لماذا فشلت قمّة كامب ديفيد الآسيوية؟

مدة القراءة 5 د


لم تنجح القمّة الثلاثية التي عُقدت في كامب ديفيد بالولايات المتحدة. كان يُفترض أن تكون القمّة رباعية. حضر الرئيسان الياباني والكوري الجنوبي على ما بينهما من خلافات تاريخية عميقة بسبب احتلال اليابان كوريا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الرئيس الأميركي. وكان يُفترض حتى تكتمل عناصر هذه القمّة أن تكون رباعية، وأن يكون الرئيس الهندي رابعهم، لكن بغيابه لم تكتمل قاعدة التحالف الاستراتيجي التي تعمل واشنطن على إقامتها في مواجهة الصين واحتمال تحالفها مع روسيا في شرق آسيا والمحيط الهندي.
حاولت الولايات المتحدة المبالغة في تكريم الرئيس نارندا مودي شخصياً، إذ سمحت له بإلقاء خطاب ثلاث مرّات أمام مجلس الكونغرس بعدما كان ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة، لاستدراجه إلى التحالف الاستراتيجي معها، وقامت بدعم الصناعات العسكرية والإلكترونية في الهند، ووقفت معه ضدّ حليفتها السابقة باكستان، إلا أنّ الرئيس الهندي آثر تحييد بلاده، فإلى متى؟

الأميركيون وورقة الاختلاف
ليست علاقات الهند مع الصين، التي قام الحلف الثلاثي في كامب ديفيد لمواجهتها عسكرياً، على أحسن ما يرام. ولقد حاولت الولايات المتحدة استغلال سوء العلاقات الهندية – الصينية لدفع الهند نحو معسكرها الإقليمي. بدأت هذه المحاولات قبل عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
في عام 2000 قام الرئيس الأميركي بيل كلنتون بأوّل زيارة رسمية يقوم بها رئيس أميركي للهند. ومن بعده قام أربعة رؤساء، اثنان ديمقراطيان واثنان جمهوريان، بزيارات رسمية للهند. ومع كلّ رئيس، ومع كلّ زيارة، كانت الهند تحقّق مكاسب في التسلّح العسكري وفي التطوّر الاقتصادي وفي الدعم السياسي.

ليست علاقات الهند مع الصين، التي قام الحلف الثلاثي في كامب ديفيد لمواجهتها عسكرياً، على أحسن ما يرام. ولقد حاولت الولايات المتحدة استغلال سوء العلاقات الهندية – الصينية لدفع الهند نحو معسكرها الإقليمي

كانت الولايات المتحدة تلعب ورقة الاختلاف، بل الصراع الهندي – الصيني بسبب الحدود. وكان الصراع العسكري بينهما تجدّد في عام 2020. صحيح أنّه كان محدوداً إذ إنّه أسفر عن مقتل عشرين جندياً هندياً وأربعة جنود صينيين فقط، إلا أنّه كان مؤشّراً واضحاً إلى أنّ الصراع على الحدود الذي انفجر في منطقة الهيمالايا بين الدولتين الأكبر كثافة سكّانية في العالم، ما تزال جماره تحت الرماد. تعتقد الولايات المتحدة أنّها قادرة على نفخ هذا الرماد لحمل الهند على الانضواء في معسكرها الإقليمي. وبالفعل حمل القلق الهندي الرئيس مودي على سحب القوات الهندية من الحدود مع باكستان (70 ألف جندي) ونقلهم إلى الحدود مع الصين. وفي الوقت ذاته أصدرت الهند قرارات جريئة بوقف التبادل التجاري مع الصين بأجهزة الكمبيوتر وفرضت ضرائب مرتفعة جداً على الصادرات الصينية إليها بحيث اضطرّت الصين إلى وقف التصدير.
انعكس ذلك سلباً على الاقتصاد الصيني، ولو إلى حين، وكان مصدر سعادة ورضى في الإدارة الأميركية. إلا أنّ هذه الإدارة لم تتمكّن من استدراج الهند إلى الذهاب أبعد من ذلك، على الأقلّ حتى الآن. وهذا ما يفسّر عدم وجود الهند في قمّة كامب ديفيد الثلاثية (أميركا، اليابان، كوريا الجنوبية).

صفحة جديدة بين الهند والصين

تغيّرت صورة العلاقات الهندية – الصينية في عام 2021، وذلك بعد انحسار موجة كورونا (كوفيد 19) التي كادت تصيب الاقتصاد الهندي بالشلل، فانفتحت الهند على الصين وقفز حجم الميزان التجاري بينهما43 في المئة.
يبلغ حجم الميزان التجاري بين الهند والصين حوالي 136 مليار دولار في العام، أي أكثر 27 مرّة ممّا كان عليه عندما قام الرئيس الأميركي بيل كلينتون بزيارة الهند لاستدراجها إلى المعسكر الأميركي في آسيا والمحيط الهندي.
غير أنّ هذا التطوّر في المجال الاقتصادي لم ينعكس على حالة الحدود غير المرسّمة بين أكبر دولتين في آسيا. وما تزال قوّاتهما في حالة استنفار. وهو ما أدّى إلى الصدام الأخير. ولأنّ المصالح الاقتصادية تتقدّم على كلّ أمر آخر، فإنّ هذه المصالح المتبادلة والمشتركة تشكّل صمام أمان للعلاقات بين البلدين الهند والصين، وهو ما لا يريح الولايات المتحدة.
لكنّ هذا الاستنفار يترافق مع مباحثات عسكرية ثنائية لتجنّب الصدام ولإعادة رسم الحدود. وبالفعل بعد عقد 18 جلسة حوار بين العسكريين من الطرفين، تمكّنت الهند والصين من الاتفاق على ترسيم خمس نقاط رئيسة من النقاط المختلَف عليها. ولم يبقَ سوى نقطتين أساسيّتين هما موضع مباحثات الآن.

إقرأ أيضاً: فخّ “تاسيتوس” بين الصين وأميركا؟

صحيح أنّ الهند لن تعقد تحالفاً مع الصين ضدّ الولايات المتحدة، لكن من الواضح أنّه ليس في مصلحتها أن تنشئ تحالفاً مع الولايات المتحدة ضدّ الصين. ولذلك غابت الهند عن كامب ديفيد. إنّ الهند والصين هما الأكثر كثافة سكانية في العالم (2.5 مليار إنسان)، وتشكّلان معاً ثلث البشرية تقريباً، والدولتان تملكان قدرات نووية وصاروخية بعيدة المدى، ونجحت كلّ منهما في إطلاق مركبات إلى القمر، ولذلك في سلامهما سلام للعالم.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…