ما هو معلن يختلف عمّا يدور في الكواليس. منذ ما بعد اجتماع الدوحة، كان الجوّ السائد أنّ الملفّ اللبناني قد أُحيل إلى ما بعد شهرين على أن يسعى كلّ طرف إلى تجميع أوراقه وإعداد ملفّه والعودة إلى طاولة الاجتماع. وعليه، فقد أُحيل الملفّ اللبناني إلى شهر أيلول المقبل. ولكنّ ما يدور في الكواليس يشير إلى حركة سياسية ودبلوماسية ناشطة غايتها الوصول إلى بلورة توافق دولي يمكن أن ينسحب لبنانيّاً خلال الفترة المقبلة. أكثر من جهة وطرف يتحرّكون على خطّ الأزمة اللبنانية. الحراك الفرنسي مستمرّ على الرغم من التراجع في مضمونه، وبعدما أصبح محكوماً بالتوافق مع الدول الأربع. فيما هناك حركة مشهودة من قبل دولة قطر منسّقة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.
تطوّران قطريان
قبيل زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للبنان، حصل تطوّران أساسيّان يرتبطان بدولة قطر. إذ تكشف مصادر متابعة أنّ موفداً قطريّاً قد حطّ في بيروت بُعيد انتهاء الاجتماع الخماسي في الدوحة وبعد إصدار البيان الخماسي المشترك، وعمل على عقد لقاءات مع شخصيّات سياسية ونواب من مشارب مختلفة، وذلك بهدف البحث في إطلاق مسار سياسي جديد يؤدّي إلى التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. في هذه اللقاءات كان الموفد القطري واضحاً جدّاً في ضرورة السير بترشيح قائد الجيش جوزف عون، وهو ما عمل على إقناع العديد من الكتل النيابية به. في المقابل، تؤكّد مصادر متابعة أنّ قطر لا تتمسّك بخيار جوزف عون وحده، إنّما تبدو منفتحة على خيارات أخرى، وهي أيضاً من الدول التي تؤيّد وصول جهاد أزعور في حال توافرت مقوّمات الاتفاق على اسمه.
بحسب ما تشير مصادر متابعة، أنّ إيران لم تعد تضع الملفّ بعهدة الحزب وما يقرّره، بل هي تريد للتفاوض أن يكون معه، على أن تشكّل هي عنصراً مساعداً في الوصول إلى تفاهم
أمّا التطوّر الثاني فتجلّى في زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي لإيران ولقائه وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. وكانت الزيارة قد تركّزت على بندين أساسيَّين، الأول العمل على إحياء التفاوض الإيراني الأميركي، والثاني البحث في الملفّ اللبناني. وقد أثار الوزير القطري مسألة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وطلب من إيران المساعدة، فكان الجواب إيجابياً، وتبلّغ بأنّ إيران حريصة على التوافق في لبنان والوصول إلى تسوية تحفظ الاستقرار لأنّ إيران متمسّكة به ولا تريد للوضع أن يتدهور. وهذا هو الموقف الأوّل من هذا النوع إيرانياً، إذ كانت طهران تحيل من قبل كلّ من يفاتحها بالملفّ اللبناني إلى الحزب، وهو ما يُعتبر تطوّراً من قبل الإيرانيين.
لا يعني ذلك، بحسب ما تشير مصادر متابعة، أنّ إيران لم تعد تضع الملفّ بعهدة الحزب وما يقرّره، بل هي تريد للتفاوض أن يكون معه، على أن تشكّل هي عنصراً مساعداً في الوصول إلى تفاهم. في المقابل، فإنّ سعي قطر إلى توفير أكبر قدر ممكن من التوافق على اسم قائد الجيش، ورفع أسهم الأصوات التي سيحصل عليها إلى ما فوق 65 وصولاً إلى حوالى 70 صوتاً، من شأنه أن يسهم في إحراج الحزب سياسياً وانتخابياً، وبالتالي سيُضطرّ الحزب حينها إلى الجلوس إلى الطاولة. من هناك يمكن فهم المساعي الجدّية التي تبذلها الدوحة إلى جانب الضغوط والإجراءات وفتح الصناديق لتغيير مواقف المتردّدين أو المعارضين، ومن بينهم جبران باسيل الذي لم يعدم وسيلة لإعلان رفضه لهذا الخيار، ولذلك عاد إلى فتح قنوات التواصل مع الحزب ودخل معه في حوار مفصّل وشامل. ربّما تكون الغاية منه تقطيع الوقت إلى حين خروج قائد الجيش من منصبه.
ما هو موقف الحزب؟
بالنسبة إلى الحزب لا يمكن لمثل هذه الملفّات أو الاستحقاقات أن تعالَج بهذا الشكل، ولذلك سيكون متشدّداً إلى الحدود القصوى في المرحلة المقبلة انطلاقاً من تمسُّكه بخيار سليمان فرنجية، وهذا ما يبلغه الحزب للفرنسيين الذين أبلغوا اللبنانيين على لسان لودريان بأنّ الدول الخمس في قطر قد تجاوزت طرح فرنجية. هنا يمكن اعتبار أنّ التفاوض تحت الطاولة قد انتقل إلى التفاوض فوقها، ولا بدّ من نزع القفّازات والدخول في مفاوضات جدّية. هذه المفاوضات يريدها الحزب مباشرة مع المملكة العربية السعودية، وهو ما لم يحصل على الرغم من الرسائل الكثيرة التي أوصلها إليها. إذ ترفض السعودية التفاوض مع الحزب أو الدخول في تفاصيل الملفّ اللبناني، خصوصاً أنّها تصنّف الحزب إرهابياً، وبالتالي لا مجال للتفاوض معه.
إقرأ أيضاً: الحاكميّة تداهم لودريان والتوتّر الإقليميّ لا يُسعفه
هنا ينتقل البحث إلى صيغة أخرى تتركّز على مبدأ المفاوضات غير المباشرة، فما يريده الحزب فوق الطاولة عندما يحين الوقت هو البحث عن الضمانات السياسية والماليّة الواضحة التي ستكون ممنوحة للّبنانيين إفساحاً في المجال أمام فتح طريق “صاحب العهد الجديد” على أن يكون مرشّحاً توافقياً. شهران قبل انعقاد الاجتماع الخماسي سيكون فيهما التفاوض مفتوحاً على أوسع أبوابه في الكواليس وعبر قنوات مختلفة، لأنّ الأهمّ هو الوصول إلى تسوية شاملة قوامها سلّة متكاملة تتألّف من الرئاسة، والحكومة، وقيادة الجيش وحاكمية المصرف المركزي، وغيرها من المواقع والتعيينات، وذلك قبل موعد انتهاء ولاية قائد الجيش جوزف عون.