحة الكيميائية، ثمّ استخدم البراميل المتفجّرة لسنوات بعدما رسمت له واشنطن “خطّاً أحمرَ”، بينما ارتكب جيشه الاغتصاب والقتل الممنهج وتلذّذوا بتوثيق جرائمهم عبر مقاطع فيديو…. وهذا ما لم تصل إليه إسرائيل (نكرّر أقلّه حتى الآن).
“لا يمكن استعادة حقّ والمجرم أصبح قاضياً واللصّ حكَماً”، وردت تلك الجملة في خطاب الأسد، فظننت لوهلة أنّه يرسم نفسه Autoportrait على طريقة “فان غوغ”.
تحدّث الأسد عن معادلة لم يرَها أحد قبله، فقال: “المزيد من الوَدَاعَة العربية مع إسرائيل تساوي المزيد من الشراسة الصهيونية، والمزيد من اليد الممدودة عربياً تعادل المزيد من المجازر الإسرائيلية”.

إقرأ أيضاً: لا صوت يعلو فوق صوت إم زهير

كان الأسد بذلك يروي تماماً ما حصل معه لدرجة أنّ كاميرا النقل المباشر خرّت ساجدة من هول المشهد، فارتفعت صوب الأعلى لتلتقط الزخرفات الجميلة المنقوشة في سقف القاعة والثريّات الكريستال الرائعة، تماماً كالشخص “اللامبالي” الذي يرفع ناظريه إلى الأعلى حينما لا يعجبه الحديث.
كانت تلك العبرة الثانية التي تفيد بأنّ الجماد (الكاميرا) خجل من وقاحة الأسد ولم يقدر على استيعاب ما يقوله في تلك القمّة: بشار غوتيريش الأسد!

 

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…