قضية الكاردينال ساكو رئيس الطائفة الكلدانية في العراق ليست قضية عراقية إدارية – تنظيمية داخلية، ولا هي قضية مسيحية عقائدية. بعد القرار الجمهوري بسحب إدارة الأوقاف الكلدانية.
فالكاردينال ساكو نفسه ليس رجلاً يُزاد إلى عدد رجال الدين المسيحيين في العراق وفي الشرق وحسب. بل إنّه أوّل عراقي يحصل على رتبة الكاردينالية. وهي رتبة تخوّله الترشّح لمنصب البابا في الفاتيكان وتضيفه إلى مجلس انتخاب البابا. وكان حصل على الكاردينالية من البابا الراحل يوحنّا بولس الثاني (الذي قدّسته الكنيسة الكاثوليكية). وهو البابا الذي اقترن اسمه بالحوار والمحبّة والانفتاح على الإسلام والمسلمين. والكاردينال ساكو هو نفسه ابن هذه المدرسة وأحد روّادها في الشرق.. وفي العراق تحديداً.
قال “لا” للاحتلال الأميركي
عندما احتلّت القوات الأميركية العراق، وقف ضدّ الاحتلال. وعندما قال له المحتلّ الأميركي: “أنت مسيحي ونحن مسيحيون ولقد جئنا لتحريركم”، كان ردّه أنّ المسيحية في العراق موجودة قبل ولادة الدولة الأميركية.. وهي مستمرّة منذ عهد المسيح.
عندما انفجر الإرهاب باسم الإسلام على يد تنظيم داعش وأمثاله من المنظّمات الإرهابية، رفض المنطق التبسيطي في ربط الإسلام بالإرهاب، وهو المنطق الذي رفضه قبله البابا يوحنّا بولس الثاني عندما أكّد أنّه “لا يوجد دين إرهابي، لكن يوجد إرهابيون في كلّ دين”. ومن هذا المنطق تعاون الكاردينال ساكو معنا في المؤتمرات التي نظّمها الأزهر الشريف في القاهرة. وهو الذي أوصاني بدعوة مطران كلدانيّ كان الإرهابيون اختطفوه من كنيسته وحاولوا قتله، لكنّ الله نجّاه. فكان هذا المطران أحد المتحدّثين في مؤتمر الأزهر.
لعب الكاردينال ساكو دوراً بنّاء وأساسيّاً في ذلك كلّه حتى أصبح رمزاً ومرجعاً ليس فقط لأبناء طائفته الكلدانية، بل لمسيحيّي العراق جميعاً، ولمسيحيّي ومسلمي العالم العربي أيضاً
هذا وجرى تنظيم مؤتمر إسلامي – مسيحي في بيروت استجابةً لمبادرته، وذلك للتضامن مع مسيحيّي العراق الذين تحمّلوا من وحشيّة الإرهاب باسم الدين ما لا طاقة لهم على تحمّله، ولكنّهم تمسّكوا بوطنيّتهم حتى سقط الإرهاب وأهله، وصدع صوت الحقّ عالياً من صوامعهم وكنائسهم.
مرجع لمسيحيي العالم العربي
لعب الكاردينال ساكو دوراً بنّاء وأساسيّاً في ذلك كلّه حتى أصبح رمزاً ومرجعاً ليس فقط لأبناء طائفته الكلدانية، بل لمسيحيّي العراق جميعاً، ولمسيحيّي ومسلمي العالم العربي أيضاً.
من هنا تُعتبر الإساءة إليه، ولو عن غير قصد، إساءة إلى هذا الماضي الحافل بالمواقف الإيمانية والوطنية التي كانت موضع تقدير من الأزهر الشريف ومن الفاتيكان على حدّ سواء.
وربّما أسوأ ما يتعرّض له هو سوء استغلال الإشكال الإداري الذي يواجهه مع الحكومة العراقية، ووضعه في إطار المسّ بالحرمات الدينية أو حرّيّة العبادة، والعراق بعيد عن ذلك.
إقرأ أيضاً: العراق: إحراق سفارة السويد.. و”درس” أبو مهدي المهندس
عندما زار البابا فرنسيس العراق (بغداد وقم وأور) رافقه الكاردينال شارحاً تاريخ العراق في احترام التعدّد الديني وحرّية عبادة الله. لم يتغيّر العراق. ولم يتغيّر الكاردينال ساكو. ومن هنا المدخل السليم لمعالجة الوضع غير السليم الذي طرأ على علاقات الدولة بالكاردينال كمرجعيّة عليا لطائفته الكلدانية وكمثل أعلى للحوار والانفتاح والمحبّة.
من حقّ العراق أن يفتخر بأنّ فيه رجالاً مؤمنين بالله وبالوطن أمثال الكاردينال ساكو. وهو افتخار يتجاوز، ويجب أن يتجاوز، كلّ الإشكالات الإدارية الضيّقة التي قد تسيء إلى الجوهر وإلى الأساس.