بالتوقيت العثماني – الإخواني- الأطلسي، أعطى قائد أركان كتائب القسّام محمد ضيف إشارة الانطلاق لعملية “طوفان الأقصى” فجر السابع من تشرين الأول، واضعاً قيد التطبيق كلّ الاستعدادات التي استمرّت لنحو عامين بما فيها المناورات والتدريبات والترسانة الصاروخية والبشرية التي تمتلكها “حماس”، والتي بنتها بالتعاون والدعم والتمويل من محور الممانعة الذي تقوده إيران.
جاء القرار الذي اتّخذته القيادة العسكرية لـ”القسّام”، على الأرجح، وكما أكّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، من دون التنسيق مع أيّ من الأطراف الحليفة في المحور، ومن دون إطلاع أيّ من القوى التي تشكّل أقطاب غرفة عمليات “وحدة الساحات”.
بعيداً عن كلّ المواقف المتشدّدة التي تصدر عن قيادات محور الممانعة، من ضاحية بيروت الجنوبية وصولاً إلى طهران عاصمة المحور وحيث القيادة العليا السياسية والعسكرية، فإنّها لم تستطع ولم تكن قادرة على إخفاء حالة الصدمة التي تعيشها وتواجهها جرّاء هذا القرار الانفرادي الذي اتّخذته قيادة “القسّام” وفتحها للمعركة من دون التشاور والتنسيق معها.
التوقيت الأطلسيّ
قد يتساءل البعض: لماذا التوقيت الأطلسي؟ الأمر يعود إلى أنّ جهات على تماسّ مع دوائر القرار الأميركي في البنتاغون، تلقّت نصيحة بداية الصيف بضرورة أن تغادر دول الطوق، وتحديداً لبنان، لأنّ المنطقة ستشهد حرباً وتصعيداً كبيراً “ما بين التشرينَين”، ومن المفترض أن يقود هذا التصعيد أو المعركة إلى فرض معادلة جديدة تعيد صياغة منطقة الشرق الأوسط على أساس معادلات جديدة، خاصة في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
جاء القرار الذي اتّخذته القيادة العسكرية لـ”القسّام”، على الأرجح، وكما أكّد عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، من دون التنسيق مع أيّ من الأطراف الحليفة في المحور
قد لا تكون “حماس” شريكة في هذا التوقيت أو مطّلعة عليه، ولا يعني أنّ حلفاء “حماس” من خارج محور الممانعة، أي المحور الإخواني، لم يكونوا على اطّلاع أو معرفة به ومشاركين فيه، مقابل أن يكون لهم دور محوري في أيّ عملية تسوية قد تنتهي إليها الأوضاع الجديدة. ومن غير المستبعد أن لا تكون القيادة الإسرائيلية بعيدة عن هذه الأجواء، على الأقلّ المستوى المعارض لرئيس الحكومة من القيادة العسكرية، بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، إلا أنّ حجم الانهيار الذي أصاب المؤسسة العسكرية وحجم الخسائر من جهة، وانفلات الأمور من يد “حماس” وقيادة القسّام بسبب عجزها عن ضبط الأمور ومنع الاندفاعة الشعبية التي حصلت بعد الصدمة الأولى من جهة أخرى، أصابا تقديرات هذه العملية بالخلل، وأجبرا الإدارة الأميركية، التي كانت تأمل التخلّص من نتانياهو بسهولة، على التحرّك وحشد دعمها للحدّ من تدهور الأمور وتفاقم الانهيار الذي كشفته العملية داخل المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية.
التوقيت العثمانيّ
على مبدأ قول الإمام عليّ بن أبي طالب: “تكلّموا تُعرفوا، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه”، فإنّ دخول رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشغل على خطّ المواقف من العملية العسكرية وتخصيص دولتَي قطر وتركيا بالشكر، يسمح برصد سريع للأهداف الكامنة وراء الحراك الذي قام به وزير الخارجية التركي حقان فيدان الآتي من جهاز الاستخبارات، والطروحات التركية التي تحدّث عنها. ورؤية أنقرة للحلّ ووقف الحرب بين “حماس” وتل أبيب تعزّز الاعتقاد بالتوقيت العثماني لقرار بدء المعركة وساعة الصفر لعملية “القسّام”. كان الوزير التركي واضحاً في الكشف عن طموح دولته وقيادته إلى لعب دور قيادي في مستقبل الشرق الأوسط يضمن لها شراكة فعليّة وفاعلة إلى جانب القوى الإقليمية العربية المعنيّة بهذه القضية وهذه التطوّرات.
