السعودية النوويّة (2/2): فرنسا تبني المفاعل؟

مدة القراءة 6 د

من سيبني المفاعل النووي السعودي؟ الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا أو روسيا؟

للإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من قراءة “شبكة معقّدة” من الزيارات المتبادلة خلال الأسبوعين الأخيرين:

1- وصل وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى المملكة العربية السعودية في 7 حزيران الجاري إلى مدينة جدّة السعودية، حيث التقى وليّ العهد السّعوديّ محمّد بن سلمان، وطلب منه “التطبيع” مع إسرائيل. وكان الجواب السعودي متمحوراً حول “الثوابت” العربية والإسلامية: دولة فلسطينية وفق المبادرة العربية للسلام، و”معاملة بالمثل” في السماح بمفاعل نووي سعودي. ولم يعارض بلينكن.

2- تنقّل وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان بين مسقط والدوحة والكويت وأبو ظبي. زيارات ساعدت في تبلور “وقف دائم لإطلاق النار” بين السعودية والحوثيين، وانفراجات أميركية إيرانية قد تنعكس على الملف النووي بين أميركا وإيران.

3- وصل وليّ العهد السّعوديّ إلى فرنسا الخميس الفائت والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة. ويقول مصدر عربيّ واسع الإطّلاع أنّ الفرنسيين يطمحون إلى أن يكونوا “بُناة البرنامج النوويّ السّعوديّ”. وفي هذا الإطار كانَت فرنسا تعلن عن دعمها تنظيم المملكة لـ”إكسبو 2030″، وتبدأ في التأييد الدّوليّ لذلك، في مواجهة منافسها الأوروبي إيطاليا.

كان لافتاً خلال وجود بن سلمان في باريس، أنّه أوفد وزير الخارجيّة السّعوديّ فيصل بن فرحان يوم السبت الفائت إلى العاصمة الإيرانيّة طهران، في زيارة أولى منذ توقيع اتفاق استئناف العلاقات بين السّعوديّة وإيران في الصين

لكن لماذا ستبني فرنسا المفاعل السعودي وليس أميركا وليس روسيا؟

لأنّ روسيا تستفزّ الغرب الذي تريد الرياض “التهدئة” معه. وأميركا تستفزّ روسيا التي ترتبط مع الرياض بشراكة جديدة وجديّة. أما فرنسا ففي منطقة رمادية، خصوصاً أنّ ماكرون طلب من بن سلمان “وساطة” في الحرب الأوكرانية، بين أوروبا وروسيا.

ما سرّ محوريّة فرنسا بين إيران والسعودية؟

في البداية، مع وصول الأمير بن سلمان إلى قصرِ الَإليزيه للقاء الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كانَت مديرة المراسم في القصر الرّئاسيّ تتحضّر لفتحِ باب السّيارة التي تقلّ وليّ العهد السّعوديّ. وقد عجزت، على مرأى من رئيسها وعدسات الكاميرات، عن فتح الباب مرّتيْن مُتتاليتيْن، حتّى أذِنَ محمّد بن سلمان بفتح أقفال السّيارة. كأنّه كان يقول لماكرون قبل الدّخول إلى قصر الإليزيه، إنّ المملكة هي التي “تأذن” و”تفتح الباب”.

وأحد أسرار محورية الدور الفرنسي بين إيران والسعودية، أنّ إيران وفرنسا ترتبطان بمجموعة مصالحَ تبدأ داخل إيران ولا تنتهي في أعماق البحر المُتوسّط، على خطوط الترسيم والغاز بين لبنان وإسرائيل. هذا ما يُفسّر الاندفاعة الفرنسيّة لدعم وصول مرشّح الثّنائي الشّيعي سليمان فرنجيّة إلى الرّئاسة في لبنان.

كذلك يسود اعتقادٌ في دوائر القرار الفرنسية، بأنّ إيران هي الوحيدة القادرة على ضمان مصالح فرنسا في الدول ذات النفوذ الإيراني:

– بدءاً من العراق حيثُ وقّعت شركة “توتال” اتفاقيّات تزيد قيمتها عن 20 مليار دولار مع الحكومة العراقيّة.

