اللبنانيّون والأزمة الأخطر

مدة القراءة 4 د


لم يكن الشعب اللبناني بحاجة إلى مصيبة جديدة ليدقّ أولو الأمر ناقوس الخطر، فقد تجمّعت مصائب عليهم من كلّ حدب وصوب، وصار المحلّلون يكتبون عنها ويشخّصون حلولها… أزمة سياسية، أزمة اقتصادية، أزمة تعليمية، أزمة بيئية، أزمة طائفية، أزمة أمنيّة. لكن غاب عن الذكر أن يكتبوا عن أزمة أخطر مع شدّة ظهورها وكثرة حدوثها، وهي الأزمة الأخلاقية. ولا أعني هنا سوى جرائم القتل اليومية التي يتمّ فيها إزهاق الأنفس لسبب أو لغير سبب. بلد صغير وأرض معطاء وسهل كريم وجبال جميلة وساحل ساحر وعيون خرّارة وينابيع دافقة وعيش مشترك يتيح التعرّف على الثقافات المختلفة، وملايين قليلة من اللبنانيين. غير أنّ حوادث القتل اليومية تجعل بلدهم في المراتب العليا في الجرائم وإزهاق الأرواح. يختلف اثنان على أفضلية مرور فتكون النتيجة موت أحدهما. يتنازع اثنان على جدار فاصل بين عقارين فيذهب أحدهما إلى السجن والآخر إلى المقبرة وتذهب عائلتاهما نحو الفقر والضياع والتشرّد والمخدّرات. يتبادل اثنان النظرات فتكون إحدى النظرتين دافعة لقتل صاحبها. يختلف اثنان على أيّ السيارتين تركب فيها العروس فيصبح العرس مأتماً، وبدل أن تُرفع العروس على منصّة يُحمل أخوها على نعش. الدم الذي لا يصير ماء أصبح وقوداً يدفع الابن إلى قتل أبيه والأخ إلى قتل أخيه و…. إلخ. هذه كلّها حدثت في لبنان خلال الأيام الماضية.

لم يكن الشعب اللبناني بحاجة إلى مصيبة جديدة ليدقّ أولو الأمر ناقوس الخطر، فقد تجمّعت مصائب عليهم من كلّ حدب وصوب، وصار المحلّلون يكتبون عنها ويشخّصون حلولها

باختصار: لقد أصبح الإجرام ظاهرة لبنانية بوضوح… وصارت تراخيص السلاح تراخيص بالقتل، وصار اللبناني ملزماً قبل أن يخرج من بيته أن يكتب وصيّته فربّما تخرج منه كلمة مع أحد بدون قصد، تكون سبباً لخروج رصاصة بقصد، تُنهي حياته. والعجيب أنّ حوادث القتل مع انتشارها في كلّ الطوائف، لكنّها عند المسلمين تفوق مثيلاتها عند غيرهم بأضعاف، علماً أنّه مهما كتب الأدباء والمفكّرون فلن يصلوا إلى معشار ما قاله الله في كتابه منفّراً من هذه الجريمة: }من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً{، وجعل الإسلام عقوبة القتل ناراً تتلظّى في الآخرة. ففي الحديث النبوي: (إنّ من ورطات الأمور التي لا مخرج منها سفك الدماء)، وبدل أن يتشدّد القانون في معاقبة القاتل نجد أنّ النواب يعملون جاهدين لجعل السنة السجنيّة ستّة أشهر، ثمّ يتساءلون عن أسباب كثرة الجرائم. وفي المأثور: “من أمن العقوبة أساء الأدب”. والأمر الذي يدعو إلى الاستغراب أنّ الملايين الخمسة من اللبنانيين الذين يسكنون الوطن يعيش أضعافهم ثلاث مرّات خارج الوطن بأمن وأمان من دون ارتكاب جرائم. إنّ استسهال القتل واسترخاص الحياة الإنسانية كافيان لإعلان النفير العامّ من كلّ المؤسّسات الوطنية والأمنيّة لدراسة الأسباب ووضع الحلول الناجعة والناجحة، وخصوصاً من قبل المؤسّسات الدينية التي أوجّه إليها نداء إنسانياً ووطنياً أدعوها فيه إلى أن تعقد قمّة روحية لهذا الغرض وأن تبدأ الحراك السريع لمعالجة هذه الآفة التي عبّر أحمد شوقي عن بعض تجلّياتها فقال: “وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا”. يسألوننا عن حكم الانتحار لمن أصيب بمرض عضال فنفتي بالتحريم. يسألوننا عمّن تبقيه أنبوبة الأوكسجين حيّاً، ولو نزعت عنه لمات، فنفتي بوجوب بقائها، فالذي وهب الحياة هو وهو فقط من يحقّ له استرداد هذه الهبة، وأمّا من أراد أن يقفز فوق هذا الحقّ فجهنّم دنيوية بانتطاره، من سجن وتشريد ووصم بالإجرام وتلقٍّ للّعنات، وهناك جهنّم أخروية بانتظاره.. فكيف لمن كان عنده ذرّة من عقل أن يقدم على هذا الفعل؟؟!!!

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…