بناء على حلّ الدولتين، وبالاعتماد على وجهة نظر الإدارة الأميركية المؤيّدة لهذا الحلّ بعد مناقشته معها، دعا فيدان إلى تشكيل مظلّة ضامنة للتسوية، بحيث تكون تركيا إلى جانب بعض الدول الإقليمية الضامنة للجانب الفلسطيني، مقابل أن تلعب واشنطن دور الضامن للجانب الإسرائيلي، فيما الجميع يشرف على تطبيق التسوية. وهذا يعني أنّ الدفع بهذه التسوية حسب الرؤية التركية، يضمن لأنقرة دخول القضية الفلسطينية من باب جديد وأن تلعب دوراً إلى جانب السعودية ومصر، وقد تتجاوزهما.
دخول رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشغل على خطّ المواقف من العملية العسكرية وتخصيص دولتَي قطر وتركيا بالشكر، يسمح برصد سريع للأهداف الكامنة وراء الحراك الذي قام به وزير الخارجية التركي حقان فيدان
انطلاقاً من هذه الرؤية والدور الذي تطمح إليه أنقرة وتسعى إلى القيام به وأن تلعبه، تدرك أنّ هذا الدور سيواجه معارضة كبيرة من إيران وقيادتها، لأنّه يعني بكلّ بساطة أن تتحوّل تركيا إلى منافس قويّ لها في المعادلات الإقليمية، وهو ما قد يجبرها على تخريب هذا المسار ويستدعي من تركيا التفكير والذهاب إلى خيار آخر يساعد على إخراج إيران من المعادلة الفلسطينية، وبالتالي إخراجها من كلّ المعادلات الإقليمية، أو يفرض عليها تقديم تنازلات قاسية في الملفّات الأخرى، وخاصة في سوريا والعراق، ولاحقاً لبنان. ولم يكن هذا الخيار سوى سحب ورقة القرار الحمساوي من يد طهران، عن طريق الدخول على خطّ توقيت العملية العسكرية التي قامت بها كتائب القسّام. ومن ناحية أخرى، تكون قادرة على عرقلة الرؤية السعودية التي تعمل بهدوء على بلورة رؤية مختلفة لحلّ القضية الفلسطينية تنتهي بالعودة إلى بنود المبادرة العربية للسلام القائمة على مبدأ الدولتين.
سقوط وحدة السّاحات
أمّا لماذا القول إنّ العملية العسكرية تحوّلت إلى ضربة قاسية للجهود التي بذلها محور الممانعة في تركيب معادلة “وحدة الساحات”، فيعود إلى أنّ القيادة العسكرية لكتائب القسّام لم تضع قيادات هذه الساحات في أجواء قرارها والتوقيت الذي اختارته لبدء العملية العسكرية.
هذا التوقيت وعدم معرفة الجهات المعنية بمعادلة وحدة الساحات أحبطا التخطيط الذي عملت عليه لأكثر من سنتين، وكلّ الجهود التي بذلتها عسكرياً وأمنيّاً، تدريباً وإعداداً واستعداداً لعملية عسكرية يشارك فيها الجميع وتشكّل صدمة عسكرية وسياسية أكبر وأكثر تأثيراً على المعادلة الإقليمية، خاصة وأنّ العملية حسب هذه الأطراف جاءت في توقيت لم تُستكمل فيه جميع الاستعدادات، خاصة ما يتعلّق بالجانب الخاصّ باستعدادات الفصائل الناشطة على الساحة الداخلية في الضفة الغربية وأبعد منها، وإلّا فكيف يمكن تفسير أنّ قيادات هذه الأطراف والجهات المعنية أكثر من غيرها والتي من المفترض أن تلعب دوراً أساسياً في هذه الخطة “لم تكن على السمع”، واستيقظت صباحاً ففوجئت بالخبر الصادم وإعلان القسّام البدء بالعملية العسكرية التي أطاحت بكلّ ما كانت تخطّط له وتأمل تحقيقه في التوقيت المناسب وبمشاركة جميع الساحات، وهو ما جعلها كـ”بالع الموس”، فلا هي قادرة على التنصّل من إعلان الدعم، ولا هي قادرة على إعلان الدخول بكامل قوّتها في هذه المعركة التي تتعارض مع رؤيتها في الأهداف والأبعاد، خاصة أنّها على جهل تامّ بالدوافع التي جعلت قيادة “القسّام” تذهب إلى قرار المعركة في هذا التوقيت، وهذا ما يفسّر الأعمال العسكرية التي شهدتها الجبهة اللبنانية والتي حاول فيها الحزب العمل والالتزام بقواعد الاشتباك التي فرضها في تعامله مع أيّ خرق إسرائيلي على جبهة الجنوب اللبناني، وبالتالي عدم الانجرار وراء كلّ الأصوات، خاصة من “حماس”، المطالبة بدخوله المعركة وفتح الجبهة اللبنانية. في حين أنّ الأمر بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي لم يكن بهذا التعقيد إعلان مشاركتها في المعركة، وذلك على الأقلّ لمنع إخراجها من المعادلة الداخلية في قطاع غزّة، وللحفاظ على ما بقي من مشروع وحدة الساحات.
إقرأ أيضاً: حماس أين أصابت وأين أخطأت؟