– وصولاً إلى لبنان حيثُ تطمح الشّركة الفرنسيّة للعمل في “البلوكيْن 4 و9″. هذا عدا عن مرفأ بيروت و”الليبان بوست” وغيرها من الملفّات التي تدرّ مليارات الدّولارات على الشركات الفرنسيّة بشكلٍ مباشر أو غير مُباشر.

مصادر دبلوماسيّة عربيّة كشفت لـ”أساس” أنّ “لبنان الذي لم يجد مكاناً له على سُلّم أولويّات الحراك الإقليميّ – الدّوليّ في الأشهر الأخيرة، اقترب أوانه”

باريس – طهران – باريس

كان لافتاً خلال وجود بن سلمان في باريس، أنّه أوفد وزير الخارجيّة السّعوديّ فيصل بن فرحان يوم السبت الفائت إلى العاصمة الإيرانيّة طهران، في زيارة أولى منذ توقيع اتفاق استئناف العلاقات بين السّعوديّة وإيران في الصين، وهي كانت معدّة مسبقاً منذ أسبوعين… ثم عاد الأحد إلى فرنسا حيث التحق بالوفد السعودي برئاسة بن سلمان، والتقى مسؤولين فرنسيين وناقشَ معهم ملفّات عديدة.

في طهران كان مدير مكتب وزير الخارجيّة السّعوديّة عبد الرّحمن الدّاود يطلبُ تغيير قاعة المؤتمر الصّحافيّ المُشترَك بين بن فرحان ونظيره الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان، اعتراضاً على وجود صورة قائد فيلق القدس السّابق قاسم سُليماني خلف منبر الوزير السّعوديّ.

البارز في هذا اللقاء أنّ عبد اللهيان أبلغ نظيره السّعوديّ عدم ممانعة طهران لبدء المملكة في بناء برنامج نوويّ سلميّ، فشاطره بن فرحان الرّأيّ بشأن برنامج طهران النّوويّ. وطلبَ منه أن تكونَ المملكة، نيابةً عن سائر دول مجلس التعاون الخليجيّ، حاضرةً في تفاصيل المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن الاتفاق النّوويّ. كما نقلَ له وجهة النّظر الفرنسيّة التي تعتبر أنّ المملكة ينبغي أن تطلّع على نقاط المُفاوضات لتفادي هواجسها الأمنيّة.

لبنان: مبعوث إيراني خاصّ

كذلك حضر ملفّا اليمن ولبنان في لقاء الوزيرين. إذ طلبَ بن فرحان من عبد اللهيان التدخّل لدى ميليشيات الحوثي لدفع العمليّة السّياسيّة قُدماً في اليمن ومحاولة الوصول إلى اتفاقٍ دائمٍ لإطلاق النّار قبل نهاية العام الجاري. وبسرعةٍ لبّى عبد اللهيان نظيره السّعوديّ ونقلَ الرّسالة إلى الحوثيين.

أمّا عن لبنان، فطرح عبد اللهيان على نظيره السّعوديّ أن تُعيِّنَ طهران مبعوثاً خاصّاً يُتابع مع السّعوديين والفرنسيين والقطريين الملفّ اللبنانيّ.

إقرأ أيضاً: السعودية النوويّة (1/2): دولة فلسطينية.. قبل التطبيع

مصادر دبلوماسيّة عربيّة كشفت لـ”أساس” أنّ “لبنان الذي لم يجد مكاناً له على سُلّم أولويّات الحراك الإقليميّ – الدّوليّ في الأشهر الأخيرة، اقترب أوانه”.

واتّفقَ الوزيران ختاماً على زيارة قريبة يُحضّر لها عبد اللهيان إلى السّعوديّة، حيث سيلتقي بن فرحان ووليّ العهد السّعوديّ تحضيراً لزيارة الرّئيس الإيراني تلبيةً لدعوة من خادم الحرميْن الشّريفيْن. وأبلغ بن فرحان نظيره الإيرانيّ أنّ بلاده لا تزال تدرس إمكانيّة بناءِ سفارة جديدة في طهران أو تجديد المقرّ الحاليّ، لكنّ الفريق الدّبلوماسيّ السّعوديّ الذي سيتوجّه إلى إيران سيُقيمُ في أحد الفنادِق التي حجزتها وزارة الخارجيّة إلى حين البتّ بمصير مبنى السّفارة.

مواضيع ذات صلة

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…

“الفرصة الأخيرة” وسط الألغام

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة…